fbpx
دشتي الكويت

تستطيع أن تقول إن في الكويت ديمقراطية لأن هناك برلمانًا أعضاؤه منتخبون، وحكومة تتم مساءلتها من قبل النواب، وهناك شيء من النقد في الصحافة الكويتية. وفي نفس الوقت تستطيع أن تقول إن الكويت دولة مثل محيطها، فيها حقوق ممنوعة، وتجاوزات قانونية، وحكومتها لا تنتخب، وإعلامها المخالف يُعطل وتُسحب تراخيصه.
ولهذا تمر الكويت بتحديات نتيجة التناقضات، حيث يجوز لنائب برلماني متطرف، مثل عبد الحميد دشتي، أن يهاجم ويتهم ويحرض على من يشاء، بحكم أنه منتخب، ويمثل رأي فئة في الشارع الكويتي، وأن الدستور كفل له هذا الحق. وتستطيع أن تقول إن النائب دشتي تجاوز المعقول، ويعرض مصالح البلاد العليا لأضرار كبيرة مع جيرانها، ويفتح بابًا خطيرًا للفتنة داخليًا بين السنة والشيعة.
وسبق للسلطات العليا أن تدخلت في ظروف استثنائية، بأن جردت الجنسية ممن اعتبرتهم يمثلون خطرًا على أمنها، وأغلقت محطات تلفزيون تجاوزت حدودها، وسجنت مغردين على التواصل الاجتماعي، وألغت حصانة نواب، وحكم عليهم بالسجن. نسبيًا، يمكننا اعتبار ديمقراطية الكويت معقولة لكنها ليست ديمقراطية «ويستمنستر»، وفي المنطقة هنا لا أحد يقبل التجاوزات على الغير باسمها.
الكويت، تعيش، مع دول المنطقة، زمنًا خطيرًا، سياسيًا وأمنيًا، يصعب معه مسك العصا من المنتصف. ومهارة الساسة الكويتيين التي عُرفوا بها في معالجة أزماتهم الداخلية والإقليمية قد لا تفيد كثيرًا، فالرياح عاتية وتهب على الجميع، وليس من الحكمة مواجهتها. كما أن اللجوء إلى قرارات غير عادية، في وقت غير عادي، لا يخل باحترام الدولة، ولا يضعف مؤسساتها في سبيل صيانتها. حتى أحرص الدول على القيم الديمقراطية العليا ترسم حدودًا لأمنها في أوقات المحن الشديدة. فالمرشح الجمهوري الأكثر تقدمًا في الانتخابات الأميركية، دونالد ترامب، لم يخرق الدستور بوعوده المثيرة، مثل قوله بمنع المسلمين الأجانب من دخول البلاد إلى أن يتم فرزهم، ومنع المهاجرين غير الشرعيين، وبناء سُور مع الجارة المكسيك، كلها وعود لا تتناقض مع القانون، لكن عيبها في لغته وحملته التحريضية، أو هكذا يُعتقد، إلى درجة أقلقت كبار قيادات حزبه، وأعلن عدد منهم أنهم سيعملون على إسقاطه حتى لو فاز بترشيح الأغلبية من ناخبي الحزب. وهاجموه عندما لم يرد على أحد كبار العنصريين الذي ظهر معه على شاشة التلفزيون، اعتبروها تقصيرًا منه مرفوضًا، رغم أنه ادعى أنه لم يسمع كلام العنصري بسبب سماعة الإذن.
هناك أعراف وقواعد أخلاقية غير منصوص عليها، نتوقع من السياسيين، وكذلك القيادات المجتمعية الأخرى الالتزام بها، ضد التحريض، وعندما يفشلون في ذلك يصبح من المنطقي حرمانهم من المزايا التي تأتي مع المناصب العامة، والسلطات الكويتية ماهرة في استنباط الحجج القانونية عند الضرورة التي تبرر المنع والعزل والتجريد.
صراحة، لا أرى لتصريحات نائب تافه مثل دشتي وزنًا، إنما الخطورة في استثارته للرأي العام في المنطقة، الذي هي الآن على مرجل طائفي يغلي، تصرف خطير قد يؤذي الكويت والمنطقة بشكل عام. وأتصور أن للكويت هدفين بالصبر عليه وأمثاله، على الجانبين، ممن يعبرون عن أقبح ما يمكن أن يقال من طائفية وعنصرية، واستفزاز للشعور العام. فالدولة تصبر عليهم لأنها تريد المحافظة على نظامها العام الذي يمنح حق التعبير والتمثيل النيابي، والثاني، أنها لا تريد أن تضع البلاد في مواجهة مع أي قوة خارجية بالميل مع أخرى، أو تتحاشى أن تتورط في إشكالات المنطقة أو ما يعطي إيحاءات بذلك. وهذا عين العقل لكن السماح لدشتي، وأمثاله من متطرفي الشيعة والسنة، يولغون في الاستفزاز في هذا الوقت الخطير لا يصون الدستور، ولا يحمي الكويت من تجاذبات المنطقة، بل على العكس تمامًا، يستضيف الخصوم والخصومات.

*نقلاً عن “الشرق الأوسط