fbpx
التحرر من سلطة الجهل والخرافة

 

في جامعات جزيرتنا العربية الحبّوبة، « المعصودة عصيد » في الحقيقة، سمعت أن أستاذ فيزياء يعلن بطلان نظرية كروية الأرض، وأستاذ بيولوجيا يعلن بطلان نظرية داروين.
لا ينقص إلا أستاذ رياضيات في جامعة صعدة يعلن دحض نظرية فيثاغورس!…
لا أدري لماذا ذكّرني ذلك بقصة حفلة زواج لصديق فرنسي عزيز، تأرمل ٣ سنوات، ثم تزوّج في مدينة بوردو (في جنوب غرب فرنسا) قبل ٥ سنوات. رغم أنه، مثل زوجته، من مجتمع قطع علاقته بالدين من قبل زمن، لا يؤمن بدين لا هو ولا هي، عملوا زواجهم في الكنيسة بناء على رغبة زوجتهِ لأسباب خاصة.

لأوّل مرة حضرت زواج ديني. لم أحضر قبلها إلا حفلات زواج مدني.
كانت تجربة لا أنساها. خوري الكنيسة (الإمام، عندنا) شاب، عمل خطابا دينيا طال أكثر من نصف ساعة.
كله متعة ونكت حول الزوجين (بحث عنهما كثيرا في غوغل، ورسمهما بقفشات وخطاب ممتع).
خطاب ديني بلا دين. بس حلو جداً جداً.
ضحك بدون توقف ملأ الكنيسة من جميع الحاضرين!…
عشاء الزواج كان في سفينة على النهر.
و دعي الخوري الشاب. حضر، وكنت معه في نفس الطاولة وستة آخرين. نقاشات حول كل شيء. لاحظتُ من خلاله كم تطوّر الدين في هذه البلدان بعد أن بطّل التدخل في السياسة والتعليم والفيزياء والبيولوجيا… لا يمارس إلا كنشاط ديني روحي نظيف.
طلب منه أحدنا في الطاولة نكت كنائسية.
ألقى سلسلة ممتعة منها هذه:
قسيس يسأل آخر:
= أتظن أن البابا الجديد سيلغي منع زواج رجال الكنيسة وإنجابهم أطفالاً؟
= في جيلنا هذا، لا أظن. لكن في جيل أطفالنا، أكيد!…
في لحظة معينة سألته، وقد لاحظت مدى انفتاحه:
= الآن أنت بجد مؤمن أن الحياة على الأرض بدأتْ بطين ونفخة، و بنت حلوة اسمها حواء، خرجت من كتف راجل وسيم اسمه آدم، تم طردهما من السماء إلى الأرض عشان قصة تفاحة وشيطان وحيّة وخبابير من هذا النوع؟
ضحك، ورد بالحرف الواحد:
= نحن الآن في القرن الواحد والعشرين، ولا يوجد كاثوليكي واحد مؤمن بهذه الأسطورة الدينية كحقيقة علمية.
الكنيسة تطوّرت كثيرا بعد حربها ضد العلم لقرون، و بعد حربها ضد نظرية داروين لمدة حوالي قرن ونصف:
اعترفت رسميا في نهاية التسعينات بنظرية داروين كتفسير لنشوء الإنسان (بعد دراسة طويلة من لجنة علماء كاثوليك كبار لكل الدلائل والحفريات ونتائج العلوم الجينية الحديثة).
نحن الآن نقرأ القصص الدينية بطريقة بلاغية مجازية، مش حرفية.
يعني قصة آدم وحواء ترمز إلى الوحدة العضوية بين الرجل والمرأة وعلاقتهما الحميمة، و ليست تفسيراً بيولوجيا لنشوء الإنسان على الأرض.
واصل، بالحرف الواحد:
= نحن ندين للعلم بتحريرنا من سلطة الجهل والخرافة!
ثمّ قال لي هذه العبارة، التي تستحق التأمل الطويل والعميق، للفيلسوفة الألمانية حنّة أرنيدت:
= أفضل مواطن لأنظمة الطغاة هو المواطن الذي لا يستطيع التمييز بين الحقيقة والخيال!
ـ من صفحة الكاتب على الفيس بوك