fbpx
ازمة الثورة في الجنوب والخروج من المأزق

بادئ ذي بدء لابد من الاعتراف بوجود اشكالية كبيرة تجثم على كاهلنا قواعدها تتشكل من بقايا النظام الشمولي الجنوبي المنقرض واختراقات الاحزاب اليمنية والسطوة المالية للوبي اليمني جميعهما صنعت لنا معضلة داخلنا اعاقتنا عن التقدم كحركة ثورية جماهيرية شعبية عمرها عقدين انقضت  قدم خلالها شعبنا الغالي والرخيص من اجل تطلعاته واحلامه في الحرية والاستقلال.

يبدو  التخبط واضح لدى النخبة السياسية الجنوبية  او بالأحرى لدى قادة الثورة وعقلها السياسي المشتت واخص بالذات اولئك القادة الذين عجنتهم ساحات النضال السلمي والعمليات الفدائية وميادين القتال حتى صاروا رموزا منحهم شعبنا الثقة وولاهم زمام قيادة الثورة. هذا التخبط او التشوش في الرؤية والعجز في الحركة بدى واضحا خلال الخمس السنوات الماضية فقد نجحت تلك النخبة في نشر الوعي الوطني التحرري الجنوبي واخراج الجماهير الى الشارع, لكنها فشلت في تنظيمها والاستفادة من هذا الحشد الهائل ومن القوة الكبيرة والالتفاف حول الثورة الحاضرة للتضحية  نتيجة لما ذكرته اعلاه من مؤثرات تركت بصمتها على هذا المشكل الذاتي, الذي كان للقيادات الجنوبية السابقة وثقافة النظام الشمولي ممثلا ببقاياه من رموز وولاءات ميدانية الاثر السلبي الاخطر, فما عجزت عنه قوى الاحتلال اليمني العسكرية قام به “ميامين” الجنوب التاريخين الذي فرّخوا وقسّموا وخذلوا بعجزهم عن تقديم برنامج سياسي عملي قادر على تشكيل قيادة  سياسية موحدة تقود الثورة كانت تنتظره منهم الجماهير الجنوبية المشبعة بالطيبة والتسامح والعفوية.

فشلت النخبة السياسية في مجاراة الواقع بعد خروج الجماهير الحاشدة , انكفأت على ذاتها وتاهت في تفاصيل ودهاليز التنظير التي ابعدتها عن تطوير ادائها القيادي منذ 2010م وحتى بداية الحملة العسكرية اليمنية الثانية في فبراير من العام الماضي 2015م . لقد  كشفت  الحرب عن حقيقة  تلك المكونات الجنوبية للحراك السلمي بأنها قد ماتت سريريا فاقدة الحركة والوعي واثبتت بالملموس انها لم تستطع التعاطي مع اللحظة  التاريخية وحلت وسائل التواصل الاجتماعي محل هذه المكونات في تنظيم وتحشيد الجماهير وبرزت قيادات ميدانية لم نشاهدها في منصات الخطابة وفي خضم المعركة العسكرية تشكلت المقاومة الجنوبية التي التف حولها شعب الجنوب في الداخل والخارج مساندة بالمال والرجال فكان النصر المبين.

لا نخف وجود اشكال خطير في عدم وجود تشكيل موحد قوي ومتماسك للمقاومة الجنوبية وهذا يجعلها عرضة للتفكك والاضمحلال ليس هذا فحسب بل أن هناك ايضا غياب كامل لبرنامج سياسي وخارطة طريق للمقاومة والثورة يجنبها مخاطر السقوط, وهنا يبدو جليا من جديد عجز النخبة السياسية الجنوبية في استيعاب المستجدات والمتغيرات الكبيرة فمازالوا يتحدثون عن مكونات الحراك السلمي دون ادراك للمرحلة التي تشكلت فيها والمهام المطلوبة منها حينها.. هذه المستجدات عنوانها اليوم ان المكونات غابت في اللحظة التاريخية الهامة وأن الجماهير قد خرجت عن سلميتها وطردت جحافل الغزاة اليمنيين من معظم اراضي الجنوب وبالذات العاصمة عدن وان المقاومة قد صارت في اطار السلطة الفعلية.

اسئلة كثيرة تبادر الى اذهاننا ابرزها يتمثل في: هل المشاركة في السلطة خيانة للقضية وللثورة وتآمر عليها يمكن يؤدي الى سقوطها او تفككها؟ هذا ما يبدو من طرح بعض القيادات الحراكية وهم في تقديري الذين لم يستوعبوا المستجدات خاصة واني لم ارى منهم ما يشير الى ان لديهم قراءة وتصور واضح ومفصل حول ازمة الثورة وكيفية الخروج منها.

في تقديري ان تفكك الدولة اليمنية يضعنا امام حقيقة هي أن سلطات الاحتلال اليمني لم تعد موجود حتى في صنعاء ومسألة قيامها وشكلها الجديد امر لا يعلمه الا الله ولكن بكل تأكيد لن يكون قريبا, لان خريف الازمة الإقليمية مازال في بدايته.  هذا اولا .. وثانيا ان الفراغ القائم في الجنوب هو حقيقة يضعنا امام مسؤولية ملئه لسببين:

اولهما اننا مهددون بالفوضى وبالسيناريو الليبي وهو خطر لن يؤدي الى تفكك قاطرة الثورة وحسب بل وادخال المجتمع الجنوبي في دوامة كبيرة ستكون مرتعا خصبا لخلايا الارهاب اليمنية الممولة “العفاشية” والحوثية وبدرجة اساسية لخفافيش حزب الاصلاح الحاضن الفعلي للعنف والتطرّف والفتن بمختلف اشكالها وحينها سننحدر في مطالبنا للبحث عن مقومات الحياة الاساسية وسيكون التفكير بالثورة والنشاط السياسي امر بعيد المنال.

وثانيهما ان المعركة مع عناصر حزب التكفير والارهاب اليمني “الاصلاح” المتأسلم واللوبي المالي اليمني ل “عفاش  والاود الاحمر وغيرهم الذي يختفي تحت يافطة رجال الاعمال المنحدرون من تعز على السلطة والوظائف في عدن الان على اشدها والتي بها دخلنا المرحلة الثانية من المواجهات العسكرية مع قوى الاحتلال اليمني.

والأخطر من هذا كله اننا في حالة تشابك في الوظائف والمهام مع شلة الفساد التي تربت في مدرسة “عفاش التاريخية” وتحاول جاهدة بسط سيطرتها على الجنوب وهم يشكلون خطرا ماحقا الان, فعلى الرغم من غياب أي سند شعبي لهم الا انهم سيسعون بشتى السبيل من خلال السلطة والمال لتفكيك المقاومة وافشال المشروع الوطني الجنوبي الذي يشكل تهديدا جديا على مصالهم وثرواتهم ومصادرها الغير مشروعة.

لذا فإن الفراغ السلطوي القائم والغياب الكلي للشرعية يجعل من الوظائف في مؤسسات الامن والجيش والقطاع المدني في محافظات الجنوب أداة سياسية غاية في الاهمية اذا صاحبها وجود تنظيم قوي ورؤية سياسية للمقاومة الجنوبية بحيث  تستطيع استغلال هذه المواقع التي وجدت فيها رغما عن رغبة السلطات الشرعية وبها يمكن ان ترتب اوضاع المقاومة في بناء اجهزة السلطات العسكرية والمدنية الجنوبية التي ستعينها في معركتها مع حزب الاصلاح ومليشيات وخلايا الارهاب النائمة والنشطة التي يقودها وكذا في محاصرة انشطة قوى الفساد الجنوبية ممثلة بالرئيس الشرعي  وعصابته التي تحاول تدمير الثورة من داخلها.

المعركة مفتوحة اليوم والسلطة هي ابرز الادوات في هذه المعركة فلم تعد تجدي الاعتصامات والمناشدات والمليونيات الا اذا وظفت في اطار مشروع سياسي متكامل عنوانه المقاومة الجنوبية انتم تفتقدون له فلا تكونوا عنوانا لتيار “لا يعنينا ” التاريخي المأزوم.

لتستمر المقاومة في ترتيب اوضاع المناضلين حتى لا يتحولوا الى خلايا نشطة للفيد والتكسب بسبب الحاجة, ولتتصدى النخبة السياسية لرسم خارطة طريق للثورة تستوعب المستجدات والمتغيرات الراهنة وتحرك الجماهير كقوة  قاهرة في دعم وتعزيز سلطة المقاومة والحفاظ عليها كأداة للثورة حتى تتمكن من التمدد رأسيا وافقيا في الجنوب كله يصاحب ذلك تشكيل قيادة سياسية توافقية مؤقتة وخالية من بقايا وادران  الماضي تقود الثورة للوصول بها الى بر الامان.