fbpx
دعوشة الدماء الطاهرة

هي أطهر الدماء وأشرفها على وجه البسيطة ، وأحلى عرق انسكب على الثرى ؛ هي دماء وعرق المجاهدين ، الذين لم يخذلوا شعوبهم ، ولم يتولوا يوم الزحف، ولم يهربوا مع الهاربين ، ولم يتقاعسوا مع المتقاعسين ، هي دماء وعرق قدمها أصحابها بدون دعوة من أحد ، ولا يطلبون جزاءً ولا شكورا .

عندما تقدموا إلى ساحات الوغى بتكليف إلاهي وأخلاقي نبيل ، فصدوا العدو ، فقابلوا الموت بوجوهٍ ضاحكةٍ مستبشرة بوعد الله ؛ فحموا حياض الدين والوطن ، ونصروا المظلوم والضعيف والعاجز ، وأمَّنوهم من خوفٍ على أموالهم وأهليهم .

فهل يعتقد جاهل أو عاقل “أنَّ من قاتل وضحى لحماية حقوق غيره لا يقاتل على حقوقه”..؟ طبعاً هذا مستحيل . فمن خرج لمواجهة عدوٍ غاز سوف يواجه سفيه وفاسد ولص حقير بين ظهرانيه ، هكذا يستقيم الأمر. ولكن هل ستكون نتيجة مواجهة اللص الفاسد كمواجهة الغازي المعتدي…؟

قطعاً لا

فالأول أجمع الشعب على مواجهته وأعطى للمقاومة صك ضمني يشرعن ضربه بقسوة وطرده خارج البلاد ، بل حتى قتله بأي سلاح كان . بينما الثاني لا يوجد هذا الإجماع … والسبب في ذلك أن خطر الأول واضح وجلي للجميع ، بينما خطر الثاني لا يدركه الجميع رغم حجمه الكبير .

ولنتذكر ماذا حدث في ليبيا بعد النصر…؟

تم تشكيل حكومة ، وتمت الانتخابات ، واستقر الوضع لسلطة حاكمة ، وكانت تجتمع السلطة في أحد الفنادق ؛ فاجتمع الجرحى وذهبوا في مظاهرة إلى مقر الحكومة واعتصموا في مدخل الفندق ، فوعدتهم القيادة بتلبية مطالبهم . . . لكنها لم تفعل شيء .

فعاد الجرحى مرة أخرى…؟ لكنَّهم لم يتمكنوا من الوصول إلى الفندق ، فقد استعدت لهم الحكومة ، ومنعتهم من الوصول إلى الفندق ، وأغلقت في وجههم كل الطرق التي تؤدي إلى الفندق ، بل وضربوهم في بعض الشوارع حتى لا يعودوا .

فكانت المفاجئة ؛ عاد المقاتلون الأصحاء -الذين لم يصابوا- إلى المشهد ، وكانوا قد عادوا إلى أعمالهم السابقة قبل الحرب ، فلملموا زملائهم المعاقين المهانين في شوارع ليبيا ، وقالوا لهم بيننا عهد الدم أيُّها الشرفاء الأطهار ، وسوف نأخذ لكم حقوقكم ، وليغضب الشعب الليبي ، وليقل العالم ما يقول .

 وهنا تغيرت المطالب فكان أولها حقوق الجرحى وثانيها فصل كل موظفي النظام السابق وعلى رأسهم ضباط الجيش والأمن…؟ فلم تلتفت إليهم السلطة ، وقالت “أنتم دواعش” واستخدمت الماكنة الإعلامية لتشويههم ، واستقوت عليهم بدول العالم وخلقت انقسام شعبي ليبي ، جزء كبير يؤيدها والقليل يؤيد المقاومين…؟

فكان للسلطة وللشعب الذي أيدها ما أرادوا …

قال لهم المقاومون تريدوننا “دواعش” سوف نكون لكم الموت بأي إسمٍ كان “داعش ، قاعدة ، أنصار شريعة ، إرهاب ، كلاب ، ذئاب” لايهمنا ، مايهمنا هو تأديبكم ياقليلين الأدب .

وما بدأ في ليبيا بكذبة “أعني دواعش” ، وبدأ ردة فعل غاضبة من المقاومين أصبح حقيقة واقعة فرضتها السلطة وأقرها الشعب الجاهل .

إنَّ دماء الأبطال ليست كأي الدماء ، بل هي لعنة إلاهية على كل من باع وأشترى فيها ، أو خانها ، أو تلاعب فيها ؛ تتحول إلى مطحنة لايهمها أي نوعٍ من الحبوب تطحن . . . ولذلك أقول : على الشعب الاصطفاف خلف جرحى الجنوب اليوم قبل غداً ، حتى تلزم سلطة هادي حل مشاكلهم وتمنعه من جر البلاد إلى مستنقع داعش وأخواتها .

لقد صرخت عن أخطاء السلطة منذ الأسبوع الأول للحرب ، وكنت اتحدث عن الجرحى والخدمات الطبية المعدومة يومياً في قناتي العربية الحدث والعربية  ، وكان صراخي سبب من أسباب منع ظهوري في القنوات الفضائية ، وخلعي من المتحدث باسم المقاومة -عدن واستبدالي بثلاثة نائمين في البيوت…!!

حذرني المسؤولون أكثر من مرة من مغبة الضغط على السلطة والتشهير بعجزها..؟ لكنني عجزت عن الصمت ، لم أكن استطيع الصمت لأني مقاتل في جبهات القتال ، وكل يوم كانت سياراتي تنقل الجرحى والشهداء من الجبهات . . . لكنَّهم عندما منعوا ظهوري أراحوا ضميري . واليوم بعد أن تم النصر وعدت إلى الغربة للبحث عن عمل أجدني اكثر راحة ورضا عن كل مافعلته وقلته .

الحمد لله .