fbpx
أشقياء الفرصة السانحة في اليمن

الرهان على الحل السياسي في اليمن ما زال مطروحاً على نطاق واسع، وما زالت الأمم المتحدة عبر جهاز الأمانة العامة تراهن على إمكانات التوصل إلى حل ما، غير أن هذا الرهان سرعان ما يتبخَّر قياساً بالفشل الذريع لجهود الوساطة الحميدة والمرهقة للمندوب السابق جمال بن عمر، وكامل المحاولات المتعثرة للمندوب الجديد ولد الشيخ، وتصبح هذه المسألة مناط شك كبير إذا ما رأينا مآل القرار الأممي الناجز والمجير على البند السابع، مما يكشف نمط العلاقة بين جهاز الأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

فالمعروف أن جهاز الأمين العام لا يتخطَّى عتبة البحث عن التصالح التوافقي بين أطراف النزاع، ولا يمتلك أي قوة جبرية قاهرة تلزم الرافض للتسوية، وبالمقابل يتمتَّع مجلس الأمن الدولي بهذه القوة القانونية الجبرية، كما رأينا في حالات يوغسلافيا السابقة، وليبيا قبل حين.
غير أن التفويض باستخدام القوة من قبل مجلس الأمن يقف عند حد الدول الكبرى المالكة لحق الفيتو، فالعتبة التالية للتنفيذ تتمثل في الرغبة والإرادة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن المجيَّرة على البند السابع. يكفي أن تمتنع الولايات المتحدة عن تنفيذ القرار ميدانياً، فتلتحق بها بريطانيا وفرنسا.. أما بالنسبة لروسيا والصين، فلم يُعرف عنهما المبادأة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن المُجيَّرة على البند السابع والذي لا يستثني استخدام القوة القاهرة عند الضرورة.
ومن هنا نجد ذلك الانسداد الإجرائي في تحقيق تقدم ملموس على خط التسوية السياسية التي يحرص عليها بان كي مون وموظفوه الميدانيون في الشأن اليمني، ويضاف إلى هذه الحقيقة ما عُرف من تصرفات مراوغة لتحالف صالح والحوثيين، وهي تصرفات لا تفارق من حيث الجوهر ديدن صالح المعروف، فعلى مدى عقود خرائبه لم يحدث أن كان يوماً وفياً لما ارتضاه علناً، ووقع عليه أمام رؤوس الأشهاد. ولعل تراجيديا الوحدة اليمنية الطوعية في 22 مايو لعام ١٩٩٠م خير شاهد على ذلك، فقد سارع صالح ومنظومته الصغيرة إلى خربشة وتشويه المعاني الكبيرة التي حدت باليمانيين إلى التسارع في تحقيق المنجز.

لقد باشر الروحية الناظرة للمستقبل.. المُتخلِّية عن جراحات الماضي الشطرية.. باشرها بالاغتيالات، مُحوّلاً صنعاء إلى ميدان رماية ضد كوادر وأنصار الحزب الاشتراكي، بل كامل الرموز الوطنية العاقلة، وبهذا المعنى تمكَّن من تحويل العاصمة إلى حلبة مصارعة دموية، بدلاً من أن تكون حاضناً لروافع القيم والمعاني الصادرة عن تحقيق الحلم الكبير.
تلك المحطة المبكرة من السلوك المُخاتل كشفت تركيبة صالح ومن ينساقون معه من أشقياء الفرصة السانحة، وهكذا تمكَّن الشر المستطير من تدوير بذور الشقاق والفوضى.. وتابع مسيرة الظفر المافيوي القاتل، ليتوِّج تراجيديا الدماء والدموع بحروبه الستة الظالمة في صعدة، وقبلها حرب الانتهاك لمقدرات الدولة الجنوبية الرشيدة السابقة لوحدة مايو المخطوفة من معانيها، وصولاً إلى جمعة الكرامة التي سالت فيها دماء عشرات الشباب المتظاهر سلمياً.

وقع الحوثيون في براثن صالح، وانساقوا وراء خرائبه.. فاقدين بذلك تلك المَظْلمة الحقيقية التي طالما نالت تعاطف الرائين العارفين بأحابيل نظام صالح، وفاضت التداعيات بحوثيي الظفر الواهم، ليكونوا مُحاصرين في أضيق ذاكرة مناطقية رعوية، وأن يباشروا المتاجرة الأيديولوجية الدينية الرخيصة بدماء الشباب، وأن تنبجس من تضاعيف جنونهم المجنون تلك الميتافيزيقا السوداء.. حاملة صكوك غفرانها القروسطية، ووعود إمامها القابع في كهوف توهانه الديماغوجي.
واليوم وبعد كل النزيف والألم ها هو التحالف «الحوثصالحي» القاصر يباشر مصادرة منهجية لكل الأحلام الألفية الفاضلة، ويتابع تاجر الحروب الميداني الأشهر مسيرة الاغتيالات السياسية الغادرة التي بدأت منذ الاغتيال الأول للشهيد الكبير، والرئيس المثابر على الإصلاح والفلاح إبراهيم الحمدي.. وبعد أن اعتلى «مهرب الممنوعات» سدة الرئاسة في غفلة من تاريخ الذاكرة والمعاني باشر ساعده الأيمن في الأمن الوطني باغتيال مُعلن في رابعة من نهار، وواصل ذات المسيرة الإجرامية باغتيالات صانعي الوحدة وروادها الناظرين للمستقبل، وتحالف مع عناصر القاعدة ليستخدمهم كرأس حربة في حرب الاستباحة المعلنة ضد الجنوب في عام 1994م، وبعد توقيعه الكاذب على المبادرة الخليجية باشرت فرق الاغتيال التابعة له قتل مئات الكوادر العسكرية والمدنية الشريفة، كما سلّم محافظة أبين لجيوبه المكشوفة في القاعدة، وها هو اليوم يواصل ذات السلوك، باستعادة سيناريو الاغتيالات في عدن وفي توقيت محسوب وفق روافع الجريمة والإجرام.
هل يمكن بعد كل هذا أن يكون هناك أدنى شك في الفشل المتوقع للحل السياسي الافتراضي طالما ظل نفر من المؤتمريين والحوثيين رهينة لجرائم صالح وديماغوجيا الحوثي؟

omaraziz105@gmail.com

الخليج