fbpx
أطفال ينشأون تحت تأثير ثقافات مستجلبة الاستلاب الثقافي.. الوقوع في براثن “الوافد”
شارك الخبر

يافع نيوز-متابعات

أطفال في قفص طيور الجنة ونساء في سجن المسلسلات التركية
كمال رزق: قنواتنا الفضائية تروج للاستلاب أيضاً

أبوبكر الشيخ: التلفزيون القومي يتحمل المسؤولية
علي بلدو: الشخصية السودانية تعاني من سوء تغذية عاطفية

“بعدين وجـدان بتقول لبيـان أنا بحـبك ولالا؟”.. بهذه الكلمات ابتـدرت “م” حديثها مع بنــات قريتها ممن تقع أعمارهن تحـت العشـرين، بينما كــن ينتظرن دورهـن لملء (باقـاتهن) بالماء مـن “الكرجاكة”، قاطعــتها احــدى الموجـودات لكـن: وجــدان بحـبوها ثلاثة… توقفــت عـن سـيري بعد أن عرفت أن حديثهن ينصب حول أحداث مسلسل سوري ووجـهت إليهن نصيحتي بأن هــذه المسلسلات كلها كـذب وهدفها إبعادنا عن قيمنا، لكـن قاطعتني إحداهن بصـوت يسيطر عليه عدم الرضاء (خليهم يكـذبوا)، وأردفـت قائلة (عليك الله أمشي مننا انتوا حــب مابتعرفوا تحبوا شاهدوا الهنـود والأتـراك عشان تعرفـوا تحبوا) اسرعت الخـطى منهن وأنا أضـرب كـف بكـف، ودارت بذهنـي عــدة تساؤلات هــل أولياء أمورهـن يعلمون بذلـك، وأيـن دور الأم من ذلك، ومـن الـذي خلـف انتشار هـذه المسلسلات والأفــلام.

آراء صريحة
في البـدء حاولت أن أستطلع عـددا مـن مشاهدي هذه المسلسلات والأفلام للتعرف على آرائهم ، وأول من التقيت به في بداية الاستطلاع شــاب في العقد الثالث من عمره رفض ذكر اسمه تحدث قائلاً: بكل صراحة مشاهدتي للمسلسلات عامة ضعيف جـداً، لكن بشاهد الأفلام الهندية والإنجليزية لملء الفراغ، والهنود أذكى في التمثيل، أما زوجتي هي التي تشاهد المسلسلات، وليس لدي مانع في أن تشاهد أسرتي هذه المسلسلات، لأنها لا يوجد فيها ضرر ظاهر ويتساءل، هل مشاهدتها حرام لكي أمنع أسرتي؟، أما عمر فذكر أنه لا يشاهد هـذه المسلسلات وليست له رغبة، أما عن أسرته فذكر أنه حاول عدة مرات منعهم من المشاهدة، لكن محاولته باءت بالفشل، وبصراحة تشاهد الأسرة في اليوم ثلاثة مسلسلات تقريباً.

حـنك سنين
أول متحدثة من النساء ذكرت أن لديها شرطا قبل الحديث وهو عدم ذكر اسمها فوافقت على شرطها، وبدأت حديثها: أنا بكل صراحة مدمنة مسلسلات تركية وهندية، ومستحيل أترك مشاهدتها، وهذه المسلسلات هي التي تُعلّمنا كيف نحب وكيف نتحدث مع الحبيب بصورة جميلة لكن مهما تعلّمنا منهم، فعند التطبيق مع حبيبك السوداني تجده نفس الشخصية والأسطوانة المشروخة (أنا بعد اشتغل بجيب ليك دهب وشهر العسل نمشي كسلا)، وتتساءل لو ما اشتغل الحل شنو، نمشي أحمد شرفي؟ وتختم حديثها بصراحة يا أستاذ: (البنات بحبن الأولاد أصحاب الحنك السنين). أما تقوى رأيها: مشاهدة المسلسلات ليس فيها عيب، وأنا بوجه الشاب السوداني لمشاهدتها ليتعلم أصول العلاقات العاطفية الحقيقية، وعن نفسي لو ما حضرت الحلقة بالمساء بحضرها الصباح، أما عن الدراما السودانية ذكرت أنها غير متذكرة آخر مرة شاهدت فيها دراما سودانية، وفي ختام حديثها ذكرت أنها متابعة أكثر من مسلسل، ووالدها يعلم بذلك.

الابتعاد عن العبادة
أما دكتور مُضَر عمر قال: هذه المسلسلات ليس بها إضافة ولا فائدة بل تضييع للوقت وتقليل لواجبات الأسرة، والمؤسف في وقت المذاكرة الطلاب يتجهون إلى هذه المسلسلات، بالرغم من تكرار مضمونها وترسم للمشاهد صورة غير واقعية لا تشبه الحياة اليومية المعتادة، وأبعدت الناس عن العبادة. وفي السياق ذاته يواصل دكتور مضر، هذه الوقائع تُفرض على أصحاب الشأن من كتاب ومخرجين وممثلين أن يكونوا على قدر التحدي بإنتاج أفلام ومسلسلات جاذبة وممتعة وذات فائدة تتوافق مع قيمنا ومجتمعاتنا وهذا الشيء في اعتقادي ليس مستحيلاً.

الحبوبة مشغولة بالواتس آب
كمال الدين صلاح الدين تحدث (للصيحة) قائلاً: الدراما عموماً شيء جميل وتعرفك على ثقافات الآخرين، لكن المشكلة أن تحاكي ثقافة الآخرين بطريقة عمياء بدون أن تفهم معناها الحقيقي، ويواصل كمال الدين حديثه: نحن مقصرون في معرفة ثقافتنا، والسودان مليء بالثقافات التي اندثرت بسبب تقصير الدراما السودانية وفشلها في إظهار ثقافتنا للجيل الحالي وللعالم، وهذا أعتبره تقصيراً من الحكومه ووزارة الثقافة والدراميين والمسرحيين وكل من لة صلة بذلك، وفي ذات السياق يُواصل حديثه: الأجيال الجديدة عاداتنا وتقاليدنا ما عارفنها، زمان الحبوبات بعلمننا هذه التقاليد، والآن الحبوبة نجدها مشغولة بالواتس آب.

ـ كبرياء الرجل وراء ذلك
وبما أن النساء الفئة الأكثر مشاهدة لهذه المسلسلات، كان لزاماً علينا أن نلتقي بأكبر عدد، هدى عبد الرازق تحدثت (للصيحة) قائلة: رأى أن يشاهد السودانيون هذه المسلسلات لكن يأخذوا منها الإيجابيات ويتركوا السلبيات، ومعرفة سبب الاستلاب الثقافي خاصة المرأة والسبب يعود الى أن الرجل يشعر بالكبرياء والتقليل من قيمته عندما يتحدث للمرأة بالحديث الجميل الذي يقوي العلاقة، وإذا كانت عاداتنا وتقاليدنا عكس الأتراك والهنود في الحديث مع الجنس الآخر رأيي الأفضل نصوغ كلامهم بلغتنا ونعبر عنه في كل الأوقات المتاحة، وبصراحة المرأة السودانية في أشد الحاجة لسماع الحديث العاطفي الجميل والمنمق، وفي ذات السياق تضيف هدى: المؤسف أن بناتنا الآن يتعاملن مع الجنس الآخر بنفس طبيعة الهنود والأتراك، ومعروف أن المرأة السودانية تتميز بالخجل والحياء وأطلب من بناتنا أن يرجعن لسودانيتهن الجميلة.

أما آيات في حديثها (للصيحة): ذكرت أن المجتمع السوداني ينقسم إلى اثنين، الأطفال، أردنيون حياتهم كلها مع طيور الجنة، والأمهات تركيات، والكارثة أن الجيل الحالي يأخذ تربيته من التلفزيون، والشارع والأسرة ليس لها دور واختفت ظاهرة أخذ القيم من الأب والجد والأم والحبوبة وغيرهم من الأهل.

ـ الدراما أفضل من البرلمان
أحمد دفع الله عجيب ـ كاتب درامي ومسرحي ـ تحدث بكل صراحة قائلاً: مشاكلنا تختلف عن المشاكل التي تبثها هذه القنوات لدينا مشاكل أكبر من الرومانسية التي تتحدث عنها تركيا والهند، والمشكله الكبرى هذه القنوات تربي بناتنا وأولادنا على أشياء تختلف عن واقعنا، الآن تغيرت المفردات في الحديث في الشارع العام عند أغلبية الشباب من الجنسين، والحل لذلك هو تجويد الدراما وأن تترك الدولة بخلها تجاه الدراما، والمال الذي يدفع لترضية الحركات المسلحة لو تم دفعه للدراما لحُلّت مشكلة دارفور عامة، والدراما افضل من البرلمان في حل مشاكل السودان، وفي ختام حديثه ذكر الكاتب الدرامي والمسرحي أحمد عجيب أنه بعد عشر سنين سيكون الجيل القادم ليست له علاقة بالثقافات والعادات، ولا التقاليد السودانية، والسبب تجاهل الدراما السودانية.

ـ معالجة للجفاف العاطفي والاجتماعي
عبدالرحيم عمران كاتب أفلام قصيرة تحدث لـ(الصيحه) قائلاً: الدراما والمسلسلات التركية والهندية وغيرها من الدول الأخرى هي شكل من أشكال معالجة الحياة العاطفية والاجتماعية التي يعيشها المجتمع السوداني بصورة عامة لأن الدراما السودانية تجعلك كمشاهد تتصور كمية الجفاف العاطفي والاجتماعي وحتى الطبقي بالإشارة لموضوع التشدد في الرقابة، وأغلبية متابعي هذه المسلسلات من الجنس اللطيف والفئات العمرية فقط باعتبار الأحلام الوردية التي يتمنينها أن تكون في حياتهن، ولكن فاقد الشيء لا يُعطيه، فالعلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع التركي والهندي ليست بهذه الصورة من الجماليات العاطفية أو الترابط الأسري والحكايات الدرامية التركية والهندية بها نوع من المبالغة سواءَ أكانت أحداث آكشن أو عاطفية رومانسية تجعلك منتبهاً لا إرادياً ومشدوداً ذهنياً، أما الدراما السودانية ففيها تكرار للأحداث والمواقف واستهلاك الأفكار، وحتى الرؤى تشعر بأنها مكررة والسبب هو الشح في المنتوج الدرامي الذي يُلبّي متطلبات المشاهد السوداني حسب رؤيته للواقع الذي يعيشه.

من الحبة قبة
ويواصل عبد الرحيم عمران كاتب أفلام قصيرة، حديثه لـ(الصيحة): توفُّر الإمكانيات المهولة تصنع من الحبة قبة وعكسها تُوهِن من عزيمة وحماس الكاتب، والقنوات السودانية هي السبب وراء الركود والاضمحلال في الدراما السودانية وفي نفس الوقت جعلت المشاهد يهرب من التلفاز السوداني ويلجأ لواقع لا يشبه عاداتنا و تقاليدنا السودانية، مما أدى إلى التأثير التربوي والفكري والاجتماعي السلبي الذي يحدث في الشارع السوداني، فلو أن الدراما السودانية ما زالت بخير لكنّا حريصين في المحافظة على أشيائنا الجميلة، لو اهتمت الدولة بالدراما السودانية ستجعلها تنافس عالمياً وتجذب المشاهدين.

التلفزيون القومي السبب الأساسي
الأستاذ أبوبكر الشيخ مخرج تلفزيوني، بدأ حديثه لـ(الصيحة) قائلًا: الاستلاب الثقافي من المسلسلات الأجنبية جريمة بدأها التلفزيون القومي ببث المسلسلات غير السودانية وكرّس بطريقة غير مباشرة لمشاهدتها، وللأسف التلفزيون القومي يعمل عكس أهدافه المعروفة وهي المحافظة على الإرث السوداني، وقد ساعد على صناعة جمهور كبير جداً لهذه المسلسلات، وأثر تأثيراً سلبياً على تصرفات الشباب وفئات مهمة في الشعب السوداني، فكل هذه المسلسلات التي تُقدّم من الدول الأخرى تحمل أجندة سياسية أو اجتماعية، والغرض الأساسي من هذه الأعمال هو غرض استراتيجي لنشر ثقافات الدول المعنية بالإنتاج في الدول التي تقوم بعرض هذه الأعمال، وهذا استعمار منظّم فعلى الدولة ووزارة الإعلام أن تنتبه إلى هذا الخطر الذي أصبح يهدد الأمن القومي لبلادنا، ويختتم أبوبكر الشيخ حديثه: أنا كمخرج لست ضد أن يشاهد المشاهد السوداني هذه الأعمال في القنوات التي أخرجت هذه الأعمال، ولكن ضد أن تُبث في القنوات السودانية خاصةً التلفزيون القومي، فلو كانت ضخامة الإنتاج مثل الدول الأخرى لكانت أعمالنا أفضل وقادرة على الانتصار أمام كل استلاب ثقافي يأتي من الخارج.

هـزيمة اجتـمـاعية
ومن ناحيته، يعتبر البروفسير علي بلـدو الخبير النفسي والاجتماعي المعروف، أن الاستلاب الثقافي هو في الأصل استلاب نفسي وهزيمة اجتماعية تلحق بالمجتمعات المختلفة حراكاً ديناميكياً وعملية ذهنية تراكمية تنداح في مختلف ضروب العقل الجمعي، والشخصية تتمظهر في ضروب الحياة المختلفة ابتداء من المنزل والشارع ومروراً بالعمل والجانب الأكاديمي، وكل نواحي الحياة، ولتفصيل ذلك يقول علي بلدو: إن نقص الثقافة التعبيرية والشعور بالحرج عند الحديث عن العواطف والمشاعر لارتباطها عند الكثيرين بالجوانب السالبة والشعور بالضعف وعدم تقبل الأطراف لها ووصفها بأوصاف غير لائقة جنباً إلى جنب مع التباعد الأسري نتيجة لضغط العمل والهجرة والاغتراب والمشاكل الزوجية وتزايد حالات الانفصال والطلاق مما يزيد الشعور بالاحتياج العاطفي وعدم الشعور بالأمان المجتمعي وزيادة في نسبة القلق النفسي والإحباط وروح الغبن المؤدي إلى الاكتئاب والذي بدوره يتزايد مع رتابة الحياة اليومية والملل والضجر المؤثر على الخلايا العصبية والتي تزيد من نسبة الاستعداد النفسي لتقبُّل الوافد الثقافي الأجنبي بصورةٍ مذهلة في ظل فشل المنتوج الثقافي المحلي في تلبية هذه الاحتياجيات النفسية وعدم قدرته على تلبية هذا الطلب الاجتماعي بدون استثناء، شعر وموسيقى ودراما وتمثيل وكتابات وروايات جعلت معظم السودانيين يديرون لها ظهورهم بمشاهدة القنوات الأجنبية ويقرأون ويشاهدون ما يشاءون دون حجر من أحد وبالتالي الشعور بالإثارة وتحقيق انتصارات شخصية والانعتاق من قيود الحياة اليومية والتقاليد التراتبية والتي قد يكون لكثيرين آراء حولها.

سوء تغذية عاطفية
ويختتم بروف علي بلدو حديثه للصيحة بقوله ان الشخصية السودانية المعاصرة قد فقدت البوصلة الذاتية وتعاني من سوء تغذية عاطفي، وجفاف وجداني ونقص في المحاليل التعبيرية وتعيش في مجاعة نفسية طاحنة جعلها تتخبط في زي ألوان والدراما التركية والمسلسلات المكسيكية لعلها تجد التوازن النفسي والراحة الذهنية والتي لا أظن أنها ستنجح في ذلك قريباً على الأقل بسبب ما نجده من تنافر بين الوافد والواقع وتزايد حالات الاستلاب داخل الأسرة في المظهر والحديث والسلوكيات الغريبة والشك والغيرة والحديث عن المسكوت عنه مثل الخيانة الزوجية ولكن بصوت أصبح يرتفع حيناً بعد حين كلما أدرنا مؤشر الجهاز الرقمي.

رأي الدين
شيخ كمال رزق وجدته مشغولاً، لكنه أجاب باختصار عن الاستيلاب الثقافي قائلاً: الاستلاب المحقق من قنواتنا أكبر من الاستلاب الخارجي لأنها هي التي تُروِّج للاستلاب الخارجي والمُعين الحقيقي له والسبب هو أن قنواتنا ليست لها هوية إسلامية محدّدة ولا خُطب دينية.

منهج قوي للأطفال
عالم الأديان الدكتور أمين محمد سعيد تحدث لـ(الصيحة) قائلاً: المولود تتكون ثقافته في البيئة التي نشأ فيها، والميديا في الآونة الأخيرة أثّرت في أطفالنا تأثيراً كبيراً، والكارثه أن بعض الرسائل لها علاقة بالدين، ولكي نقف ضد هذا الاستلاب لابد من إعداد الطفل ابتداء من الروضة والبيت، ويُطالب الدولة ككيان أن تُعد بمرحلة الأساس وما قبل الأساس منهجاً قوياً للأطفال، حتى لا تؤثر المسلسلات الخارجية علينا، لكن إذا أردنا أن نبتعد عن العالم هذا، فمستحيل، المطلوب أن نسلح أنفسنا وأطفالنا، والمسؤول عن ذلك، هو الدولة، الأسرة، المدرسة.

أخبار ذات صله