fbpx
عن مصير المقاومة الجنوبية

قرأتُ البيان الذي أصدرته عدد من قيادات المقاومة الجنوبية بالعاصمة عدن يوم الأحد والذي أعـلنتْ فيه عن حَـلّ كافة مجالس المقاومة الجنوبية. أتفق مع كثير مما ورد فيه وإن كان البيان قد أهمل أي ذكر للجنوب وقضيته وهدفه التحرري, حيث ظهر البيان بكثير من فقراته وكأنه يخطب ود الشرعية اليمنية أكثر من اللازم الذي قد تقتضيه الضرورة على افتراض ان السياسة تتطلب أحيانا مرونة وانحنائية لعتو العاصفة, شيء من معسول الخطابة.

وعلى كل حال فأن القول بأن المقاومة الجنوبية  قد حلت نفسها هو قول غير دقيق , فهو  وأن بدا الأمر على نحو حلها  إلا ان ذلك لا يعني حلاً للثورة الجنوبية التحررية  التي يجب ان تظل شعلتها متقدة ومؤشر بوصلتها منضبط نحو الجهة الصحيحة للإبحار حتى تحقيق كامل أهدافها التحررية. الثورة الناجحة بأي رقعة بالعالم  لا تعلن بقرار إداري أو بمرسوم سياسيا أو عبر منشور حزبي أو حتى بيان ثوري فهي بالتأكيد لا يمكن ان تلغى بمثل هكذا قرارات وبيانات ,وتظل قائمة حتى تزول أسباب اندلاعها وتقام على إثرها الدولة المنشودة. فالشعب الذي صنع  الثورة هو وحده من يقرر مصيرها وعمرها, وهو من يحدد مسارها وأساليبها وأدواتها النضالية.

فمثلما لم يكن إشهار المقاومة الجنوبية -كما حصل قبل أشهر بإحدى القاعات بالعاصمة عدن-  إشهارا لمقاومة هي موجودة وقائمة على أرض الواقع منذ شهور بل  منذ سنوات ,فالمشهور لا يحتاج الى إشهار والمعلن ليس بحاجة الى إعلان ,فالنار على علَم لا يحتاج من يشير إليه ليراه الناس وهو مشتعلا أمامهم. نقول انه مثلما لا يمكن استيعاب حكاية إشهار المقاومة فانه لا يمكن تصوير تحـوّل المقاومة الى شكل من أشكالها الأخرى في إطار الثورة الجنوبية الكبرى على انه حلاً لها وتشييعا لجثمانها.

فشتّان بين قيام ثورة تحررية وتأسيس جمعية زراعية يتشرط القانون إشهارها عند التأسيس وحلها لأي سبب كان بقرار او بحكم قانوني. فالثورات  لا تشهر بقاعات الاحتفال بل بساحات النضال, ولا تلغى بقرارات ادارية ايضا بل انها ليست بحاجة الى مثل هكذا إعلان ان هي قررت ان تذوب ثانية في بوتقة الثورة الجنوبية الكبيرة وتعيد غربلة نفسها, فالمقاومة -أيّة مقاومة كانت -تتحول من شكل الى أخرى  حسب الحاجة مثلما  نتمنى ان تفعل المقاومة الجنوبية التي أعلنت مؤخرا في بيانها آنف الذكر عن تأييدها للسطلة المحلية بالعاصمة عدن ومدير أمنها كرافد ومساند لهذه السلطات,وهو قرار شجاع في وقت دقيق وحساس,على الأقل أمنياً.

-وأن لم يرق للبعض هذا القرار-باعتبار ان أي مقاومة ثورية  ليست إلا وسيلة من وسائل النضال الثوري, تظل بشكلها المسلح المقاوم الى أجلٍ مسمى والى ان تنتفي ظروف  مهمتها  العسكرية, وليست غاية بحد ذاتها حتى نجعلها بأهمية الثورة نفسها بعد أن اضطلعت بدورها بشكل مشرف,ولا هي مكونا جنوبيا جديد أضيف الى  فسيفساء المكونات الجنوبية حتى نتحدث عن نشأتها وحلها.

فإن دعت الحاجة الى تغيير مسمى هذه المقاومة وتبديل شكل عملها من عسكري الى أمني وحتى الى مدني بحسب ما تفتضيه ظروف المرحلة فهذا- حسب ما هو منتظر من المقاومة الجنوبية اليوم -لا يعني انها أصبحت جزءاً من الماضي وأن عناصرها قد اضحوا في دائرة النكران والجحود كما يتصوره بالبعض, بل هي مقاومة موجودة بصميم الثورة وعلى تخوم الدولة, مقاومة تقاوم الفوضى ,مقاومة تقاوم الجهل, مقاومة تقاوم التسيب والبسط على مؤسسات الدولة والاستحواذ على مرافق البلاد بغية التكسب, مقاولة تنتصر للقانون وتكون سندا للسطات المحلية والأمنية الجنوبية بالمحافظة والجهات القضائية ومؤسسات الدولة المدنية. فللمقاومة  اشكالٌ أخرى حين تنتقل من مرحلة الثورة المسلحة الى مرحلة الجهاد الأكبر( مرحلة بناء الدولة) باعتبارها مرحلة صعبة التحقيق وباهظة الكلفة. فإحقاق الحق أصعب من إبطال الباطل.