fbpx
الجنوب في مواجهة كوكتيل الخصوم

صحيح أنه ليس في كل الأحوال تصلح مقُولة : أن أردت معرفة مرتكب أية جريمة فابحث عن المستفيد منها, لكنها مقُـولة فيها شيء من الصحة ,وتصلح في حالات كثيرة, كالحالة التي يمر بها اليوم الجنوب وعدن على وجه الخصوص من اضطرابات أمنية, تقوم بها بعض القوى اليمنية متوحدة, ربما بدون تنسيق, على اختلاف توجهاتها السياسية والفكرية وأن كان ذلك بأدوات جنوبية بكثير من الأحايين.

فهذه القوى اليمنية المختلفة والموزعة بين قطبي نقيض اليوم ضمن صراعها المحتدم على كرسي الحكم بصنعاء (المؤتمر الشعبي العام وجماعة الحوثيين من جهة وحزب الاصلاح وشركاؤه بما يسمى بشرعية الرياض من جهة ثانية وتقف بينهم قوى جنوبية فاقدة البوصلة, ضائعة في بحرِ لُــجٌ, محطمة المجاديف تزعم لنفسها حماية الدين والشريعة وتصنف المجتمع الى فسطاتين (مسلم وكافر) كان لها باع في طرد القوات الحوثية الصالحية من الجنوب مؤخرا ).
كل هذا الكوكتيل المتناقض, وهذا المزيج وأن تنافر مع بعضه البعض شمالا إلا أنه يتجانس جنوباً لإفشال أي جهد جنوبي يصب لمصلحة مشروع استعادة الدولة الجنوبية أو حتى استعادة مؤسسات الدولة الى سابق عهدها بل و حتى استعادة المرافق الخدمية. وتسعى كل قوة من هذه القوى كل على حدة أو مجتمعة الى ابدال المشروع الجنوبي بمشاريعها.
-1- فالمؤتمر الشعبي العام وأن أصبح اليوم لا يمتلك تلك القوة السحرية ولا تلك السطوة المؤثرة بالجنوب بعد أن فقد كثير من أسبابها ومكامنها التي ظل يتمتع بها حتى عام 2011م إلا انه لا يزال يمتلك بعض منها في الجنوب وفي عدن والمكلا على وجه التحديد ويوظفها خدمة لمشروعه وبأدوات جنوبية في كثير من الحالات, ويسعى من خلالها الى اربكاك المشهد الجنوبي من خلال القيام والمساعدة ببعض العمليات العدائية التي تزعزع الاوضاع في الجنوب مستهدفا -أي المؤتمر الشعبي العام- من وراء ذلك إظهار الجنوب على انه أضحى بعد ان طُـردت قواته -أي المؤتمر الشعبي العام- من عدن وكثير من المحافظات الجنوبية ساحة للفوضى ومرتعا لعمليات الجماعات الارهابية, ليغرس بالتالي لدى المواطن الجنوبي قناعة ان يصرف من ذهنه مشروع استعادة الدولة ويقبل بوحدة بنسخة معدلة. ويزرع لدى المواطن الشمالي قناعة بان البديل عن حكمه وحكم زعيمه صالح هو ضياع الجنوب من يده, وأن الإرهاب والتفجير هما البديل ,كما يصور الامر في كثير من المواقف وهو يحاكي الخوف لدى المواطن الشمالي بان رأس الشمال الزيدي سيكون على موعد مع الذباح المدعوم بالفكر الوهابي التكفيري. مستفيدا من بعض الاصوات والاعمال المتطرفة التي يرتفع صوتها وفعلها هذه الأيام في المكلا وعدن ولحج وغيرها من مناطق الجنوب.
-2- أما موقف حركة الحوثي: فدرها بخلخلة الاوضاع الأمنية بالجنوب يتشابه مع موقف المؤتمر الشعبي العام بعض الشيء, فهي تستثمر كل شاردة وواردة بالساحة الجنوبية وتضعه تحت (الميكروسكوب الإعلامي) لتضخيم صورته, ناهيك عن محاولتها ايجاد موطء قد بالجنوب وان كان هذا الأمر لم يفلح حتى اللحظة . مع فارق بينها وبين المؤتمر الشعبي ان هذا الأخير لديه تجربه ثرية باللعب بورقة الارهاب بوجه الخصوم ويجب اسلوب الوقيعة والدس.. صحيح ان هذه الحركة لا ترتبط بأية علاقة بالجماعات المتشددة التي يتأذى منها الجنوب اليوم بحكم الخلاف الفكرية والعقائدي بينهما إلا انها لا تخفي سرورها ولو من باب التشفي من العمليات الارهابية التي يتعرض لها الجنوب ومع ذلك تظل محدودة التأثير والخطر بالجنوب بحكم الاختلاف الفكري والعقائدي بالجنوب ما يعني ذلك غياب تام للمحارة الحاضنة الفكرية والاجتماعية.
-3-حزب الاصلاح: فبرغم تحالفه مع الجنوب- ولو شكليا- بالحرب على قوات صالح والحركة الحوثية مؤخرا إلا انه من أكثر القوى اليمنية استفادة من تردي الأوضاع بالجنوب, فهو الحزب الذي لا ينفك أن يبكي على تعز وعينه جاحظة على عدن. وظل كثيرون من الجنوبيون يتوجسون منه حيال الجنوب حتى في خضم الحرب الأخيرة, ’فهو لا يخفي ابتهاجه بتردي الوضع الأمني بعدن من خلال كُـتّابه وناشطيه ووسائل إعلامه المختلفة عند كل مصيبة تصيب عدن والجنوب كافة, وله مطامع بالجنوب يعرفها الكل, فهو يعتبر نفسه القوة المؤهلة لسدّ الفراغ السياسي بالجنوب منذ ارتخاء قضبة حكم حليفه السابق علي عبدالله صالح, فضلا عن انه الحزب الذي يمتلك بين ظهرانيه كما كبيرا من العناصر المتشددة المرتبطة عقائديا بالفكر السلفي الجهادي التكفيري ويمكن الإيعاز لها بتنفيذ المهمة, أن لم يكن هذا الايعاز قد صُـدر أصلا. فبرغم توجهه الإخواني إلا ان الخلطة السلفية الجهادية الاخوانية لها اليد الطولى داخل صفوفه وتنشط بقوة في بيئة خصبة كالتي في عدن هذه الأيام والمكلا, وبالتالي فلا غرو أن حامت حوله الاتهامات واشارت إليه البنان بالوقوف خلف بعض العمليات التفجيرية بعدن والانتشار بالمكلا فكثر من الشواهد على الارض يؤيد هذا الاعتقاد. فالبعرة تدل عن البعير.!
-4- القوى الجنوبية المتشددة الموجودة بالجنوب :فبرغم اختلافها الفكري مع القوى آنفة الذكر إلا انها تلتقي معها جنوبا لإفشال المشروع الجنوبي. فهي حاربت مؤخرا ضد القوات الشمالية( الحوثية الصالحية) من منطلق عقائد محض, وليس لأي اعتبارات جنوبية تحررية أو وطنية, وبالتالي فهي تسعى بالجنوب بعد أن تم طرد قوات صالح والحوثي منه إلى تمكين مشروعها المتمثل بالدولة الاسلامية المزعومة, وللوصول الى تحقيق هذا المشروع المفترض تراها تعتبر كل من يقف بوجهها من الجنوبيين بمن فيهم رفاق الخندق الواحد الخارجين مع للتو من حرب ضروس, موالين للطاغوت وتضرب يُـمنة ويُـسرة كل من يقف بوجهها. وهذه الجماعة هي الأكثر خطرا على الجنوب في المنظور القريب على الأقل لعدة اعتبارات يكفي انها جنوبية الانتماء وهذا بحد ذاته يعطيها نوع من الحصانة بوجه من يفـكــر بطردها من الجنوب, كما يعطيها حُــرية التنقل بالميدان وحرية التصرف بشراء الاسلحة والمعدات القتالية الأخرى, فضلا عن سهولة استقطابها لمزيدا من المؤيدين من الشباب الجنوبيين, ناهيك عن امتلاكها أصلا لأسلحة ثقيلة ومواد متفجرة بكميات ضخمة بما فيها عربات ومدافع تابعة لدول التحالف ,وسبق للتحالف وعبر قناة الحدث ان طالبت هذه الجماعات بتسليم هذه العربات لكن دون جدوى.!
هكذا يبدو المشهد بالجنوب ضبابي المعالم ,كئيب الملامح, يحيق به الخصوم من الجهات الأربع. ومع ذلك نثق أن ثمة نورٌ سينبثق غداً من رحم هذا الديجور. وسيكون لنا ان شاء الله في تناولة قادمة استعراضا لبعض الحلول المقترحة لتخطي هذه المعضلات , وبعض الوسائل الممكن من خلاها تعاطي النُـخب الجنوبية مع هذا الكم الهائل من الخصوم, وهذا الكوم الضخم من التحديات كمبادرة متواضعة ,كمحاولة لاستنهاض الهمم وشحذها للقيام بالواجب الذي يجب أن يضطلع به كل جنوبي بالوقت الراهن, حتى لا يمعن الخصم بغرز الخنجر كاملا بالجسد الجنوبي, أو نظل نعلق كل الإخفاقات على شماعات الآخرين والتملص من الواجب.
حكمة: الغاية النبيلة لا تحققها وسيلة رذيلة.