fbpx
عبدالكريم الطّحلا..اشعار الغربة والمعاناة

د . علي صالح الخلاقي:
عبدالكريم محمد الطحلا،شيخ وقور، وشخصية اجتماعية ومصلح اجتماعي من أعيان مديرية الحد – يافع..وهو شاعر مقل كما يقول، بل أن صلته بالشعر ارتبطت بشكل خاص خلال سنوات غربته في السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي حين عمل في شبابه لسنوات في المملكة العربية السعودية، وقد جادت قريحته حينها بعدد من القصائد تمحورت في معظمها حول معاناة الاغتراب والبعد عن الأهل والأحباب، فكانت غربته هي التي أثارت هاجسه الشعري وأوقدت أشجان الشوق في قلبه وجعلته يحن بحرارة للوطن والأهل الذين عز عليه فراقهم.
في عام 2008م زرته وأخيه الشاعر علي محمد الطحلا بمعية صديقي د.عبدالرب صالح علي، في قريتهم الجميلة(قريضة) التي تتوسطها الحصون القديمة المتقاربة بنمطها المعماري اليافعي، فيما يحيط بها التوسع العمراني الجديد وبشكل ملحوظ.
كان غرض الزيارة حينها جمع أشعار وزوامل لهما ولغيرهما من الشعراء في إطار جهودي لجمع التراث، وقبيل صدور كتابي (أعلام الشعر الشعبي في يافع)، وقضينا ساعات ممتعة، أنستنا وعثاء السفر وصعوبة الطريق حينها، استمعنا خلالها لعدد من قصائد الشاعر، ودونت بعضها في تلك الأثناء مباشرة..كما استمتعنا ببعض القصائد التاريخية التي دونها ويحتفظ بها محمد القاضي، ومنها قصيدة للشاعر حسين بن عمر محمد بن هرهرة، من أسرة سلاطين آل هرهرة سلاطين يافع العليا وكان يسكن قطنان ” دار امْزهدي” وقتل في عام 1965م. وكذلك بعض قصائد وزوامل للشاعر المعروف الشيخ حسين عبدالله الحبيشي(توفي عام 1987م)، وقد نشرتها في كتابي (أعلام الشعر الشعبي في يافع) الصادر عام 2009م.
أما الشاعر علي محمد الطحلا، شقيق عبدالكريم، فهو شاعر معروف، له أشعار كثيرة، وأتذكر أنني نشرت بعض قصائده الثورية مطلع السبعينات في نشرة (الشباب والطلاب) التي كنا نصدرها في المرحلة الإعدادية، وقد ذكرته بذلك.. ولأنه تفاجأ بزيارتنا حينها، فلم نتمكن أن ندون من قصائده شيئاً لأنه لا يحفظها، لكنه قال أنه يحتفظ بها في أوراق مكتوبة في بيته، ووعدنا بإرسال نسخاً مصورة منها لاحقاً، لكن الانتظار طال، وما زلنا في الانتظار منذ سنوات، وعلمت أنه تعرض مؤخرا لمرض عضال، أدعو الله أن يمّن عليه بالشفاء..
ومن قصائد الغربة والمعاناة للشاعر عبدالكريم الطحلا نختار النماذج التالية:

بُو محسن ابنه ذا الزمان أعيبي
لا بي ولا بي ما حكيت ان بي

صابر ولا حد قال لي ويش بي
وكيف حالك زاعل أو طيِّبي

فارقت زين الخد والحاجبي
وأولاد قلبي ربنا يحجبي

يوم افترقنا يا العيون اسكُبي

صُبِّي دموعش والحذر تذهبي

وله من أبيات بعنوان (عائش وحيد):

بُو محسن ابنه قال عايش وحيد
من فقد أولاده وداره

بيدي رساله ما قبلها البريد
ولا عرفت أين السفاره

هل شي معاهم لي رسائل تفيد
يوم البريد أعلن حصاره

بالله يا طيَّار بدِّل وقيد
بَطْلَعْ معك لَرْضِيْ زياره

ويروي الشاعر أنه أصيب أثناء اغترابه في السعودية بمرض الحساسية فذهب إلى الطبيب فقال له : لا علاج لك إلاَّ بالعودة إلى بلادك. لكنه كان حينها خالي الوفاض وغير مهيأ للسفر، فقال قصيدة معبرة منها هذه الأبيات:

أبو محسن ابنه خاطره يا نحيب
ليال وايام قلبي ما سكن من وقيده

وبعد ذلحين يا دكتور بي لا تعيب
جِبْ لي دواء خاص والاَّ اشرح رساله مفيده

بَطْلَعْ بها حيث با حصِّل علاجي يطيب
مريض تعبان قلبي ما سكن من نهيده

جَوَّب عَلَيْ قال لا لك في بلادك حبيب
ما لك دواء إنْ كان يا عَبدُه محمد على ايْدَهْ

ومسك الختام أختتم بهذه الأبيات الجميلة التي بث فيها لواعج حبه للوطن الأم، وهي بعنوان (بلادي وإن جارت):

أبُو محسن الغربه تعب ما يباها
أَبَا بلادي ولا جارت علَيْ نَا فداها

كل ليله تمناها وروحي معاها
مَقْدِرْ أنسى الحبيب اللي سكن في رباها

ذاب قلبي لمؤاها وراحة هواها
حَبّ لي عِيْشْ فيها طيَّب الله ثراها

وأنت يا رب ترعاها بدَحنِةْ قواها
يحرسوها من العدوان لا حد يلاها

أرضي أُمِّي ولا بدِّل في أمِّي سواها
أُمّي الريف ماغلاها ومَحلا عطاها

زانها الله واكساها شجرها وماها
وأنت يا رب ترعاها بدَحنِة قواها