fbpx
يافع نيوز عبدالهادي الخلاقي

مقالات للكاتب

يافــــع .. منح بين طيات الألم

 

الكاتب/ عبدالهادي الخلاقي اليافعي

مما كان متعارف عليه، لا بل مما كان قد روج له إن صح التعبير طوال عقود مضت هو إن أكبر قبيلتين في جنوب الجزيرة العربية هما قبيلتي حاشد وبكيل وسرى هذا التوصيف لهاتين القبيلتين وتجاوزت هذه الشهرة حدود بلاد اليمن لتنتشر في ارجاء الجزيرة العربية وبلاد الشام وخارجها، ولكن هل هاتين القبيلتين أكبر واقوى قبائل اليمن من حيث العدد والعتاد والاموال والنفوذ؟؟

 

تعلمت منذ صغري ان الشدائد تظهر معادن الناس وتبين حقيقتهم وتجلي بواطن صفاتهم فقد تعرف جماعة من الناس لفترات طويلة ومع ذلك لا يظهرون لك من صفاتهم الا جميلها، فإذا مرت الشدائد ظهر قبيح صفاتهم وبانت علاماتهم فكأنما تكشف بعد اختفاء وتعرى بعد غطاء .. والمحن تظهر الصديق الحق وتبين كريم أصله فكم من مدع لفضيلة إذا جاءت الشدائد أسفر عن وجه جبان قبيح، وكم من كريم قليل الحديث عن نفسه كبير بأفعاله تراه في الشدائد أسدا هصورا عظيماً مؤثراً الخير على نفسه وباذلاً للمكرمات حتى لو كان فيها تضييق عليه وتكلف.

 

وفي هذه المنحة التي تمر بها بلاد جنوب الجزيرة العربية تكشفت الحقائق وتجلت الصورة التي طالما كان الناس يرونها بغير حقيقتها لنكتشف ضعف وهوان هاتين القبيلتين لتثبت لنا حفنة من ساكني كهوف مران هذه الحقيقة التي لطالما كانت مغيبة عنا، في المقابل كانت هناك بعض القبائل روج لها بعكس ماهيا عليه في الواقع الفعلي، فقد سعوا لتهميش بعضها وتحجيم دورها الطبيعي، ومن هذه القبائل قبيلة “يــــــافـــــــع” هذه القبيلة التي تمتد بطول البسيطة وعرضها حتى أن بعضهم يُطلق عليها “بالقبيلة التي لا تغيب عنها الشمس” فيافع قبيلة عربية اسلامية عريقة ضاربة في عمق التاريخ العربي وهي امتداد لأرض سرو حمير وهي بلا منازع أكبر قبيلة مترامية الاطراف متماسكة بجميع امتداداتها وتفرعاتها.

 

قبيلة يافع سطرت ملاحم وبطولات تاريخية عظيمة ولها تاريخ حافل بالمواقف الوطنية المشرفة اينما وجدت كانت هي السد المنيع لمن احتمى بها والصدر الحاني لمن التجا اليها .. لم تدخل في حرب إلا وكان النصر حليفها فرجالاتها يعلمون جيداً ما يقدمون عليه بكل ثقة وقوة ورباطة جاش وانتصارات القبيلة إنما هي نتيجة لقناعة حتمية لقرارات سليمة اتخذت إما لدفاع عن الأرض أو العرض أو الدين أو لإغاثة ملهوف ولم يثبت قط أن يافع اعتدت على قبائل أخرى دون وجه حق وهذه إحدى صفات بني يافع الذين يحفظون العهود ويوفون بالمواثيق فكلمة اليافعي “شرفه” ويدفع الغالي والثمين للوفاء بما التزم به حتى وإن كلفه ذلك أغلي ما يملك.

ولكن قبيلة يافع مورس عليها حقب من التهميش والاقصاء منذ عهد الاحتلال البريطاني لجنوب الجزيرة العربية والتي حاول هذا المستعمر جاهداً تهميش دور القبائل حتى لا تصبح قوة تبدد اطماعه الاستعمارية، وبعد خروج المحتل البريطاني مارس النظام الاشتراكي نفس النهج في تهميش دور القبائل ومن ضمنها قبيلة يافع التي كان لها الدور الأكبر في اجلاء الاستعمار البريطاني حتى اجلته بقوة السلاح لدرجة أن النظام كان يضيق الخناق على أبناء قبيلة يافع في حق الانتساب للقبيلة في وثائقهم الرسمية وهذا ما نراه اليوم من عدم تدوين اسم القبيلة في الوثائق الرسمية لدى السواد الاعظم من أبناء يافع، وهكذا استمر تهميش قبيلة يافع حتى جاءت الوحدة اليمنية والتي همشت بدورها جميع مكونات المحافظات الجنوبية ومن ضمنها قبيلة يافع وما اسهم في تهميش يافع خاصة هو تقاسم السلطة في اليمن بين قبيلة حاشد وبكيل والجماعة الزيدية التي ينتمي اليها الرئيس السابق، وهكذا مورست ضد قبيلة يافع اشد أنواع الاقصاءات والتهميش حتى لا يكون لها الريادة خوفاً من تقاسم النفوذ والسلطة في اليمن وحتى خارجها فالقبائل العربية الأخرى تخشى من أن تستحوذ قبيلة يافع على السمعة والمكانة العالية عند الملوك والأمراء والسلاطين بحكم ما يمتاز به أبنائها من صفات حميدة وشجاعة واقدام وكرم ونخوة وذكاء فكان التهميش هو الطريق الامثل لأجلاء يافع عن الدور الذي كان يجب ان تتبواه بين القبائل العربية العريقة.

 

ما يؤلمنا هو إنه عندما بدأت قبيلة يافع تأخذ مكانتها الحقيقة التي تستحقها والتي هي كفئ لها ليس من اليوم وإنما منذ قرون مضت، نجد الكثيرين يستاؤون عندما يذكر بحضورهم اسم قبيلة يافـــــع ويشاد بمأثرها وبطولاتها وشجاعة رجالها وقوة عزيمتهم -والغريب بالأمر ان هؤلاء لم تكن ردة فعلهم سلبية بهذه الطريقة عندما كانت قبائل حاشد وبكيل تنهب أراضيهم وممتلكاتهم وتصادر حريتهم بل وكانت تفرض عليهم الخراج ويؤدونه وهم صاغرين وخانعين!! بينما قبيلة يافع تدافع عن حريتهم وتحرر أراضيهم وتعاملهم بكل إنسانية وسماحة دونما تعالي أو تسلط بعكس ما تفعل باقي القبائل، مع ذلك العداء متأصل في نفوسهم هؤلاء وهذا يذكرني “بتغريدة” للشيخ الدكتور عائض القرني الذي امتدح بها قبيلة يافع بكلمات قليلة نزلت كالصاعقة على كثير ممن يكنون الكرة والضغينة ليافع ولمواقفها المشرفة، ومع ذلك نقول: “لا ترمى إلا الشجرة المثمرة” ويقول المتنبي: إذا أتتك مذمتي من ناقص… فهي الشهادة لي بأني كامل.

ظلت قبيلة يافع الطريق لعقود تحت الظلم والتهميش والاقصاء ولكنها اليوم اهتدت الى الطريق الذي من المفترض أن تكون عليه بقوة وعزيمة وتكاتف رجالاتها من شيوخ وسلاطين ووجهاء وأعيان. رغم المعاناة التي عانتها القبيلة إلا أن الامل سيأتي من بين ثنايا الألم وستظهر المنح من بين طيات المحن ومن رحم الكرب يولد الفرج ولنعيد بناء امجادنا فالفرص لا تتكرر والشاطر من يستغل المنح واليوم ورغم الألم إلا أننا في منحة ومع ذلك فلنحافظ على هذا الاسم العريق ((يافع)) ففي نشوة المجد تكثر العداوات وتزداد الفتن وتكثر المؤامرات، والأهم من ذلك الحرص على تماسك البيت الداخلي ونبذ كل ما من شأنه تفرقة الصف والتغريد خارج السرب والانفراد بالرأي دون الجماعة فهذه أحد أهم أسباب الفشل قال تعالى: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين . ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله، والله بما يعملون محيط”.