fbpx
هل فشلت الأجهزة الأمنية في عدن؟*

بقلم/د: عيدروس نصر ناصر**
تمثل عدن الصورة المصغرة للجنوب وللمحافظات المحررة على وجه الخصوص ليس فقط لأنها العاصمة التاريخية للجنوب والعاصمة المؤقتة (للجمهورية اليمنية)، بل ولمكانتها الرمزية في مواجهة مشاريع التخلف والاستبداد ولدورها في استنبات بذرة المدنية والثقافة والتحضر، وكل حادثة تشهدها عدن لا تنحصر انعكاساتها على تلك المدينة (التاريخ والرمز والأمل والمستقبل) بل تمتد معانيها وانعكاساتها لتعني كل الجنوب.
الجريمة النكراء التي جرت صباح اليوم (الجمعة 4 مارس 2016م) في دار العجزة في مدينة الشيخ عثمان لا يمكن فصلها عن مجرى الصراع الكبير الدائر في هذا البلد المنكوب بحكامه ومروجي السلاح فيه، فالحادثة بكل ما فيها من وحشية وبهائمية، جاءت لتبين أن عصابات القتل والإجرام لن تتورع عن تجاوز كل الخطوط والاستهتار بكل المعايير الأخلاقية والدوس على كل الاعتبارات والمقدسات الدينية والإنسانية والبرهان على أن نزعة الإجرام عند ما تستفحل فإنها تتفوق في وحشيتها على كل الوحوشِ في البطش بالأبرياء والاستمتاع بمشاهد الدم المراق.
ليس في دار العجزة (طواغيت) ولا فيها رجال أمن ولا هي مخزن للأسلحة ولا مركز لجماعة سياسية بل ليست مرفقا حكوميا إيراديا وكل من فيها هم مجموعة من المسنين الذين أجبرتهم قسوة الزمن على اللجوء إلى هناك، وبعضٌ من الأطباء والممرضين وعمال الخدمات الذين بالتأكيد لا يحملون سلاحا ولا يتقنون التعامل معه.
حادثة دار المسنين تمثل تحديا للأجهزة الأمنية في محافظة عدن وفي الوزارة والأجهزة الأمنية الثلاثة (الأمن القومي، والأمن السياسي والأمن المركزي أو العام) وهذه الأجهزة على كثرتها وعلى كثرة المنتميين إليها لم تستطع أن تحمي دارا للعجزة فكيف ستحمي وطنا طويلا عريضا بمواطنيه ومنشآته وثرواته ومراكزه الخدمية والتنفيذية والاقتصادية والقضائية المركزية منها والمحلية؟
نعلم أن مخططي ومنفذي هذه الجرائم يريدون أن يثبتوا عجز القائمين على الملف الأمني (مثلما بقية الملفات الخدمية والقضائية والتنفيذية والتعليمية وغيرها) عن القيام بوظائفهم وبالتالي تثوير الشعب ضد القائمين على هذه الأجهزة وإثارة السخط والغضب والثورة ضد حكومة لا تحمي الحارات التي تحيط بمقر تواجدها، لكن السؤال هو هل يدرك القائمون على هذه الملفات ذلك؟ وإذا ما أدركوا ماذا فعلوا وماذا سيفعلون من أجل الحيلولة دون تحقيق مآرب من يوجه ويخطط وينفذ كل تلك الأعمال الإجرامية؟
إن الشعب لا يحتمي ببيانات الإدانة ولا يريد أن يستمع تهديدا بملاحقة المجرمين كما جرت العادة فقد تعودنا أن كل بيانات الإدانة والتهديد بملاحقة المجرمين وإنزال أقصى العقوبات بهم تتلاشى بعد ساعات من جفاف الحبر الذي تكتب به، إننا ننتظر أفعالا تبرهن على أن القائمين على الملفات الأمنية والخدمية هم أهلٌ للتنافس الذي خاضوه من أجل الوصول إلى هذه المواقع، وللفرحة التي تهللت بها وجوههم وهم يؤدون يمين الولاء.
إنه الامتحان القاسي والجاد لكم أيها السادة، ولا تقولوا لنا أنها المؤامرة وأن المؤامرة أكبر من قدرتكم، لأنكم أن كنتم كذلك فمن الأولى بكم أن تنسحبوا وتدعوا غيركم يتولى التحدي ويخوض المعركة مع من ترونهم أقوى منكم.
إن الخفافيش لا تنشط في الظلام إلا لأنها تطمئن لنوم الناس وغيابهم في السكينة، لكنها تختفي وتتلاشى بمجرد أن ترى شبحا حيا يتحرك ويسلط الضوء على أماكن وجودها، أما إذا ما دخل معها في مواجهة فلن تلبث إلا أن تولي الإدبار وقد تختفي من الوجود نهائيا إن وجدت من يتصدى لها ويعيق نشاطها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* رئيس مركز شمسان للدراسات والإعلام.
** من صفحة مركز شمسان للدراسات والإعلام على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك