fbpx
رحلة في إرشيف التاريخ مع أول طبيب في حضرموت والطبيب الخاص للسلطان القعيطي (الدكتور عمر بارحيم)
شارك الخبر

يافع نيوز- المكلا- حوار: أحمد زين باحميد

حضرموت تاريخ موغل في القدم ،ورحلة الحضارمة الاوائل الى المهجر الشرقي كانت محفوفة بالمخاطر، لكن اثاراها لما تزل شاهدة على قدرة الحضرمي على مواجهة الاخطار ونشر دعوته الى اصقاع العالم في شرق اسيا.
وهنا نرحل في ذاكرة واحد من جيل الرواد .. وعلم من أعلام البلاد ، نحيل في قامته ، قوي في صوته وحنجرته ،ظهرت التجاعيد على وجهه ، شاب شعره وشب قلبه ، وتوقدت عيناه ، أول طبيب وأول أخصائي جراحة عامة في حضرموت ، والطبيب الخاص للسلطان عوض بن صالح القعيطي حضرموت منتصف القرن العشرين .الشيخ الدكتور عمر سعيد بارحيم .
تشرفت بمقابلته بعد ان لمحته في احتفال تخرج الدفعة الثالثة عشرة من طلاب كلية الطب جامعة حضرموت في قاعة الأستاذ الدكتور علي هود باعباد للمؤتمرات برئاسة الجامعة ،ففتح لي قلبه ،وسمح لي من وقته ،واطلعنا على شيء من أوراقه الخاصة بخط يده :

كيف نشأت وماهي بدايات التعليم ,ووصولكم الى الطب ؟

• انا من أبناء مدينة المكلا التي أعشقها ويعتريني شوق عارم عندما اغيب عنها، وكان يوم مولدي 21مارس 1935م من اسرة حضرمية عريقة، ذات شغف بالعلم والمحبة للناس – دوعن احد اشهر وديان حضرموت المشهورة بإنتاج العسل الحضرمي – كان تعليمي الابتدائي بالحصن دار المحافظة ثم دار المحضار عمارة الان من استأذنا الافاضل : الأستاذ محمد بن هاشم والأستاذ كرامه والأستاذ باجليده رحمهم الله والأستاذ سالم بن حميد والأستاذ عمر بابطاح ،ويشرف على المدرسة ،إدارة المعارف حي الشهيد –البلاد- مديرها الشيخ المرحوم عبدالله الناخبي والشيخ عبدالله سعيد باعنقود والشيخ عمر بن محمد باحشوان رحمهم الله ، وانتقلت الى المدرسة الوسطى بغيل باوزير بمنهاجها الدراسي السوداني، وكان نظام الدراسة انجليزي سوداني صارم ، وطاقمها التدريسي الفريد من المعلمين السودانيين وبعض الحضارمة منهم الشيخ عبدالله سعيد باعنقود ،سعيد بن غوث ،مع مدرسين سودانيين حسن خوجلي كان مديرا للمدرسة الوسطى ،عوض عثمان مدرس اجتماعيات ،محجوب زيادة مدرس لغة انجليزية ،سعيد أيوب نشاطات رياضية ،وكان مدرب الجمباز السبيدار صالح – صالح بن طالب اليهري – لقد كانت المدرسة الوسطى المدرسة النموذجية ،وكان معي من الطلاب حينها المهندس فيصل بن شملان مرشح الرئاسة فيما بعد ،والاخ فرج بن غانم رئيس الوزراء فيما بعد ،ومحمد سعيد مديحج الكاتب والسياسي المعروف ,وعبدالقادر بارحيم مدير البريد ،وبعدها وبعد امتحان (Interview exam) انتقلت الى المملكة المصرية لدراسة الثانوية وكان معي الأخ احمد عمر بن سلمان وصالح عبدالملك بن همام ،وكانت بعثة أخرى سافرت للدراسة الى سوريا فيها الطلاب عبدالحميد سعيد بارحيم (شقيقي) واحمد سعيد الحضرمي وعوض عيسى بامطرف ،وبعثة ثالثة الى السودان لا أتذكر من كان فيها ،كان هذا أيام السلطان عوض بن صالح القعيطي عام 1948م ،وفي حلوان درسنا الثانوية لمدة خمس سنوات كانت تصرف لنا جنيها واحدا من الجمعية الخيرية بالمكلا وتتكفل المملكة المصرية ببقية التكاليف ،هناك حصلت على لقب الطالب المثالي ،والتقينا الأستاذ علي احمد باكثير كأول طلاب مبتعثين للدراسة في مصر ،وقابلت سيد قطب الذي كان يتردد على بعض مقاهي مدينة حلوان يكتب فيها مذكراته ،وكان الأستاذ صلاح البكري مؤلف تاريخ حضرموت السياسي مشرفا علينا ، وبعد ذلك انتقلت الى جامعة عين شمس لدراسة الطب دخلت كلية الطب وتشرفت بالجلوس مرات الى رئيس الجامعة حينها استشاري امراض وجراحة العيون الدكتور عبدالمحسن سليمان ،وعملت طبيبا ممارسا في المستشفى الجامعي بالدمرداش ،عدت الى المكلا وقابلت وزير السلطنة القعيطية السيد احمد بن محمد العطاس ومعي الأستاذ عبدالقادر بافقيه مدير المعارف ،فكتب لي امر التعيين : يعين الشيخ الدكتور عمر سعيد بارحيم ضابطا طبيا في السلطنة29نوفمبر 1962م ، وفي قسم الجراحة كنت اعمل الى جانب طبيب انجليزي يدعى جراهام كان محبوبا من الأهالي تعلمت الكثير منه في الجراحة ،وعملت في القسم طبيبا جراحا عاما وكان مهما في ذلك الوقت ان اعمل كل العمليات في الجراحة العامة والعظام والنساء والولادة والانف والاذن والحنجرة ، وأتذكر كثير من العمليات الكبرى المتنوعة ،وكنت الطبيب الخاص للسلطان عوض بن صالح القعيطي سلطان حضرموت في تلك المدة منتصف القرن العشرين ،وكان الدكتور جراهام من ساعدني واقترح على المستشار الطبي بعدن لابتعاثي الى الكلية الملكية للجراحين في لندن للدراسات العليا والتخصص(Royal College of Surgeons in London)فتحقق لي ذلك فسافرت ودرست وعملت في عدد من المستشفيات البريطانية فعملت في (نيو كاسل )وغيرها ،وعند عودتي الأخيرة الى الوطن 1973م عملت بالمكلا وزاملت عددا من الأطباء السوفيات والهنود ،وكان لي شرف السفر ضمن وفود حكومية الى الاتحاد السوفياتي السابق والهند للبحث والتعاقد مع أطباء لمستشفى المكلا ،وخلال تلك المدة قدمت محاضرات للأطباء الجدد وكذا طلاب المعهد الصحي وكان طاقم العمليات مميزا بالانضباط والمحبة والتفاني والمثابرة في العمل أتذكر منهم :سالم بارماده ،عوض اليزيدي ،بكري باعباد ،جمعان باوعيل ،عمر باجنيد ،عبدالله بامحروس ،احمد الفردي وسعيد بن شامخ .

ماذا عن المكلا السلطان والسلطنة والمشهد الحياتي بالمدينة ؟

• كانت المكلا بسيطة ،وأهلها طيبين اليوم تغيرت الثقافة انتشر الوعي لكن كثير من معاني الحب تبدلت ،فلم يعد ذلك التواصل والتعارف والحميمية بين الناس ،كان السلطان قريبا من الناس كان له مستشارون منهم جدي الشيخ ابوبكر بارحيم والشيخ عبدالله الناخبي وغيرهم.

اليوم وقد تجاوزت العقد الثامن كيف تنظر الى المشهد الطبي ؟

لا شك ان العلم قد تطور والحياة تبدلت ،انشئت جامعة حضرموت بكلياتها المختلفة ومنها كلية الطب ،وكثر الخريجون ومنهم الدفعة الثالثة عشرة من كلية الطب التي حضرت حفل تخرجها والتي اهمس في اذن كل منهم ان يحرص على الاستماع الجيد الى شكوى المريض والابتسامة في وجهه والفحص الجاد ابتداء من (full examination)وحتى لوصول الى مرحلة (final examination)لقد مررنا بمرحلة لم تكن لدينا بحضرموت اشعة ولا مختبرات الا في حالاتها الأولى فكانت وجهتنا الأولى شكوى المريض وعليها نجري بعض الفحوصات البسيطة والحمد لله كانت معظم العمليات الجراحية ناجحة ،وحققنا تطبيبا في تلك المدة اثار ارتياحا لدى الناس واستفادوا كثيرا .كانت لدينا سابقا اشعة واحدة فيها عوض بن هامل واعتمادنا في التشخيص على شكوى المريض والاستماع اليه بشكل رئيس. مئات عمليات الزائدة الدودية بهذه الطريقة .

كنت مؤسسا للجنة العليا لعلاج المرضى في الخارج 1974م،ومحاضرا في المعهد الصحي ،وعضوا في وفود طبية الى الخارج ،وعضوا في لجنة الفحص الطبي للتجنيد في السبعينات ,وعضو في مجلس جامعة حضرموت 2014/2015م،وحصلت على كثير من الشهادات والتقديرية واحمد الله ان مشوار حياتي العملية تكلل بكثير من النجاح .

حكايات وذكريات الشيخ الدكتور عمر سعيد بارحيم عن عمليات لا زالت عالقة بذاكرته كاستئصال رحم احدى السيدات وحينها كانت عملية كبرى ،وكذا ما كان يسميه استئصال المثانة من الحجر – إشارة الى كبر حجم تلك الحجرة لمريض اتى من خارج المكلا -،والشيخ الدكتور عمر سعيد بارحيم لا يتحدث جزافا بل لديه في عيادته الطبية وسط مدينة المكلا المحاليل التي لازالت تحافظ على تلك الأحجار وتلك العينات من التحلل ،وهو صور ناطقة لنتائج تلك العمليات الجراحية ،انها حكاية مسيرة حافلة من الحياة الطبية في حضرموت من عهد السلطنة القعيطية والى اليوم .

فهل تلتفت الجهات الرسمية الى هذه القامة الوطنية العلمية لتكريمها على جهودها التي بذلتها في هذا الجزء من الوطن ؟؟

وهل يجد شيخنا الدكتور بارحيم تكريما ادبيا لروحه الفتية المتوقدة التي مازال يحملها بين جوانحه؟؟

أخبار ذات صله