fbpx
المخلوع.. وخطاب مُنهزمٍ أسير أوهامه

د.علي صالح الخلاقي:
شتان بين ظهور المخلوع في خطابه الانهزامي يوم أمس، وبين ما كان عليه من عنجهية وغرور وغطرسة ، حينما أطل علينا بوجهه القبيح قبيل بدء عاصفة الحزم مهدداً ومتوعداً بأن لا مخرج لمن يقف في طريقه ولا منفذ سوى طريق وحيد عبر البحر.. وها هو يعيش الآن محاصراً، بل ومتنكراً يتنقل من نفق إلى آخر في الجحور، بعيداً عن الظهور، وخارج بهرجة الدور والقصور، وتلك نهاية كل من طغى وتجبّر.
أقل ما يوصف فيه المخلوع في خطاب الاستجداء الأخير، أنه مراوغ مخادع، أدمن الكذب والبهتان. ومن سخريات القدر، التي يمقتها البشر، أن يظهر هذا المعتوه المخلوع مجدداً وكأنه زعيم وحكيم ورئيس البلاد والعباد، متناسياً أنه الآن مجرد نكرة ممقوتة، بعد أن تسبب في كل ما وصلت إليه البلاد من خراب ودمار.. وأن ثورة خرجت ضده، تصدرتها تضحيات الشهداء حتى خروجه مدحوراً مقهوراً مخلوعاً من سلطة ظل يتشبث بها ويعض عليها بالنواجذ وبالمخالب والحوافر طيلة 33عاماً قضى خلالها على ما تبقى من الثورة والجمهورية والوحدة وكل القيم التي يحاول الآن أن يتحدث باسمها، في الوقت الضائع وبعد فوات الأوان. لكن مرض الزعامة، وداء العظمة لم يبارح مخيلته، ويدفعه لا شعوريا إلى اختلاق وقائع خيالية تتسق مع أوهامه للهروب من متطلبات الواقع الحالي الذي أصبح فيه محاصراً كالفار الممعن في جحره، ولا يهمه التفكير بشيء مما قاله زيفاً، بقدر تفكيره كيف ينجو من نهايته السيئة المنتظرة.
وكدأبه دائماً، ما برح يغالط الجميع، وكأنه يستغبي الكل، لاستدرار عطفهم لإنقاذه في لحظات احتضاره الأخيرة ، متناسياً أن مياهاً كثيرة قد جرت، ولم يعد أحد يصدقه لا في الداخل ولا في الخارج، حتى أقرب حلفاء (الضرورة التكتيكية) الحوثيين باتوا حذرين منه أكثر، وما إشارته بأنه لا توجد له علاقة مع إيران؛ وإنما (هناك علاقات خاصة بين الإخوان في أنصار الله وإيران) سوى تملصاً منهم لتبرئة نفسه من هذه العلاقة المشبوهة، فضلا عن عدم رضى الحوثيين من مغازلته للإمارات التي (قدر تقديراً عالياً موقفها)، وكأنها صديق يسنده في خندقه الضال، وهذا أسلوب في قمة الابتذال، لمآرب غير خفية، مستخفاً بدماء وتضحيات شهداء الإمارات الأبرار الذين قتلتهم صواريخ ورصاصات غدره في مأرب وفي عدن، والتي لم تجف دماؤهم بعد، كما يقلل أيضاً وبخبث، وعن قصد، من موقف الإمارات الثابت إلى جانب شعبنا وقت المحنة، ويصورها وكأنما جرتها السعودية(للتورط في اليمن) كما قال، متناسياً أنها تنطلق من منهجية ثابته منذ عهد مؤسسها طيب الذكر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في كل مواقفها العربية والإسلامية، بما في ذلك دعمها لبلادنا ووقوفها معها لتخليصها من شُروره وشرُور حلفائه الحوثيين، وهي الآن تتصدر المشهد العسكري كتفاً لكتف مع السعودية على رأس التحالف العربي. وبالمثل لم يعد يجديه نفعا مغازلة الكويت الشقيقة، التي تعرف جيداً موقفه اثناء اجتياح واحتلال الكويت عام 1990م.
أما العجب العجاب، فهو تنكر المخلوع للسعودية متناسياً كل ما قدمته له منذ وصوله إلى الحكم مروراً بالمبادرة الخليجية التي ضمنت له خروجاً آمناً، ثم علاجها لجسمه المحروق إثر حادثة مسجد النهدين بعد أن كاد جسده أن يتعفن ، وما أن استرد صحته، حتى قلب لها ظَهْر المِجَنّ وتحالف ضدها مع الحوثيين حلفاء إيران، وراس حربتها التي عوّلت عليها في تحقيق مآربها جنوب الجزيرة العربية، وها هو المخلوع يصب جام غضبه مجدداً على السعودية ويصورها بكل وقاحته وكأنها المعتدي الذي يواجهه، وأنه لن يقبل إلا بالتفاوض معها دون غيرها، متناسياً أنه يواجه قراراً دولياً،وتحالفاً عربيا تدخَّل رسمياً بطلب من السلطة الشرعية، التي يمثلها عبدربه منصور هادي، وهو الرئيس الذي جاء بانتخابات توافقيه باركها الشمال قبل الجنوب، بعد الثورة على ذلك المخلوع، وما عليه سوى الانصياع للقرار الدولي أو انتظار الحسم من عاصة (الحزم).
ما يهمنا في خطابه كجنوبيين، أنه كرر مخاطبة الجنوبيين وكأنه وصياً عليهم ، وكشف فيه بغباء عن خبله وفقدان صوابه وهستيريته، ولم يخفِ فيه مشاعر الغيظ والحسرة والندم وهو يرى الجنوبيين اليوم أسياد أرضهم وهم أكثر لحمة وتوحداً، وأن ماضي خلافاتهم، التي كان يغذيها هو، قد أصبح من الماضي، وتاريخاً للعظة والعبرة فقط، لكنه رغم ذلك كرر إثارة تلك الاسطوانة المشروخة لاجترار أحداث الماضي الجنوبي التي مللناها وسئمنا سماعها منه، وهي الاسطوانة التي عجز عن الافلاح في تسويقها حينما كان في عز قوته بداية الدعوة إلى التصالح والتسامح التي ازعجته حينها، أما الآن فأكثر ما يقال أنها تثير السخرية أكثر، فقد أصبح التصالح والتسامح الجنوبي حقيقة واقعية، وتترسخ على الأرض سلوكاً وممارسات.
وفي تناقض عجيب وبجُرأة مُستهَجنة وسوء أدب، وسلاطة لسان يدعو (الأخوة في الحراك في عدن في لحج في الضالع في الصبيحة في أبين في شبوة في حضرموت في المهرة في سقطرى)، وكأنه زعيم الحراك، وقائده، متغافلا عن كونه قد قطع كل أواصر الأخوة ومزق عُرَاها، بل والأدهى من ذلك أن يطلب منهم (أن يشدوا حيلهم) وأن الاستعمار لن يدوم، وأن الأشقاء الذين جاؤوا لنجدتنا (مستعمرين)..متناسياً أنه ونظامه مَثَّل أسوأ استعمار عرفته أرضته الجنوب الحبيب منذ احتلاله لها عام 94م، كما وصف ذلك المفكر أبو بكر السقاف في وقت مبكر من نفس العام، وهذا ما أفصح عنه أيضا لاحقاً جنرال الحرب العجوز علي محسن الأحمر (علي كاتيوشا) بعد اختلافه مع المخلوع على توريث واقتسام سلطة(الاستعمار والاستبداد)..ففي خطاب له في 5 نوفمبر2011م قال بعظمة لسانه:” إن علي عبدالله صالح حكم الشمال بالاستبداد وحكم الجنوب بالاستعمار ولهذا فإن التغيير يعتبر واجباً”.. وها قد تحرر الجنوب من استعمار نظام المخلوع بمقاومته البطولية ودعم الأشقاء الذي لا يُنسى، فيما يقاوم الشمال للخلاص من استبداد ورثة الأئمة، وعليه أن ينتفض بكامله، وفي مقدمته قواه الحية الفاعلة والمؤمنة بالتغيير، لاستغلال الظرف التاريخي ودعم الأشقاء في التحالف العربي لتقريب ساعة الخلاص النهائي من هذا الاستبداد الذي أنهك البلاد والعباد.
كما برزت ألاعيبه التي لا تخفي لدغدغة مشاعر الأخوة في الشمال وكأن الظلم والقصف الواقع عليهم الآن، سببه الجنوبيون، ولا أعتقد أن هناك غبيا، في الشمال أو الجنوب، يصدق أراجيف وأكاذيب المخلوع، لأنها ببساطة لم تعد تنطلي على أحد، فالجنوب كان الضحية الأولى لعدوان غاشم من جحافل همجية جاءت من كهوف مران وخلَّفت دماراً وخراباً لم تشهده عدن والجنوب طوال تاريخها، ولم يذهب أو يفكر الجنوبيون مجرد تفكير أن يسيطروا على صعدة أو صنعاء، ولا ذنب لهم بما يحصل من حصار في تعز أو في غيرها من مناطق الشمال التي تواجه بربرية وهمجية لا تقل عما واجهته عدن من قبل قوات المخلوع المسنودة بمليشيات الحوثيين، بل أن الجنوبيين يتضامنون مع أخوتهم في الشمال للخلاص من هذا الوباء الخطير، والشر المستطير، وتحقيق حلمهم بدولة النظام والمساواة بعيداً عن طاغوت (ورثة الأئمة)..
ببساطة خطاب المخلوع الأخير.. دلالة عن نفسية منهزم أسير أوهامه.. التي لن تنتهي إلا بنهايته الحتمية.. وقد اقتربت إن شاء الله..

عدن
9يناير 2016م