fbpx
ذكرى فرحة التكريم قبل عامين.. في بلاد الحرمين

د.علي صالح الخلاقي:
منذ أن بدأت العمل في إصداراتي المتتالية منذ عام 1999م، التي تنيف عن 30 إصداراً تتوزع بين التأليف والترجمة والتوثيق لجوانب مختلفة من تراثنا وتاريخنا، لم أضع نصب عيني أو أحلم أو أُفكر يوماً مجرد تفكير بالحصول على أي جائزة أو تكريم، لسبب بسيط وهو أني أقدِم على هذا العمل بدافع ذاتي بحت مقصده خدمة تاريخنا المنسي وابراز تراثنا المغمور، وما زلت اعتبر ذلك واجباً عليّ، كما هو على كل مقتدر في أرجاء وطننا الحبيب، ثم أن مثل هذا الجهد لم يكن يُلتفت إليه رسمياً، في وطن مسروق ومغتصب من عصابة خَفَرَت بشركاء الوحدة وقضت على الدولة ومزّقت الوحدة إرباً، لأنه ببساطة لا يصب في بوتقة مدح الطغاة والترويج لمنجزاتهم الموهومة التي يروج لها نافخو الأبواق وحارقو البخور في بلاطهم، حتى ينالوا رضاهم وتكريمهم.. وهو أمر أعافه ودور لا يشرفني القيام به ما حييت.
لكن ولله الحمد.. شاءت الأقدار أن يُحتفى بي وأُكَرَّم قبل عامين في بلاد الحرمين الشرفين، قبل أن أُكَرَّم أو أحظى بأي تكريم مماثل في وطني.. فقد قيَّض الله رجلاً كريماً استرعت انتباهه، بالصدفة، ثمار جهدي المتواضع في خدمة التاريخ والتراث فرأى فيها ما يستحق التكريم، على غير توقع مني ودون سابق معرفة أو علاقة شخصية به، أنه الرجل العصامي الكريم، الشيخ عبدالحكيم السعدي..الذي بادر لإنشاء جائزة ومؤسسة خلد فيها ذكرى نجله فقيد العلم (أحمد عبدالحكيم السعدي) رحمه الله، الذي لقي ربه في حادث أليم قبيل أشهر قليلة من نيله شهادة الدكتوراه، وخصّني بشرف الحصول على نسختها الأولى، بل واختارني أيضاً رئيساً للجنة العلمية للجائزة، إلى جانبه كرئيس لمجلس الأمناء، والمستشار محمد قاسم القاضي أمينا عاما..
وفي عشية الذكرى الثانية تتجدد مشاعر بهجة وفرحة ذلك التكريم، مساء الثلاثاء 20 ربيع الأول 1435 هجرية، الموافق 21 يناير 2014 م، في منزله بمدينة جدة بحضور كوكبة من رجال الأعمال والإعلام والمعرفة ودبلوماسيين ومثقفين وشخصيات اجتماعية من أبناء يافع والجنوب المتواجدين في بلاد الحرمين الشريفين ممن اعتز بحضورهم أيّما اعتزاز.
وما تزال ترن وتتردد في مسامعي ووجداني تلك الكلمات النابعة من قلب ذلك الرجل الطيب الكريم التي قالها مثمناً جهدي المتواضع في حفل التكريم:” أخونا الفاضل سعادة الدكتور علي بن صالح الخلاقي اليوم بيننا تشريفٌ للجائزة ، فله الشكر والعرفان, ولن أقول إنه فاز بالجائزة.. بل هي التي فازت به. فللدكتور علي الخلاقي إسهاماتٌ معرِفِيّةٌ لا يجهلُها الجميع . ولو خصصتُ كلمتي لتعدادِها لما كفاها وقتُنا المحدود الليلة. لكن اسمحوا لي أن أقول له : أحسنتَ و أجَدتَ يا دكتور علي.. استمر في تفوُّقكَ العلمي و نحن جميعاً نراكَ نبراساً لجيلِ أبنائنا نحو المعرفةِ الوسطيّةِ النافعة”.
وفي قوله هذا مَزيد تكريم وتقدير، وشهادة أعتز بها ما حييت، وأعتبر هذا، كما قلت حينها في كلمة شكر وعرفان مرتجلة، ليس تكريماً لشخصي أو لجهدي المتواضع فحسب، بل هو تكريم للعلم والإبداع وعامل تحفيز لي ولكل العاملين في المجالات العلمية والإبداعية للمزيد من التفوق.. image
يمر الآن شريط الذكريات، يستعيد تلك اللحظات السعيدة بكل ألقها وبهجتها، فيدفعني الوفاء للتعبير مجدداً عن مشاعر الامتنان والعِرفان لهذا الجميل وتكرار الشكر الجزيل لصانعه النبيل، عبدالحكيم السعدي (أبى أحمد) الذي لا يملك كلُّ من يتعرف عليه إلا أن يقول عنه إنه صديق كريم يؤنس إليه، بل و”يستعبد القلوب” بتواضعه الجم ودماثة خلقة ونقاء طَويَّته وعلو همته في خدمة الناس وفعل الخير، ولا غرابة أن يكون من الشخصيات البارزة التي يُنتفع بها في بلاد الحرمين، التي يحمل جنسيتها وبها حاز على النجاح والمكانة المرموقة منذ بداية عمله مع طيب الذكر الشيخ الفاضل عمر قاسم العيسائي، رحمه الله، الذي تأثر بمناقبه وصفاته النبيلة. كما أن له بصمات كثيرة في أعمال الخير في مسقط رأسه يافع، بعيداً عن الأضواء، لكنها تتردد على ألسنة الناس، التي تلهَجُ كثيراً بالثَّناء عليه، كما سمعت ذلك من كثيرين خلال مرافقتي للمخيم الطبي المجاني الذي أقيم بدعم ورعاية مؤسسة نجله المغفور له (أحمد عبدالحكيم السعدي) صيف العام 2014م في مديرية رُصد واستفاد منه مئات المرضى، ومن ذلك أيضاً رعايته للمتفوقين وتحفيزهم ،كما حدث نهاية العام الدراسي 2014م في تكريم أوائل الخريجين في كلية التربية يافع، أو في رعاية حفل تكريم الخريجين من أبناء يافع الأوائل من مختلف الجامعات في عدن، وغير ذلك من بصمات الخير التي لا يحب الحديث عنها.
والحقيقة ان الكلمات تقف عاجزة وتتوارى الأحرف خجلاً عن التعبير عما تجيش به نفسي من مشاعر الشكر والامتنان لهذا الرجل الكريم، ولكل من شاركني الفرحة أو احتفى بتكريمي من ابناء الجالية الجنوبية في كل المدن التي تسنَّى لي زيارتها سواء في الرياض أو في المنطقة الشرقية، ولولا كثرتهم لذكرتهم فرداً فردا، وأخص بالذكر الشيخ عبدالعزيز المفلحي وآل القحيم الكرام، الذين أكرموني وبالغوا في الاحتفاء بي. كما أتذكر بفخر كيف تحولت تلك اللقاءات إلى مهرجانات مكرسة لقضية شعبنا وحقه في الحرية والاستقلال. ولن أنسى أيضاً ما أحاطني به الشيخ الفاضل علي عبدالله العيسائي وأولاده من ترحيب وتكريم بالغ ولذلك حديث خاص قادم إن شاء الله.
وأنوه هنا إلى أن الجائزة قد حُجبت خلال الفترة الماضية، لسببن، الأول أن أحداً لم يتقدم أو يُرشح لها، والثاني وله أثره الواضح على السبب الأول هو الظروف التي مرت بها بلادنا والتي أدت إلى تعطيل حياتنا بسبب اجتياح الغزاة الحوثيين وقوات المخلوع لعدن وبعض محافظات الجنوب، وبعد أن تحقق النصر بفضل من الله وبصمود المقاومة الجنوبية ودعم الأشقاء في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، من خلال عاصفة الحزم، أعلن هنا وبتكليف من رئيس مجلس أمناء الجائزة الشيخ عبدالحكيم السعدي أن المجال مفتوحاً لمن أراد أن يتقدم للحصول على الجائزة بنسختها الثانية وفق الشروط المحددة في لائحتها الخاصة المنشورة من قبل. ولا هنا نملك الا أن نكرر الشكر لراعي الجائزة، جعله الله قدوة حسنة في طريق الخير.. وجزاه خير الجزاء، وندعو لنجله أحمد بالرحمة والمغفرة.
ختاماً.. ومن عُصَارة تجربتي المتواضعة أقول لكل شباب طامح للنجاح: كُن مُخلصًا في عملك، تبلغْ أقصى أملك.
عدن
20 يناير2016م