fbpx
إلى أي مدى ينتمي المسلمون للإسلام؟
شارك الخبر

بقلم: سادات لاتشينار

يقدم القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وعودًا كثيرة للمسلمين منها: الغنى والصحة والعدالة والطمأنينة والمساواة في الدخل والعافية وإخراج مواطنين متعلمين ناضجين وهذه بعض الوعود فقط.
إلا أننا إذا ما ألقينا نظرة على أحوال المسلمين وأوضاعهم اليوم نجد أن جزءًا كبيرًا من الدول التي تشهد مشكلات يحكمها المسلمون.
ليس من السهل أبدًا اعتناق الإسلام عن طريق النظر إلى حياة المسلمين وأحوالهم. فإذا تحدثنا اليوم عن وضعية دولٍ من أمثال سوريا أو أفعانستان أو الصومال أو العراق، فلا داعي لمزيد من الحديث والكلام.
يقول يوسف إسلام (Cat Stevens) الذي اعتنق الإسلام بعدما كان مطربًا مشهورًا عالميًّا: “لو كنتُ رأيت المسلمين قبل إسلامي لما كنت أسلمتُ، أحمد الله أنني تعلمت الإسلام من القرآن وليس من المسلمين”.
حقًّا لو لم يولد المسلمون على الفطرة فكم منهم كانوا سينظرون إلى أحوال المسلمين ويختارون الإسلام اليوم؟
كثير من المسلمين “المهمومين” لا يستطيعون أن يوفّقوا بين الإسلام والحقائق التي يرونها حولهم إلى أن يصل بهم الحال إلى أن يقولوا: “هذا ليس الإسلام”.
واليوم ثمة عديد من الدول الواقعة في العالم الإسلامي التي ارتفعت فيها مستويات الفقر والفساد وعدم المساواة وعدم التعليم والفتن والانقسام والظلم والتكبر والإجحاف.
ألم نعتَدْ اليوم رؤية قطع رقاب الناس بالتكبير وتفجير القنابل في الشوارع والأسواق التي تعج بالناس مستخدمين اسم الله عز وجل؟
أَلا ثمة شيء خاطئ في هذا الأمر؟
عندما يكون المشهد هكذا، يتضح لنا أن المسألة الجوهرية ليست أبدًا أداء مزيد من الصلوات أو مزيد من الصوم أو مزيد من تلاوة القرآن الكريم.
ويبدو أن المسلمين لا يدركون على النحو الصحيح سبب أداء العبادات المذكورة آنفًا وما هي الغاية الحقيقية لهذه العبادات.
هل القرآن الكريم يقول للناس “اكسروا القلوب”؟ إن الذين يحفظون ألفاظ القرآن الكريم عن ظهر قلب دون معرفة معانيها، وكذلك الذين يتلونه لساعات طويلة ولا يغيرون شيئاً من حياتهم أليسوا في غفلة كبيرة؟
كم عدد أنواع”الإسلام”؟
ألا تزعم التنظيمات الإرهابية من أمثال داعش والقاعدة والنصرة وبوكو حرام أنها أفضل المسلمين؟
ألا يدّعِي كثير من البلدان الإسلامية أنه “دولة الإسلام” وأن أفضل نموذج للإسلام موجود لديه؟
ألا تقدم دول من أمثال تركيا وماليزيا وأندونيسيا والدول الأخرى الإسلام الذي تعيشه وتطبقه على أنه نموذج للدول الأخرى؟
عندما تلقون نظرة فاحصة على الصورة الحالية لاشكّ في أنكم ستجدون صعوبة في إدراك وفهم “أنواع الإسلام” ومدى تأثير الإسلام على المسلمين باعتباره ديناً سماوياً…
غير أن البعض يظهر هذا التنوع على أنه ثراء في الإسلام بل ويرون أنها قوة كامنة في الاختلافات. مع أن كل دين وكل فكرة لها أمهات من المعايير لا يمكن التخلّي عنها بأية حال من الأحوال .
على سبيل المثال فإذا لم تستطع الدولة أن تحقّق الحد الأدنى من احترام حياة الناس وعدم ممارسة التعذيب وعدم النوم شبعانًا بينما يكون جاره جائعًا (عدم المساواة في الدخل) والنظافة وسيادة القانون والعدل، فهل من الممكن أن تدعي تلك الدولة أنها مسلمة يا تُرى؟
ألا يوجد نموج للإنسان المثالي ونمط حياة مثالي يحثّ عليهما الإسلام؟
هل المسلمون مختلفون إلى هذه الدرجة في كل الموضوعات والقضايا بدءاً من الاقتصاد وانتهاء بالسياسة؟
هل كلُّ مَنْ يقرأ القرآن الكريم يستخلص منه أحكاماً ونتائجَ مختلفة؟
أرى في قناعتي الشخصية أن المسألة ليست هيّنة وبسيطة إلى هذه الدرجة. ولاشك في أن الإسلام ينص على نموذج للإنسان المثالي، بل وأرى أن معايير هذا النموذج ليست بالمعايير التي يمكن تفسيرها بكل هذه الدرجة من الاتساع وفقًا للدولة والثقافات المختلفة…
ذلك النموذج هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
على الرغم من أن البعض يدلي بتعليقات من قبيل “دعك من الأحاديث فالقرآن يكفينا”، إلا أن الإنسان المثالي الذي يقدمه الإسلام قدوة للناس وينتظر منهم أن يكونوا مثله هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
وبتعبير آخر، إذا كنت تقرأ القرآن الكريم وتستخرج منه أشياءً لا تتناسب مع الحياة التي عاشها الرسول فهذا يعني أنك تمسك الكتاب بالمقلوب.
ستقولون لي إن هناك مئات الآلاف من الأحاديث، بل هناك أحاديث موضوعة وغير صحيحة، كيف لنا إذن أن نعرف النبي الحقيقي؟
معكم حق في ذلك، هناك عديد من الأحاديث الموضوعة والتي تظهر العادات والتقاليد مثل الدين. إلا أنه أيًّا كانت الأحاديث التي ستأتون بها ستجدون أمامكم شخصية للرسول يتفق عليها الجميع لا محالة. وإذا سألتم عن سماته فلأذكر لكم بعضها باختصار:
هل مارس الرسول العنف قط؟
إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرفع صوته أبدًا تجاه النساء والأطفال وصحابته رضي الله عنهم، ولم يمارس العنف تجاههم، بل ولم يكن فظّاً غليظًا في أقواله تصرفاته وسلوكياته أيضًا. ولم يرد في أي حديث أو كتاب أن الرسول صفع طفلاً أو تعامل بعنف تجاه زوجاته. إذن لماذا الدول الإسلامية هي أكثر الدول التي يُمارس فيها العنف في العالم. وما هي أسباب أحوال وأوضاع تركيا الآن؟
على الرغم من أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام اشتغل بالتجارة إلا أنه كان رجلا يحمل صفة “الرجل الأمين” في المجتمع. لم يكن يسرق؛ ولم يَخُن الأمانة المؤداة إليه، ولم يأخذ الفوائد ولم يعطِها، بل كان يمتثل لحقوق العباد، ولم يخدع شخصًا قط. لم ينَمْ في راحة وهدوء بينما يعاني جيرانه المشكلات. إن أهم خصائصه وسماته المشاركة والمشاطرة. وإذا كنتم تريدون الحقيقة فليس من الممكن أن تصادفوا في أي حديث أو في كتاب ديني ادعاءً مختلفا يتحدى هذه الصفات. لا يمكن أن يقول أي مسلم إن هذه الصفات التي ذكرناها ليست موجودة في الرسول حتى لو كان هذا المسلم شيعيا أو سنيا أو أفريقيا أو من آسيا الوسطى. إذن ما السبب الذي يجعل أحوال نيجيريا وإيران وتركيا وباكستان اليوم هكذا؟ إذا لم تجدوا شخصًا لتأتمنوه على مالكم وأزواجكم وأسرتكم مع أن هناك كثيراً من الناس الذين يؤدون العبادات فدين أي رسول يمارس في هذه الدول يا تُرى؟
هل صاح الرسول في وجه الناس قط؟
وثمة سمة أخرى تحلى بها الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن لشخص أن يعترض عليها أيضًا ألا وهي دماثة الخلق. هل هناك أي كتاب ديني يمكن أن يكتب أن الرسول صاح في وجه الناس وأساء إليهم وكشف عن عيوبهم؟ إن لم تجدوا ذلك فلماذا إذن كل هذا الصياح والصراخ بالله عليكم؟ وأبسط الأمور أن هذه الصلابة والقسوة والبعد عن التعاطف والأحوال القاسية التي نراها في سياساتنا وفي السياسات الداخلية للدول الإسلامية الأخرى وفي حياتهم الاجتماعية.. سُنّة أي رسول يا تُرى؟ هل هناك من يستطيع أن يفسر لنا ذلك؟
ألم يأمرنا الرسول بالنظافة؟
وهناك صفة أخرى أولاها الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية هي النظافة والصحة العامة. إذن بماذا يمكن لنا أن نفسر القاذورات والقمامة الموجودة في كثير من الدول الإسلامية؟ هل يمكن نفسر ذلك بالطقس والجغرافيا؟
ألم يقل الرسول “اطلبوا العلم ولو في الصين”؟
إن التعليم من إحدى النقاط التي أولاها الرسول والقرآن الكريم أهمية خاصة. وكيف لأتباع نبي كان يطلق سراح أسرى الحرب مقابل قيامهم بتعليم القراءة والكتابة ويوصي المسلمين قائلا “اطلبوا العلم ولو في الصين”، أو ما معناه، يدخلون ضمن أكثر الدول تخلفًا في العالم في مجال التعليم؟
هل كان الرسول يأكل كثيرًا؟
يمكنكم القول بأن ثمة اختلافاً كثيراً في موضوع سنن الرسول لكن لا يمكنكم القول بأنه كان شرهًا يأكل كثيرًا. ولقد اتفقت جميع الكتب على أن الرسول كان يأكل ما يكفيه من الأكل وكان دومًا ينهض من المائدة دون أن يشبع.
إذن لماذا تركيا واحدة من أكثر الدول التي تعاني مرض السِمنة وفرط الوزن. ولماذا ثقافة الأكل في بلاد الخليج ومصر والدول الإسلامية الأخرى لا تمت بصلة لثقافة الرسول في الأكل؟
على درب أي نبي يسير هؤلاء الناس؟ أم أن القرآن الكريم كان يظهر للناس شخصاً آخر يقتدون به غير الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام؟
هل كان الرسول يمد يده على ملك الدولة؟
لا داعي للاستشهاد بهذه الآية أو ذلك الحديث. هل كان الرسول يمد يده على أملاك الدولة؟ هل كان ينفق أموال الخزانة بطريقة عشوائية؟ هل كان يمارس الفساد والسرقة والخروج على القوانين؟ هل كان مرتشيًا؟ الإجابة على كل هذه الأسئلة “لا، لم يكن كذلك قط”. وهذا الموضوع ليس موضوعًا قد يختلف من منطقة لأخرى أو من ثقافة لأخرى.
دعكم من السؤال عن الخزانة، فنحن نعرف عن الرسول أنه لم يكن يسمح لموظفيه حتى بقبول الهدايا والعطايا إلى شخصهم. إذن بماذا يمكننا أن نفسر هيام الكثير من المسلمين على وجوههم في قمم الفساد؟
ما هذا التعذيب الذي نراه في سجون المسلمين بينما كان الرسول يقدم الماء حتى للكلب؟
دعكم من تعذيب الناس، بماذا يمكننا أن نفسر ونشرح انتشار أعمال التعذيب الممارسة في سجون ومركز شرطة أتباع رسول يحظر تعذيب الحيوان وجميع الأرواح، ويبلغ بأن حتى إعطاء الماء لكلب عطشان قد يدخل المرء الجنة؟
سُنّة أي دين تسمح بأعمال التعذيب والظلم والإجحاف الممارسة علنًا في شوارع كثير من الدول الإسلامية؟ وبماذا يمكن للمسلمين أن يفسروا كونهم في وضعية أكثر سوءًا من بلاد المسيحيين في التعذيب؟
ألم يكن الرسول متواضعًا؟
من الممكن ذكر كثير من العادات والخصال الجميلة التي يتحلى بها الرسول عليه الصلاة والسلام، إلا أنه لا يمكن أبدًا الزعم بشيء آخر بخصوص أنه كان متواضعًا وبعيدًا عن التكبر، وحياته كانت بسيطة للغاية. لقد عاش الرسول كإنسان مثل باقي البشر بدءًا من منزله إلى ملابسه، ولم يعرف حياة الترف والأبهة مثقال ذرة، كما لم يسمح حتى باحترام مبالغ في الوسط الذي كان يدخله. لدرجة أن الأشخاص الذين كانوا يأتون من الخارج لمجالسه لم يكونوا يستطيعون أن يميزوه من الجالسين الآخرين معه وبالنظر إلى ملبسه أو جلسته. إذن ما كل هذا الكبر والغطرسة والتظاهر بالعظمة والولع بالترف الذي يظهره المسلمون بدءًا من أصغرهم حتى أعلاهم منصبًا؟ ومَن يقلدونه ويحذون حذوه عن طريق تصرفهم هكذا؟
هل كان الرسول يأكل حق العامل ويغتاب الناس؟
هل كان الرسول يأكل حق العامل؟ هل كان يضرب بحياة الناس عرض الحائط من أجل تحقيق مصالحه؟ هل كان يحاول الادخار من سلامة أرواح الناس لتحقيق أهدافه؟
الكسل والغيبة وإفشاء عيوب الناس والافتراء والحقد والضغينة والكراهية والتشويه وكسر القلوب والسرقة والغلظة والتقصير والإهمال وعدم التعاطف وما شابه ذلك.. فأيٌّ من ذلك كانت صفة الرسول الأكرم حتى انتشرت إلى هذه الدرجة في دولتنا وعلى طول وعرض دول العالم الإسلامي؟
وينبغي هنا التذكير بالتحذيرات الواردة في مواضع عدة بالقرآن الكريم التي تفيد بأن العبادات لن تنقذ الناس باعتباره عبادة فحسب. وسورة الماعون هي واحدة فقط من تلك التحذيرات، إذ يقول المولى عز وجل: “أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ”.
هل تركيا تصبح أكثر تدينًا؟
إذا كنتم تأخذون التدين على أنه رموز وصور إسلامية فمن الصحيح أن نقول إن تركيا أصبحت متدينة. إذ تزداد بسرعة أعداد الجوامع والمساجد في تركيا، والنساء المحجبات أصبحن في كل نواحي الحياة بالبلاد، وأصبحن أكثر وضوحًا في الصورة. وهناك طفرة في دورات تعليم القرآن الكريم ومدارس الأئمة والخطباء وكليات الإلهيات (الشريعة الإسلامية). وبدأت التعابير الدينية مثل “إن شاء الله.. ما شاء الله” تدخل في الحياة اليومية وأحاديث فئات عريضة من الناس بشكل كبير. ولربما كانت هناك زيادة معينة في أعداد الأشخاص الذين يذهبون لصلاة الجمعة…
غير أنه إلى أي مدى ينعكس التغير الشكلي على تصرفاتنا في حياتنا اليومية وأخلاقنا؟
على سبيل المثال هل أصبحنا أكثر أخلاقًا مقارنة بـ 25 سنة مضت؟
مثلا هل اقتربت تركيا أكثر إلى أخلاق سيدنا محمد ونمط حياته مقارنة لما كانت عليه في عقد الثمانينيات؟
هل الرجال أصبحوا أكثر فهمًا وعطفًا على زوجاتهم؟
هل الأطفال يتجولون على أ كتاف آبائهم؟
هل تحولت حالات العنف داخل الأسرة إلى أمور استثنائية يمكن مصادفتها؟
أين موقعنا في التعليم والثقافة؟
هل نحن في ذيل قائمة عدم المساواة في الدخل أم في مقدمتها؟
هناك طفرة في مبيعات المصاحف. حسنًا إلى أية درجة يقترب مَنْ يقرأه إلى أخلاق القرآن أي إلى نمط حياة الرسول؟
مثلاً هل انخفضت السِمنة بفضل التدين؟
هل زادت المساعدات أم تحولت إلى مظاهر؟
هل ابتعد الشباب عن العادات السيئة؟
هل تم القضاء على الرشوة والمحسوبية؟
هل انخفضت معدلات الاكتئاب والأزمات النفسية والانتحار أم أن هناك طفرة في هذا المجال؟
هل قويت الأسرة أم أن هناك زيادة في معدلات الطلاق؟
يمكننا الإطالة في القائمة لكنكم تعرفون –وأنا أيضًا- أن آفاتنا البالغ عمرها عشرات السنين لا تزال متواصلة، بل البعض منا تتفاقم مشكلاته أضعافاً مضاعفة.
قديمًا كان يتم إضفاء صفة الشرعية على الإنفاق المترف والمنازل والسيارات الكبيرة والتبذير والمحسوبية والأعمال الخارجة على القانون وأوجه القصور الأخرى بالمفاهيم العلمانية، بينما اليوم تضفى المشروعية على هذه الأمور بتعابير ومصطلحات أكثر دينية.

 

  • (ملحوظة: كتبتُ هذا المقال قبل عامين)
أخبار ذات صله