fbpx
الإمارات .. للخير عنوانٌ

د.علي صالح الخلاقي:
منذُ عهد مؤسسها الشيخ الحكيم زايد بن سلطان، رحمه الله، عُرفت الإمارات العربية المتحدة بدعمها السخي الذي تقدمه للدول العربية والإسلامية والوقوف إلى جانبها وقت المحن والملمات، كنهج اختطته منذ تأسيسها في سياستها الخارجية، ولا غرابة أن يطلق عليها (إمارات الخير)..وهو إرث متأصِّل في سياستها أرسى دعائمه مؤسسها، طيّب الذكر، الذي عُرف بالخصال الحميدة والأخلاق الجميلة وارتبطت به قيم ومناقب الخير والشهامة، بل كان هو والخير صنوان.
وإذا كان الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، قد عُرف بمواقفه العربية الرشيدة.. فها هم أولاده يقتفون أثره، وانطلاقا من ذلك النهج الثابت جاء وقوفهم الحازم إلى جانب شعبنا في محنته كقوة فاعلة في التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، لصد جائحة المليشيات الحوثية وقوات المخلوع، ومواجهة مشروع التمدد الإيراني الهادف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وقدموا في سبيل ذلك الغالي والنفيس، بما في ذلك تضحيات الشهداء الإماراتيين والسعوديين ممن رووا بدمائهم تراب أرضنا.
وما أن تم تحرير عدن والجنوب الذي أشرفت عليه الإمارات ميدانياً، حتى كانت سفن وطائرات وشاحنات الإغاثة الإماراتية أول الواصلين في جسر متصل حمل المساعدات الإغاثية والغذائية والطبية التي أشرفت عليها مؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الإنسانية ومؤسسة محمد بن راشد للأعمال الخيرية والإنسانية وهيئة الهلال الأحمر، وسارعت لإعادة الحياة الطبيعية إلى عدن، وحولتها إلى ورشة عمل، لا تعرف الكلل أو الملل، وبدأت بالأوليات المهمة ذات الصلة بمعيشة وحياة المواطنين الذين أنهكتهم ظروف الحرب والحصار، وكان لها شرف تبديد ظلام عدن وإنارة أحيائها السكنية بعد عودة التيار الكهربائي وإعادة المياه إلى حنفيات المنازل بعد توفير معدات ومولدات الكهرباء والماء والوقود، وغيرها من المتطلبات، كما أرسلت خبراء وفنيين ومعدات لتشغيل مطار عدن الدولي وإعادته إلى أفضل مما كان عليه، وها هو قد بدأ الآن يستأنف رحلاته التجارية، بعد أن كان ساحة معارك كر وفر مع الغزاة وتحول إلى حطام.
ويمكن لمن يزور عدن هذه الأيام، سواء جاء من محيطها القريب أو من الخارج، أن يلمس ويرى بأم العين بشائر الخير أينما اتجه في ظل هذا الزخم المتدفق والحضور القوي والفعال للإمارات. أما نحن الذين نعيش في عدن ولم نغادرها للحظة منذ أيام الحرب والحصار، فنقدر ونثمن ينبوع الخير الإمارتي المتدفق الذي لم ينقطع مدده، ولا نملك إلا أن نقول من أعماق القلب: شكراً إمارات الخير ..
ولعل عبارات الشكر والعرفان بالجميل، هي ما تطغى اليوم على ألسنة وقلوب سكان عدن .. يقولها من القلب كل من يمر بجانب مدرسة أو مستشفى أو مركز صحي، كان الغزاة الحوثيون وقوات المخلوع قد حولوها إلى حطام أو ثكنات عسكرية.. فجاء الأشقاء الأوفياء ليعدوا ترميمها وصيانتها وتجهيزها بأحلى حلة وبكامل التجهيزات من أثاث وغيرها. ناهيك عن تلك الأعمال ذات الصلة بخدمات المواطنين، كالكهرباء والمياه والمستشفيات وإعادة تأهيل مراكز الشرطة وتدريب وإعداد قوات الجيش والأمن..الخ.
لا يتسع المجال لتقديم جرد كامل لكل أوجه الدعم الإماراتي، ويكفي القول إننا نتفاجأ كل يوم بصنيع جديد، يسر القلب، وعلى سبيبل المثال – لا الحصر- تم الاحتفاء مؤخرا وبصورة بهيجة باستكمال المرحلة الأولى من مشروع تأهيل وصيانة المدارس والمؤسسات التعليمية في محافظة عدن التي تشتمل على 123مدرسة في عدد من مديريات عدن، ضمن خطة طموحة استهدفت تأهيل وتجهيز 154 مدرسة، فيما يجري العمل حاليا على قدم وساق لإنجاز تأهيل 31 مدرسة أخرى ضمن المرحلة الثانية. ويأتي ذلك ضمن الجهود المخلصة للإمارات وعنواناها الفاعل، هيئة الهلال الاحمر الاماراتي، لتعزيز خدمات القطاع التعليمي باعتباره أكثر المجالات تأثرا بالعدوان الهمجي، وتم انجاز هذا العمل النبيل في زمن قياسي وفي ظروف معقدة ، لتهيئة الفرصة لطلابنا وطالباتنا بالعودة إلى مقاعد الدارسة التي هجروها بسبب الدمار والخراب الذي لحق بمدارسهم جراء الغزو الهمجي لمليشيات الحوثي والمخلوع. وامتدت ثمار الخير لهيئة الهلال الأحمر الإماراتي إلى حضرموت في التعاقد مع 600 معلم ومعلمة لحل مشكله نقص الكادر التعليمي بمدارس وادي حضرموت وبتمويل من الهيئة، وبالمثل دشنت الهيئة مشروع توزيع 10آلاف حقيبة مدرسية على الطلاب في محافظة المهرة.
كل هذا غيض من فيض من ثمار الدعم والعطاء الإماراتي الذي لا ينقطع مدده، وتتعدد قنواته واتجاهاته، وقد بدأت هذه الثمار تؤتي أكُلُها في كثير من مناطق البلاد وفي مختلف المجالات.. وليس بغريب أن تتواصل مساعدات دولة الإمارات وقيادتها وشعبها المعطاء من عدن المحررة من سطوة الحوثيين وأنصار المخلوع المدعومين من إيران، الذين تركوا أسوأ ذكرى لجائحتهم الهمجية لعدن، عنوانها الدمار والخراب في النفوس والعمران، مقابل الأثر الطيب لدعم الأشقاء الإماراتيين الذين يعملون بصمت وبجهود صادقة ومخلصة لإعمار عدن، ويطفي القول-على سبيل المثال – أنهم انجزوا خلال أشهر قليلة فقط في تأهيل وترميم مدارس عدن ما لم يعمله نظام المخلوع خلال سنيين.
ولا نملك أمام وفاء الأشقاء ممن وقفوا معنا في أصعب اللحظات وقدموا أرواح أبناءهم الشهداء في عدن وفي غيرها من المناطق، إلا أن نبادلهم الوفاء والحب، فالأيادي قروض كما يقول المثل، ولن يقبل شعبنا إلاّ بمقابلة ومكافأة المواقف الأخوية بمثلها.. ونكرر آيات الشكر والعرفان لأبناء زايد بن سلطان آل نهيان، الذين أثبتوا أنهم خير خلف لخير سلف..وأن الإمارات ستظل كما عهدناها ..للخير عنوان..

عدن 29ديسمبر2015م