fbpx
جنيف.. طريقٌ موحشٌ للسلام اليمني!

يبدو أن مدينة جنيف أصبحت وجهةً دائمةً يقصدها المتنازعون من كل حدبٍ وصوبٍ طمعاً في الحصول على قبضةٍ من أثر السلام أو حتى قليل من أسرابه، في أسوأ الحالات، سلامٌ كان لحجاجه المتحاربين اليد الطولى في تقويض أركانه ببلدانهم الأصليّة!

لكن هذا الإلحاح الدائم على انتقاء المدينة السويسريّة كمقرٍ أثيرٍ لسلسلة لا تنتهي من مداولات الأطراف المتنازعة قد أحدث انزياح في وعي الناس المنتمين إلى بلدانٍ يكون فيها الصراع أصدق الأنباء من مواثيق وأدبيات أمميّة للسلام عند استدعاء اسم المدينة. فصارت الآن جنيف في تصورات الناس تتلاشى أو تكاد بكونها مدينة فاتنة تحيط بها ـ بحنو ـ جبال الألب الآسرة خالعةً عليها الطبيعة من الجمال أكمله وأبهاه، فضلاً عن كون المدينة مقراً دائماُ للعديد من المنظمات الدوليّة واحتضنت منذ زمنٍ مبكرٍ أهم الاتفاقيات والمعاهدات خصوصاً تلك المتعلقة بفض النزاعات وحقوق الإنسان أثناء الحروب وعمليات بناء السلام، ليُستعاض عنها حالياً بتلك السلسلة الرقميّة من “جنيف 1″ و “جنيف 2″ و “جنيف 3″ ودواليك، ونهاياتها المُنكسِرة، والتي لا تُغيّر واقعاً ولا تصنع فارقاً ولو مجرد حلحلةً زهيدة بعيداً عن شرانق الحروب عدا التغيير الوحيد الحاصل في الأرقام الواقفة ببلاهةٍ مؤثرةٍ كل مرة بجانب اسم المدينة السويسريّة (1، 2، 3، ….).

على كل حال، العيب لا يكمن في المدينة الأوروبيّة الجميلة، كما أن فألها ليس سيئاً إلى هذا القدر، ولكن يبدو أن المتنازعين الذين يَرِدون إليها يستنشقون في كل مرةٍ كمية كبيرة من الهواء العليل، الهواء الذي لا يفعل شيئاً سوى في تعزيزه لنزعات الصراع وتوسيع آفاقها.

في أفق هذا المسار المرتبك على أشد ما يكون، انطلقت يوم الثلاثاء الماضي مفاوضات “جنيف 2″ بين أطراف النزاع اليمني وبإشراف أممي مباشر. وعلى الرغم من أن مسودة “جنيف 2″ المقدمة من قِبل المبعوث الأممي وضعت أهدافاً للمفاوضات تبدو من خلال الواقع وطبيعة قواه الفاعلة في الصراع وتأثيرات الأطراف الإقليميّة كطموحاتٍ بعيدة المنال في المدى المنظور على الأقل: كالتوصل إلى وقفٍ شاملٍ ومستدامٍ لإطلاق النار، وتحسين الأوضاع الإنسانيّة، وإنعاش الاقتصاد، والاتفاق على الاجراءات الأمنيّة، واستعادة سيطرة الحكومة، والتعامل مع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وتنفيذ القرارات الدوليّة ذات الصلة… على الرغم من كل المعوقات الواقعية الكبيرة الملقاة في طريق الطموحات الأممية لفتح أفقاً للسلام في اليمن، ما زال لدى الناس البسطاء الذين تهرس حياتهم وطمأنينتهم مجنزرات الحرب بلا هوادة أملاً ولو بسيطاً في قدرة المجتمع الدولي على ممارسة ضغوط فعّالة على أطراف النزاع لفض قواعد الاشتباك وكسر روح الحرب الطاغية وأبعاد تداعياتها الكارثية عن محيط حياتهم اليوميّة، علاوة على ما يبعثه الخوف من النسيان التام لهذا البلد من قلقٍ كأن يتحوّل إلى مرتعٍ للحروب الأبديّة وموطنٍ للخراب المستدام في ظل أزمات دولية طاحنة تعصف بالعالم من أقصاه إلى أقصاه. ولكن هذا الأمل يكاد ينعدم نهائيّاً بمجرد رؤيّة أعضاء الوفود المتحاورة التي كانت على الدوام جزءاً رئيسيّاٍ وأساسيّاً من صناعة وتعميق مشاكل البلد، حتى صارت الحرب لازمةً ضروريّةً تتكرر بضراوةٍ كل بضع سنواتٍ.

كان يُفترض الالتزام بهدنة لوقف أطلاق النار ولو مؤقتة توازيا مع جلسات مفاوضات “جنيف 2. لكن ذلك لم يحدث في الواقع على الإطلاق، وللأسف الشديد، ففرضت الحرب ودون مبالاة سطوتها، وسارت المليشيات المتمردة على هواها الإجرامي، ليستمر سقوط المدنيين بين قتيلٍ وجريحٍ في اللحظة التي وقف فيها أعضاء الوفود المتحاورة في جنيف لقراءة الفاتحة على أرواح الضحايا، وربما على روح السلام الضال!