fbpx
صِبَا آل عفيف.. ورحلة عام مع فَنَّها اللطيف

بقلم/ د.علي صالح الخلاقي
صِبَا آل عفيف.. جنوبية الهوى والهوية..مقيمة في (جدّة).. الأصل من يافع من بلاد يحيى عمر، وأميرة تنتمي إلى سلالة سلاطين آل (عفيف)، فهي سليلة الأميرة الشهيرة البطلة نور بنت العفيف التي امتطت فرسها واستلت سيفها وقاتلت جيوش الدولة القاسمية الزيدية مطلع القرن الحادي عشر الهجري (سنة 1101هـ).. وها هي حفيدتها (صِبَا) سليلة المجد والسؤدد تمتشق ريشتها، وهي من أهم أسلحة عصرنا، وتصوبها نحو نحور الغزاة الجدد من أحفاد الأئمة وورثتهم، ومنذ اشتداد الثورة الجنوبية ضد المخلوع وسهام ريشتها تعصف بالغزاة والطغاة، وتخلد الشهداء الذين سطروا أنشودة النصر.
عرفنا (صِبَا) من اسمها ورسمها وإبداع ريشتها وقلمها، قبل عام بالوفاء والتمام، منذ أن أطلت علينا بوجهها الصبوح وقد رسمت على كفها ألوان الوطن الذي تحمله في قلبها وكرست له ريشتها وقلمها بإبداعات تنساب كنسيم الصَّبا، الذي لاسمها منه نصيب، فدخَلت قلوبنا وعقولنا من باب الفن، دون استئذان، ونالت اعجابنا عن جدارة واستحقاق. وما برحت تقتحم عالم الفن الجميل واثقة الخُطى (تمشي مَلكاً)، تحمل لنا أفكارها ورؤاها ومواقفها، تصبها صَبَّاً في لوحات بديعة، آسرة، ناطقة، وفي خواطر وتعليقات وجيزة مما قل ودل، فتفرض علينا الانجذاب لها وانتظار لحظات ظهورها بفارغ صبر.
(صِبَا) صاحبة رسالة آلت على نفسها إلا أن تؤديها بعيداً عن الحسابات السياسية والمنطلقات الضيقة..فقد ارتبط حضورها الفني، في معظمه، بمناصرة قضية شعبنا وثورته السلمية ثم مقاومة عدوان الغزاة الحوثيين وقوات المخلوع صالح، وأسهمت وتسهم من موقعها، بريشتها الفنية وقلمها الملتزم، بتكريس الكثير من لوحاتها لوجوه وشخصيات نعرفها وتستأثر باهتمامنا، جُلّها من الشهداء الأبطال مثل: الصمدي..خالد الجنيدي..الدكتور زين محسن.. بن حبريش..جعفر محمد سعد..نبيل الخالدي.. أحمد القطيش..الطيار ناجي البعالي.. حسين هرهرة.. وعشرات غيرهم من الشهداء، وكذلك القادة الميامين الذين برزت اسماؤهم في حومة المعارك البطولية، أمثال: القائد عيدروس الزبيدي، محافظ عدن الحالي، وقد اعترفت حينها بصعوبة الحصول على صورة له لترسمها، ولم تجد سوى صورة نادرة وغير مقصودة، فعلقت قائلة:” فرق كبير بين أصحاب العروض والمنصات والشهرة، وبين رجال المعارك والبطولات.. صدق من قال: الرجال بأفعالهم”. وممن أطلت علينا وجوههم في لوحاتها خلال معارك المواجهات الميدانية وزير الدفاع الأسير محمود الصبيحي، ومثنى جواس، وصالح بن فريد..وغيرهم من الشخصيات العامة ذات الحضور الوطني أو الإعلامي أو الأدبي أو الفني.
ولأن إنسانيتها وفنها لا حدود لهما.. فقد شملت بعنايتها أيضا وجوهاً أثيرة عربية وعالمية ممن لهم بصمات في مجرى التاريخ، منهم: زعماء ..رؤساء..ملوك..كتاب.. مبدعين..فنانين..حقوقيين..الخ. ونلمس في أعمالها مشاعرها وتعاطفها مع من يلحق بهم ضيم، أو تنتهك إنسانيتهم.. أو يسجنون…أو يتخذون دروعاً بشرية في المعارك.. وقد تجمع النقيضين أو المتناقضات في أعمالها، حيث نرى الثوار والطغاة والجلاد والضحية، لكنها أبدعت في تقديم كل منهم بصورة تنم عن موقفها منهم، وهو ما جسدته بوضوح في الملامح التعبيرية التي تخفيها قسمات وجوههم، فننبهر أمام روعة ما تقدمه من فن ناطق ومعبر.
برزت موهبة صبا وتفوقت في وقت قياسي، لم يتعدَّ العام، وحققت خلاله نجاحا لم يكن بالحسبان، ولم تحلم به قط، لأنها لم تحترف هذا الفن باعترافها، بل مارسته كهواية في وقت فراغها، لانشغالها بتخصصها الرئيسي في الحقوق، ومع ذلك سرعان ما ترسخت خطواتها في رحاب هذا الفن وأبدت مقدرة فائقة في الإمساك بتلابيبه والإلمام بقواعده والبعد عن التداعيات الفنية التي لا ضرورة لها، فاقتصرت ريشتها على رسم الوجوه، التي تختارها بعناية وترسمها بلون واحد فقط، تتكثف من خلاله قوة اللون، وكأنه ألوان مجتمعة، وخلال هذا العمر القصير، الزاخر بالإبداع المتواصل، تبلورت تجربتها الفنية المميزة، التي تطبع لوحاتها بطابع فني خاص بها، حتى أن من يرى إبداع ريشتها من الوهلة الأولى يقول مباشرة:”هذه لوحة صبا”.
ترددت في الكتابة عن صبا، لأن شهادتي مجروحة فيها، خاصة بعد أن شملتني ضمن محيط ابداعها الفني، وحظي وجهي بلوحة اعتز بها وبتوقيع صاحبتها..لكن سيل ابداعها الذي لم يتوقف، دفعني لقول كلمة انصاف في حقها وفي فنها وفي انسانيتها وثقافتها.. فهي أنموذج للفنان المثقف الإنسان.. وهذا أقل ما توصف به من قبل أي متابع منصف، كالعبد لله، ولا أخالني مبالغاً في ذلك، بل وأزعم أن كثيرين يشاطرونني ذلك، وهذا ما ألمسه من تعليقات متابعيها ومتذوقي فنها وإبداعها الذين لا يبخلون بكلمات الإطراء والإعجاب، ونأمل أن نرى إبداعاتها الفنية في معرض خاص في العاصمة عدن قريباً، وأن تحظى بتكريم يليق بها وبفنها الملتزم.
وكمسك ختام لا أجد أفضل مما كتبه عنها صديقي الأديب الأريب جمال السيد:” هذه الصَّبا ريحٌ يافعية تهب بالفرح. تتسكَّب صبا رومانسية ورقة ومحبة ونور. من القارة ومن الحصن ديار أهل عبدالكريم وديار غالب تطلع بنت عفيف نوراً ولونْ.. تطل الصبا كلمة ولوحة وموقفاً.. تقبِل العفيفية عفيفة، يافعية خالصة.. في بورتيريهات بنتنا جمال، وفي خواطرها وخطراتها، بالعربية وبالإنكليزية، تمكن ودلال”.
تحية لأميرتنا “صِبَا” .. ونظل نرنُو إلى إبداعها الجميل صَبَابةً..