fbpx
الفيدرالية وإن كانت “هشة”

بعد هجمات باريس 13 نوفمبر 2015م شعرت أوروبا ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية بأن عليها أن تتخذ خطوات ملموسة تجاه ما خلفه ما يطلق عليه ” الربيع العربي ” من حرائق مشتعلة في عدد من بلدان الشرق الأوسط ، فوصول الارهاب إلى قلب العاصمة الفرنسية وبروز العديد من الخلايا الارهابية في بلجيكا وهولندا وغيرها من الدول الاوروبية هو بمثابة انتقال الارهاب من جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى شماله ، وهذا يعني خطراً داهماً على القارة الأوروبية يهدد حالة الاستقرار والأمن التي تنعم بها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن العشرين المنصرم .

قد يكون الملف السوري هو الملف الأكثر حضوراً في المشهد الدولي على مدار أكثر من أربعة سنوات ، إلا أن المنعطف الأكثر أهمية وقع مع التدخل الروسي العسكري الذي أعلن عن تحالفه مع النظام السوري مما مهد لتوافق دولي بضرورة تحريك هذا الملف تحت مسميات وعناوين مختلفة ، تأتي في مقدمتها محاربة الارهاب والقضاء على ( داعش ) ، من دون اغفال أهمية تحريك المسار السياسي في شكل يضمن التوافق الاقليمي والدولي ، وهو ما جاء في سياق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 ، وعلى رغم ما احتمله القرار من مسارات ضبابية يبقى مجرد إطاراً سياسياً في مسار طويل بدأ مع جنيف 1 الذي ضاع في متاهات الصراع السوري الدموي .

تقاسم النفوذ في سوريا بات محكاً لاختبارات القوى السياسية الدولية والاقليمية بل وحتى المحلية والتي يبدو وأنها في إطار القرار الدولي ليس لها مسار ممكن سوى القبول بخيارين لا ثالث لهما إما ( الفيدرالية الهشة ) أو القبول بالتقسيم الطائفي والذي سيقود الدولة السورية إلى مزيد من التفكك وعدم الاستقرار في المستقبل القريب والبعيد معاً ، وهذا مما يشكل تهديداً مباشراً بقدرة ( داعش ) على التمدد وزيادة القوى المتوغلة على الأرض السورية ، وهو ما سيتيح مباشرة باتساع دائرة الإرهاب .

الملف الليبي هو الآخر وجد متنفساً سياسياً على أثر هجمات باريس بعد أن نجح الضغط الأمريكي المباشر على كل الأطراف السياسية الليبية على التوافق السياسي فيما أطلق عليه ( اتفاق الصخيرات ) ، وفد تحدد مهمة الحكومة الليبية التي ستنبثق عن الاتفاق في إقرار خطة دولية لمكافحة الإرهاب والهجرة عبر المتوسط وتخصيص الموارد اللازمة لتمويل هذه المهمة .

وبمجرد الحصول على هذا المسار السياسي يبدو المجتمع الدولي حريص على تأمين حقيقي لواحدة من أبرز الثغرات المؤدية إلى القارة الأوروبية والتي يمكن من خلالها أن يتسرب الإرهابيين لتنفيذ عملياتهم الإجرامية مما يجعل إيجاد الحلول السياسية للأزمة الليبية مسألة لا يمكن التلكؤ فيها ، ويبقى الحل العام المطروح في الملف الليبي هو ( الفيدرالية الهشة ) أو القبول بالتقسيم والتشظي الواسع مما يفتح كل الخيارات أمام مواجهات مفتوحة في صراع لا يمكن التنبؤ بنهاية له .

في الملف اليمني تضغط دول الإقليم وتحديداً التحالف العربي مع الأمم المتحدة لإخضاع الحوثيين وشريكهم المخلوع علي عبدالله صالح على التسوية السياسية للأزمة اليمنية عبر تنفيذ القرار الدولي 2216 ومخرجات الحوار الوطني على قاعدة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ، وهذا ما يدفع الجيش الوطني والمقاومة به كذلك خاصة بعد أن فشلت جولة المشاورات في ( جنيف 2 ) ، وكذلك بعد أن نجح التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية من تقويض القوة الإيرانية التي كانت تجد في اليمن فرصة يمكن من خلاله تهديد الأمن القومي العربي عبر السيطرة على الممرات المائية الاستراتيجية فيه .

بات اليمن أمام الاستحقاق السياسي فلا يمكن إقصاء طرف من أطراف اليمن سياسياً ، وهذا ما يجب تداركه في المرحلة القادمة ، ولذلك لابد من فتح ثغرة أمام الجمود السياسي عبر إعادة نظر في التقسيم الفيدرالي لليمن الاتحادي وهو المسبب الرئيس وراء الانقلاب الذي قادته الجماعة الحوثية التي رأت في التقسيم الفيدرالي للستة أقاليم اجحاف لمناطقهم ، لذا يبدو أن ( الفيدرالية الهشة ) قد تكون مخرجاً للأزمة اليمنية عبر تقسيم اليمن إلى إقليمين جنوبي وشمالي مزمنّة بتاريخ سنوات لتحديد مسار اليمن السياسي بعد أن ياتقط اليمن أنفاسه .

أزمات سوريا واليمن وليبيا تفجرت وتحولت إلى كوارث حقيقية ستحتاج إلى سنوات طويلة لمعالجة آثارها الدامية ، ثمة فرصة مواتية للخروج منها عبر إيجاد حلول وأن كانت تحمل صفة الهشاشة عبر الفيدرالية لتخفيف الازمات المتفجرة عبر انفراجة يمكن أن تكون مسلكاً ملائماً يعيد ترتيب الأوراق في ظل تنافس محموم بين اقليمي ودولي أتاح للصراعات الأثنية في هذه الدول الثلاث ويضاف إلى ذلك العراق صراعات عنيفة أدت إلى الدمار والقتل والتهجير .