fbpx
إرهابيون باسم المرأة

كتب / إياد الشعيبي

من خلال عدة منشورات ولفترات مختلفة ، أشدت خلالها بحضور المرأة العربية في محافل مجتمعية مختلفة ، وأخرى دافعت فيها عن حقوقها وانتقدت بعض ظواهر الإرهاب الفكري في عالمنا العربي بشكل عام وفي مجتمعنا الجنوبي بشكل خاص تبدت لي حالة فكرية سائدة لا تزال تنتقص من قدر المرأة بل وتتجاوزها إلى الطعن في شرف وكرامة كل امرأة تبرز بهذا المجتمع أو تتجرأ وتدافع عن حقوقها. وهي الحقوق التي شكلت لنا في الجنوب سابقا إرثا حضاريا أنتج أول وأكبر حركة ريادة للمرأة العربية على مستوى المنطقة وكانت فيها المرأة حاضرة ومساهمة ومشاركة ومنفتحة على المجتمع في كل جوانبه الثقافية والسياسية والفنية والإبداعية حائزة بذلك احترام وتقدير وفخر المجتمع ، وهذه أحد المآخذ الإيجابية لنظام ما قبل 90.

وجدت الفنانة والأديبة والمهندسة والقاضية والقائدة العسكرية والمعلمة والمزارعة بتناسق متكامل جعل المجتمع ذروة من النشاط والتفاعل حتى أنها سبقت بلدان أوروبية عديدة كانت لا تزال تهضم حقوق المرأة حتى التسعينات.

السفهاء المتأسلمون القادمين مع قواة الغزو الشمالي للجنوب ودعاة الفكر المتطرف والتكفير لم يفتئوا إلا أن يشككوا بكل هذه الإنجازات التي جعلت من المرأة الجنوبية عضوا فاعلا في المجتمع ، فبادروا إلى إثارة حالة من الشك وعلامات الاستفهام التي تنتقص من قدر المرأة وتشكك بوجودها حاضرة في المجتمع وتنتقص من أخلاقها وقيمها ، بل وتشكك في كل نوايا الرجال ونظرتهم إليها باعتبارهم مجرد غرائزيين متوحشيين !! مستغلين بذلك إمكانيات وسائل الإعلام ومقدرات الدولة في الجنوب التي سيطروا عليها لينجزوا حالة فكرية متطرفة قادت إلى تحويل المرأة إلى مجرد (عار) لا يجب أن يراه أو يسمع به أو يتفاعل معه بقية هذا المجتمع.

حتى أصبحت ترى المرأة في الشارع مجرد فريسة بنظر الكثير من الذكور لم يغنها عن ذلك أن باتت مغلفة بالعبايات والنقاب من رأسها حتى أصبع قدميها لا يرى منها شيء. أضف إلى ذلك أن المرأة نفسها لم تعد تشعر بأمان أن تمشي يوما ما منفردة في سوق تجاري أو حتى بأحد شوارع حي من أحياء عدن (مثلا) ، بل إلى حد – وهذه قصة اطلعت عليها شخصيا- تخشى أن تتحدث بصوتها في أي محل تجاري وتتعامل بديلا عن ذلك بلغة الإشارات ، لأن أخوها أخبرها بأن “صوتها عورة” ، فضلا عن مئات من قصص التعذيب والإهانة والضرب بل والقتل تحت مبررات مختلفة بحاجة إلى سردها بكتب متتالية.

وأمام هذا الإرهاب الفئوي النفسي والمجتمعي ، فإن وجد ثمة من يستنكر هذا التطرف الفكري والإرهاب النفسي والديني باسم الدين والحشمة وتحت تصريف آيات الله الكريمة “وقرن في بيوتكن” ، فلا بد وأنه يدعو من وجهة نظر هؤلاء الذكوريين إلى التعري والمجون وتفريط القيم وغيرها من منتجات الحالة النفسية من سقوط الأخلاق التي تتولد لديهم عندما يشعرون أنهم عبارة عن قنابل فكرية موقوتة يريدون تحويل المجتمع إلى سجن ، الذكور وحدهم هم من يمارسون فيه الحياة. وما هنّ بنظرهم سوى متاع رخيص مكانه هي تلك الزاوية الأبدية من منازلهم أو فقط ذلك السرير.

أن ينبري أشخاص – أو ما أسميهم أنا مراهقين – بعضهم محسوب على السلفيين وبعضهم داعش وبعضهم لا أصل لهم في الدين ، في فضح ما بمكنون أنفسهم بصورة لا تليق حتى برجل يدعي التدين باستخدام الألفاظ الخارجة عن الذوق العام وبنظرة غرائية بحتة للمرأة وبعيدا عن أدب الحوار والنقاش بالعقل والمنطق ، لهو دليل على مدى الكارثة الفكرية التي تنتظرنا على الأقل داخل الجنوب . ولا يقتصر الأمر فقط على بعض المتدينيين بل يتجاوز ذلك إلى أشخاص هم أبعد فهما وإدراكا لما تعنيه كلمة “امرأة” ، وذلك استشفيته من خلال متابعتي لردود وطرح كثير من الأشخاص في مواقع وصحف وأماكن مختلفة.!!!

لكل النساء في الجنوب أدعو إلى أن ترتفع أصواتكن في مواجهة هذا التعسف الفكري مهما كانت مبرراته ، وأن تكافحن من أجل أن تصبحن رقما فاعلا داخل هذا المجتمع يحضى بكل إمكانيات التفاعل والمشاركة بمختلف جوانب الحياة لا يمكن أن تقمعه فتوى (متطرف) أو سلوك (منحرف) يدعي بذلك (الرجولة)!

والتحية للعديد من الوجوه النسائية الحية داخل مجتمعنا الجنوبي اللاتي تحدين كل العوائق وكسرن كل جدر هذا الإرهاب فمنهن المناضلة والأديبة والإعلامية والسياسية والفنانة والناشطة الحقوقية والموظفة وكذلك المدافعة والشهيدة.

___

إضاءة :

يقول حافظ إبراهيم عن المرأة:

في دورِهِنَّ شُؤونُهُنَّ كَثيرَةٌ

كَشُؤونِ رَبِّ السَيفِ وَالمِزراقِ

كَلّا وَلا أَدعوكُمُ أَن تُسرِفوا

في الحَجبِ وَالتَضييقِ وَالإِرهاقِ

لَيسَت نِساؤُكُمُ حُلىً وَجَواهِراً

خَوفَ الضَياعِ تُصانُ في الأَحقاقِ

لَيسَت نِساؤُكُمُ أَثاثاً يُقتَنى

في الدورِ بَينَ مَخادِعٍ وَطِباقِ

تَتَشَكَّلُ الأَزمانُ في أَدوارِها

دُوَلاً وَهُنَّ عَلى الجُمودِ بَواقي

فَتَوَسَّطوا في الحالَتَينِ وَأَنصِفوا

فَالشَرُّ في التَقييدِ وَالإِطلاقِ

رَبّوا البَناتِ عَلى الفَضيلَةِ

إِنَّها في المَوقِفَينِ لَهُنَّ خَيرُ وَثاقِ