fbpx
نضال نظيف مغرٍ وحضاري دون أي خسائر

دفعنا، عدناً وجنوباً، فواتير فادحة، كلفتنا كل شيء في منعطفات عديدة، وآخرها الفاتورة الممتدة من 26 مارس 2015 حتى اليوم، والبقية تأتي.. هناك ما دمره الغزاة العفاشيون  والحوثيون، ومنها ما دمرناه نحن، ويشمل كل شيء، حتى قيمنا فرطنا فيها كثيرا.

الأمور آخذة في الانهيار، فقرار الحرب بيد الغير، وهذا الغير هو الذي سيطوي صفحات هذا المخطط القذر، وهذا الغير هو الذي سيحدد شكل المنطقة عامة والجنوب خاصة وعدن على وجه أخص الأخص.

لكن الإنسان الأمين مع ربه ونفسه سيقف أمام هذا الواقع وخلفياته البعيدة والقريبة وسيقدم قراءة صادقة وموضوعية لتاريخنا الحديث وكيف سارت الأمور وكيف انتهت، وسيقف أيضا بأمانة أمام ما يحدث عندنا وما حدث عند شعوب صادقة مع نفسها وواعية لقضيتها وحددت أساليب عملها وشاركت كل مكونات المجتمع في الحشد لقضية حق تقرير مصيرها.

ففي مطلع التسعينات من القرن الماضي خرجت أقاليم كانت ملحقة بدول معروفة على الخارطة السياسية للعالم، وأعلنت للرأي العام العالمي أن مجتمعات تلك الأقاليم قررت النضال لأجل حقها في تقرير مصيرها بالانفصال عن تلك الدول.

خرج الشعب في ليتوانيا وانتصر لقضيته في تقرير مصيره وإقامة دولته ومساحتها (65) ألفا و(210) كم مربع، وتعداد سكانها (3) ملايين نسمة، وحققت ناتجا إجماليا قدره (46) مليار دولار عام 2013م.

خرج الشعب في لاتفيا وانتصر لقضيته في حق تقرير المصير وإقامة دولته ومساحتها (64) ألفا و500 كم مربع، وتعدادها مليونا نسمة، وحققت ناتجا إجماليا قدره (31) مليار دولار عام 2013م.

خرج الشعب في استونيا وانتصر لقضيته وحقق تقرير مصيره وإقامة دولته ومساحتها (45) ألفا و200 كم مربع وسكانها مليون و300 ألف نسمة، وحقق ناتجا إجماليا قدره (24) مليارا و400 مليون دولار أمريكي عام 2013م.

خرج الشعب في سلوفينيا وانتصر لقضيته وأقام دولته ومساحتها (20) ألفا و200 كم مربع وتعدادها مليونان و200 ألف نسمة، وحقق ناتجا إجماليا قدره (45) مليارا و280 مليون دولار امريكي.

أكتفي بهذا القدر المحدود، لأن هناك كرواتيا ومقدونيا والبوسنة والهرسك وتشيكيا وسلوفاكيا وغيرها، وأمام مجمل نضالات تلك الشعوب لا تملك إلا أن تنحني لتلك الشعوب الجديرة بالحياة لأنها كانت واضحة مع نفسها ومع النظم التي كانت تخضع ولها ومع العالم، فخاضت نضالها بكل أمانة وشرف وصدق ونوايا طاهرة، أو قل بقلوب طاهرة، ووصلت إلى بر الأمان في فترة قياسية.

تحترم تلك الشعوب أن مترا مربعا واحدا من الأرض لم ينهب، وأن سواحلها ظلت على قوامها، وأن معالمها وآثارها لم تتعرض للنهب، وأن المرافق العامة والخاصة مارست عملها دون أن تتأثر بأعمال خارجة عن القانون، وأن مرافق التعليم ابتداء من الحضانات ورياض الأطفال ومدارس التعليم العام والقانوني ومعاهد ومؤسسات التعليم العالي مارست وظيفتها دون تعثر.

لم تظهر زعامات ومظاهر مسلحة فرضت مصالح خاصة وغيبت مرافق ومؤسسات الدولة، ولم تظهر جماعات مسلحة تختطف مسلمين أو مسيحيين كاثوليك أو أرثوذوكس، ولم تختطف إثنيات في تلك المجتمعات، وإنما تعايشت حتى اليوم، وإذا وقفنا أمام التركيبة السكانية لتلك الأقاليم، التي أصبحت اليوم دولا ارتفعت أعلامها فوق سفاراتها أو مكاتبها في الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو منظمة اليونيسكو أو اليونيسيف، ستجد ان لكل دولة حديثة تركيبتها السكانية، وتتعدد انتماءاتها الدينية.

المنصف لقراءة ما دار هناك وما يدور هنا سيجد أن البون شاسع، ولا مجال لوضع تجربتنا أو تجاربنا السابقة في ميزان المفاضلة مع تجارب تلك المجتمعات.

إذا لم نحترم أنفسنا لن يحترمنا الغير!.