fbpx
عدن .. فرس الرهان

علي صالح الخلاقي:

عدن.. هي قلب الجنوب النابض، إذا تألمت تألم لها سائر الجسد الجنوبي من أقصى المهرة إلى باب المندب.. وإذا انتعشت انتعش الجسد بكامله وشعَّ نضارة وحيوية وبهاءً.. هذا قدر عدن والجنوب بالماضي والحاضر والمستقبل.
وعدن هي فرس الرهان، في معركتنا مع جحافل العدوان، الذين جاؤا من جحور سنحان وكهوف مران.. وعند الرِّهان تعرف السَّوابقُ، كما يقول المثل العربي، ويُضرب في إثبات صدق القول بالعمل. والرهان: السباق، وفرس الرهان هي التي يراهن على سباقها بمال أو غيره يستحقه من يراهن عليها.
لقد راهن الرئيس المخلوع على خراب ودمار عدن، ووعد بتحويلها إلى قرية..بل وعمل على مدى أكثر من عقدين على تحقيق غايته الدنيئة، وفقدت عدن بسمتها ومكانتها العالمية وتحولت إلى مدينة هامشية مهملة، تسرح وتمرح فيها رموز الفساد وتمعن مخالبها في نهش جسدها واستلاب أراضيها وطمس هويتها ومدنيتها. كما راهن على إدامة احتلال عدن وعدم التفريط بها، ولذلك أحاطها منذ وقت مبكر بطوق عسكري ضارب من أعتى تشكيلات قواته وألويته ، لإدراكه أن الجنوب بكاملها ستنقاد له من عدن، لكن راهنه باء بالفشل الذريع، بعد أن انكسرت شوكته ورحل صاغرا من الجنوب التي قاومته عن بكرة أبيها وكانت عصية عليه من أقصاها إلى أقصاها..

لقد تحررت عدن وتنفست الصعداء، وها هي تعود مجدداً إلى يد ابنائها حرةً أبية شامخة شموخ شمسان وصيرة ، ويراهن كل الجنوبيين على فرس رهانهم (عدن) كثيراً.. بالفوز في معركة استعادة عافيتها ومكانتها تحت الشمس.. كي تعود إلى سابق مجدها كمركز اشعاع حضاري وميناء عالمي يزدهر به الاقتصاد وتنتعش الحياة، فقدر عدن وموقعها الاستراتيجي الذي حباها الله به يجعل منها كما كانت عبر العصور مدينة عالمية (كوزموبوليتية) تلتقي فيها جميع الأعراق والأجناس ، وأفواج السواح ، ورجال المال والأعمال..تنعم بالأمن والسلام..وترفل بالرخاء والإزدهار.
عدن التي جعل منها المستعمر البريطاني من أهم موانئ العالم، وأجمل مدن الجزيرة العربية..حولها المدمّر (اليمني) إلى مدينة هامشية، أشبه بقرية نائية.. بل أمعن في تدمير معالمها ونهب أراضيها.. وجعلها مغنماً يعوض بمساحاتها العامة وأراضيها البيضاء اتباعه وأزلامه وكأنها ملك يمنيه ورثها عن أسلافه.
اليوم عدن تتعافى..تنهض من كبوتها وتترفع على آلامها…
كلنا هللنا فرحا لتسنم عيدروس الزبيدي منصب المحافظ وشلال شائع مدير الأمن، لكن لا ينبغي أن تنتهي مهمتنا بالتهليل والترحيب، بل بالوقوف صفاً واحداً في معركة البناء والتعمير وإدارة شئون وطننا وعاصمته عدن..
علينا أن نستنهض الهمم للعمل بإخلاص كل في موقعه ووظيفته، وأن نتيقظ لكل من يحاول العبث بأمن عدن أو تعكير صفو الحياة العامة فيها فوطن لا نستطيع حمايته لا نستحقه.. وجميعنا معنيون بذلك، وبمدى نجاحاتنا المؤملة والمرجوة نستطيع أن نفشل مراهنات المخلوع والحوثيين ممن لا يريدون الخير لعدن خاصة والجنوب ولا يرغبون لنا النجاح، بل ويعملون بكل السبل والوسائل كي لا نجني ثمار نصرنا.. وعلينا إثبات العكس، وتخييب ظنونهم وإفشال رهانهم الخاسر، وهنا مربط الفرس ..
على كل جنوبي اليوم مسئولية كبيرة في صنع حاضر ومستقبل الجنوب الذي ننشده، بدءا بإعادة مؤسسات الدولة وتفعيلها ومحاربة الظواهر السلبية التي عانينا من وطأتها طوال العقدين الماضيين، كالمظاهر المسلحة، وروح اللامبالاة والنهب والبسط على الممتلكات العامة والخاصة والتسيب الإداري وشيوع الفساد الإداري والمالي، وتحويل الوظيفة العامة من واجب ومسئولية إلى مغنم ومكسب.
نجاح عدن ..هو نجاح لكل الجنوب ..فعدن مبتدانا ومنتهانا..وعدن هي النموذج .. والمثال.. والأمل الذي ننشده للجنوب الجديد..
إنها فرس رهاننا القوي… ولن يخيب الرِّهان.. خاصة وقد امتطى على صهوة الفرس صناديد فرسان، ممن أجادوا النزال والطعان في وقدة جمرة الحر وحومة الميدان، ونعلق عليهم ومعهم كل الشرفاء والمخلصين الآمال في معركة البناء والإعمار واستعادة النظام والقانون.
ويصح فيهم قول الشاعر:
سما لي فُرسانٌ كأنَّ وجوههم … مصابيح تبدو في الظلام زواهر
عدن – 10 ديسمبر2015م