fbpx
لا فائدة من وحدة الأرض في غياب وحدة الإنسان

بقلم /د : مروان هائل عبدالمولى
الوحدة الروحانية والإنسانية مفاهيم تحتل المراتب الأولى في كل كتب الشرائع السماوية و كل إنسان في هذا الكون يحبها و يتمنى أن يراها حقيقة على ارض الواقع , وبعد الوحدة أيضا تمنى واقعيتها المواطن في الجنوب والشمال وفي كل المدن والقرى في صنعاء وعدن , تعزولحج ,حارات وبيحان , ابين وحيفان وهي ذات المفاهيم , التي جمعت وربطت بين الشهداء جعفر سعد, عمر ناجي محمد , احمد الإدريسي, فيروز ناصر وليد توفيق الحاج علي , رحمة هائل , سمير محمد عبدالغني , شهداء الغدر والحاكم الشيطان , شهداء الغياب المطلق للوحدة الروحانية والإنسانية , شهداء عانوا وتعبوا قبل نيل الشهادة , مثلما نتعب ونعاني نحن اليوم من عيشة حياة الموت من الرصاص المنهمر الطالع والراجع ومن أصوات المدافع ومن كثرة النفاق والدجل والخديعة , ومن الدماء وقتل الأبرياء , ومن الصراخ والعويل ومن كثرة ألثكالى والأيتام , ومن الركض اليومي وراء وطنية زائفة وباعة أوهام وأحلام بائسة , باعة الإنسان و الأرض , باعة سيرتهم الذاتية ينقصها الشجاعة والوطنية والمسؤولية و وضوح المواقف.

كيف يمكن فهم الحديث عن الوحدة بين الشمال والجنوب بعد حرب واضحة بين الطرفين ولازالت بعضها قائمة ,وفي ظل غياب الوحدة الإنسانية وحضور قوي لمركز دموي كل همه السلطة وثروتك , مركز يعاني من التوحد القبلي والمذهبي , يستنسخ نفسه بعدة صور و أوجه وشخصيات تارة دينيه , وتارة أخرى مدنيه وفي اغلب المرات الاثنتين معاً, مركز يدعي القدسية وهو آثم حتى النخاع , واستقراره الأمني و النفسي وإشباع حاجاته الفسيولوجية والاجتماعية بمختلف أشكالها لا يجدها إلا عبر إخضاعك له , لأنه يرى ذاته مقدس وأفضل وارفع منك ويعتبرك من الدرجة الثانية رخيص القيمة, يقصف منطقتك ويقتلك أو يقتلعك من أرضك إن خالفته ويذلك إن سايرته , وبهذا المفهوم و المنطق حكم و تعامل هذا المركز المريض مع السكان من نفس الأرض والحدود في فترة ما قبل الوحدة , واليوم يكرر نفس الأسلوب الهمجي القديم معهم بعد أن دمر الجنوب إنساناً و وعياً وبنياناً , يقتلهم و يقصفهم بوحشية وعنصرية في البيضاء ومأرب والجوف وأب والحديدة , أما مدينة تعز وقراها حدث ولا حرج فهو يقصف المستشفيات والبيوت والطرقات والمزارع والمنتزهات والجبال ويقتل الصغير والكبير النساء والرجال وعلى مدى تسعة أشهر يحاصر كل منافذ المدينة و يمنع دخول الدواء والمواد الغذائية و الغاز المنزلي والبترول ومشتقاته , اضطر بعدها أبناء تعز وقراها إلى استخدام الحيوانات كالجمال والحمير وسيلة مواصلات لنقل الجرحى و الدواء والأكسجين والمواد الغذائية عبر طرق صعبة طويلة وجبال وعرة و ترابية , حتى وصل الأمر بسكان تعز أن يقوموا بتكريم حمار أطلقوا علية لقب واسم الحمـار البطل المناضل ( برموش ) وقاموا بتعليق الفل على عنقه وصدره , لأنه قام تحت قصف مليشيات الحوثي وعفاش العنيف والمتواصل بنقل المتطلبات الغذائية والدوائية إلى مدينة تعز المحاصرة , وبتلك النقلات والحملات استطاع الحمار (برموش ) إنقاذ الكثير من الموت , بسبب الجوع والجروح والأمراض , وأن يثبت أنه أكثر شفقة ورحمة من حكام وأتباع المركز المقدس .
بعد وحدة 1990 التي سعى إليها الجنوبيون بمفهوم وحدة الإنسان أولا ومن ثم الأرض , استمر هذا المركز القبلي الدموي بممارسة نفس سياسة القتل والعنف لكل من يخالفه الرأي ويطالبه بوقف الفساد المنظم , ودفع الجنوبيين بسبب ذلك الكثير من الشهداء , أما مطالبهم بإصلاح مسار الوحدة , فقد عجلت بسقوط الجنوب عسكرياً في 1994 وهي الحرب , التي رتب وجهز و حشد لها هذا المركز القاتل كل إمكانياته المادية والبشرية من الداخل والخارج , وبسبب هذه الحرب الظالمة على الجنوب وشعبة بدأت عملية تفكك النسيج الاجتماعي و الرابط الروحاني والإنساني بين الشمال والجنوب , حيث مارس المخلوع صالح و رجال المركز القبلي في كل شبر من أرض الجنوب النهب والفساد واعتمدوا سياسة أن كل من ينتمي إلى المركز المقدس من المتواجدين في المناطق الجنوبية هم أيضا من الرتب العليا من البشر بصفتهم يملكون وكالة المركز و السلالة الأسرية الدينية والقبلية النقية والحصريه حتى في توزيع الأرزاق على الناس .
كانت نهاية حرب 1994 هي بداية مشروع مجرم واضح المعالم , عنصري بامتياز يستهدف الأرض والثروات وإخراج الشعب الجنوبي من الحياة و العمل ومن مسكنه وإن أمكن من كوكب الأرض , فبعد معركة ألميدان ضد الجنوبيين , قام المركز المقدس بنقل المعركة إلى ميدان الحياة الاجتماعية عبر تطبيق سياسة الإقصاء والتهميش والقتل والتجويع والإهمال و التحريض ضدهم ومضايقتهم باسم الدين والعادات والتقاليد والثقافة والإعلام والتعليم والأمن والعمل , وحتى أسماء الشوارع ونمط البناء المعماري تم تغيرهم بشكل عنصري متسارع و غير مسبوق , فالمشروع كان متكامل الدراسة والترتيب ودنيء ولم يقف , حتى ثانية من الزمن , اشرف عليه وأداره المخلوع وآل الأحمر ورجال دين مثل الزنداني والديلمي ومن على شاكلتهم من تجار الدين , واختتمه أيضا المخلوع والحوثي, ولكن مع اشتداد الظلم والقتل وممارسة السياسة العنصرية ضدهم , خرج الجنوبيون في 2015 بمقاومة مسلحة وبدعم من دول التحالف استطاعوا تحرير مساحة كبيرة من أرضهم وأضعاف المركز الهمجي , ومازالت مقاومة المشروع الحوثعفاشي مستمرة خاصة قرب العاصمة صنعاء وتعز وما تبقى من شبوه ( بيحان) , وتنذر هذه المقاومة بقرب خراب هذا المركز المقدس ونهاية وحدة الشمال والجنوب , وحتى الوحدة الداخلية في الشمال تحت تهديد التفكك و ليست كما كانت عليه قبل اندلاع المعارك مع المخلوع والحوثيين , فهناك مناطق واضحة على الجغرافيا الشمالية لن ترضى بالعودة إلى الشكل السابق لدولة ما قبل الوحدة وسلطة المركز , وعلى رأسها مارب والبيضاء و تهامة وتعز , لان الوحدة الإنسانية والقبلية بينهما أيضا قد انتهت وهو ما تثبته سير المعارك وأطرافها وأهدافها المبطنة والعلنية .

رجال المركز المقدس وأشباههم من الفاسدين والقتلة لا يعرفون , أن العالم يحتوي على اتحادات بين دول وشعوب لا تتشابه فيما بينها في اللغة و العادات والتقاليد والملبس والمأكل, ولا حتى في المذاهب الدينية , لكنها تدافع عن قضايا الإنسان والأرض وتتطور بشكل مشترك, فالهولندي والبلغاري في فرنسا مثل الفرنسي في بلغاريا وهولندا , وهو الواقع الذي يوحد شعوب الإتحاد الأوروبي جميعها , التي تربطها حقوق إنسانية متساوية وعدل واحترام متبادل , كذلك رجال المركز المقدس لا يعرفون ان صور الايطاليين فيتوريو ارغوني و جوليانو كميس , والأمريكية راشيل كوري ,والياباني تاكاوا هيمورا , التي تزين جدران المخيمات الفلسطينية تعكس قصة عشق روحاني لناس غرباء لا تجمعهم مع الفلسطيني ارض واحدة , ولكنهم سقطوا شهداء دفاعا عن الإنسانية و من اجل قضية فلسطين .