fbpx
من طرائف الاحتفاء بذكرى 30 نوفمبر

د عيدروس نصر ناصر

رافق الاحتفاء بالذكرى الثامنة والأربعين للثلاثين من نوفمبر هذا العام ككل عام، وكما هو الحال مع الكثير من المناسبات الوطنية الجنوبية، سيلٌ من المقالات والبرامج الإذاعية والتلفيزيونية والفعاليات الاحتفالية والمهرجانية التي لم تخلُ من الخطابات والبيانات والتعليقات، . . . لكن كل هذه المظاهر الاحتفائية والشعائر الاحتفالية كانت عبارة عن مجموعة من الشعارات والخطابات العمومية التي لم تقل شيئا عن طبيعة المناسبة ومن الذي انتصر فيها على من ولا لماذا انتصر, ولا ما هي مظاهر الانتصار ولا لمصلحة من جاء هذا الانتصار أو تلك الانتصارات!!

  • لم يرد ولو لمرة واحدة ذكر استقلال الجنوب، أو جنوب اليمن، أو حتى الشطر الجنوبي، وبالتالي لم يقل أحد من كل الكتاب وكل المحتفلين وكل الخطباء والمتحدثين وكل المذيعين (الذين استمعت إليهم والذين قرأت لهم على الأقل) إنه في مثل هذا اليوم ولد كيان وطني جديد كان اسمه في حينها جمهورية اليمن الجنوبية (صار فيما بعد الديمقراطية) الشعبية بغض النظر عن موقفنا من هذه  التسمية، التي هي حقيقة ثابتة في التاريخ اليمني والجنوبي لا يمكن شطبها أو إلغاؤها؛

  • لم يرد ولو لمرة واحدة ذكر من هم الثوار الذين خاضوا الثورة ولا عدد سنوات النضال المسلح الذي خيض من أجل الاستقلال، فلم يتجرأ احد على ذكر تنظيم الجبهة القومية، أو جبهة التحرير أو التنظيم الشعبي أو النقابات العمالية أو حتى الأحزاب والتنظيمات الجنوبية التي كانت تشارك في مواجهة الاستعمار بالوسائل السلمية، مثل اتحاد الشعب الديمقراطيي أو حزب البعث العربي الاشتراكي (الطليعة الشعبية لاحقا) أو رابطة أبناء الجنوب، أو الجبهة الوطنية المتحدة  وغيرها من التنظيمات السياسية المسلحة وغير المسلحة، التي شاركت بهذا القدر أو ذاك في مواجهة الاستعمار وعندي يقين أن جزءا ممن شاركوا في الاحتفاء (كتابةً أو خطابةً أو اتصالا هاتفياً) لا يعلم شيئا عن تلك المسميات، نظرا للتجهيل المتعمد الذي مورس من أجل تغييب هذه المسميات، مثلما عندي يقين أن الذين يعلمون الكثير عن تلك المسميات المثبتة في كتب التاريخ  يتحاشون الإشارة إليها، إما خوفا من الإرهاب الفكري الذي يمارس من أطراف شتى ضد كل إشارة إلى تلك الحقائق التاريخية، وإما مشاركة في سياسة التجهيل وطمر الحقائق التاريخية وتغييبها عن ذاكرة الأجيال، لكنهم يتحدثون عن الشعب اليمني الذي خاض الثورة وطرد المحتل، واستكثروا أن يقولوا حتى الشعب الجنوبي، وطلائعه الوطنية، وأستثني من كل هذا مقالة أو مقالتين، وبيانا أو بيانين أشارا إلى بعض تلك المسميات على عجل واستحياء؛

  • لم يقل أحد شيئا عن المنجزات الوطنية التي حققت للجنوب ومواطنية بفضل هذا الاستقلال ولا ما هي المصالح التي حققها المواطنون الفقراء (بغض النظر عن تواضعها أو حجمها) بدءً بوحدة الجنوب وتحويله من 23 دويلة وإمارة وكيان قبلي ومناطقي متناثرة ومتنافرة إلى جمهورية جديدة واحدة وموحدة، مرورا بتحقيق التعليم المجاني والتطبيب المجاني وتحريم الفساد وإقامة القضاء العادل وإرساء دولة القانون وتحريم التمييز بين المواطنين، وتجريم العبودية والاستغلال و و و. . .إلخ؛

  • حتى الرئيس عبد ربه منصور هادي: ابن عدن والذي كما أعلم كان ضابطا في الجيش البريطاني يوم الاستقلال وميلاد الجمهورية الجنوبية الجديدة، تحاشى الإشارة في خطابه إلى من الذي صنع الاستقلال وما هو الكيان السياسي الذي رافق يوم الاستقلال، ولم يشر ولو بعبارة واحدة إلى معاني وأبعاد هذا الاستقلال وانعكاساته على حياة المواطنين الجنوبيين، واكتفى بالإشارة إلى “نضالات شعبنا اليمني، عدن الحرية والاستقلال والتنوير والمدنية، رحيل آخر جندي بريطاني من على أرض جنوبنا الحبيب، والحكم الجمهوري جنوبا وشمالا. . .إلخ؛

  • من أطرف ما استمعت إليه على التلفيزيون الرسمي أحد المسؤولين الكبار وهو يتحدث إلى المذيعة عبر برنامج تلفيزيوني قال فيه إن 30 نوفمبر هو عيد استقلال الجمهورية اليمنية، وهذا ليس جهلا بالحقائق التاريخية، بل هروبا من الإشارة إلى أن هناك جمهورية أخرى ودولة أخرى ولدت في ذلك اليوم جرى وأدها والقضاء عليها بقوة السلاح، ومما قاله أيضا أن “شعبنا سيواجه الانقلابيين والانفصاليين”، وكان يتحدث من تعز الواقعة تحت القصف والحصار والتي جاء من أسماهم بالانفصاليين ليساهموا في  تحريرها من قبضة الانقلابيين والمليشيات الوحدوية التي تشاركهم هذه الجريمة، . . . ومن الصدف أنه ومن على التلفيزيون البريطاني   BBC  كان المذيع يتحدث إلى أحد السياسسيين البريطانيين عن اليوم الوطني لسكوتلندا التي هي أحد الأقاليم المكونة للمملكة المتحدة البريطانية، ولم يقل المذيع: ما كان يسمى بـ(سكتلندا) أو (سكتلندا سابقا)، لأنه كان واثقا أن سكتلندا لم يتم ابتلاعها اغتصابا ولا استيلاءً بل ما يزال أبناؤها يتمتعون بحقوقهم المتميزة كاملة بما في ذلك حقهم في الاستفتاء على الانفصال عن المملكة المتحدة دون أن يشكك أحد بهويتهم أو يتهمهم بالخيانة أو العمالة للخارج أو . . أو . . .إلخ؛

طرائف الاحتفال بذكرى الثلاثين من نوفمبر كثيرة لكنني أشير إلى أهمها وهي تتجلى في كل المناسبات الوطنية الجنوبية التي يجري الحديث عنها بعيدا عن الإشارة إلى صناعها الحقيقيين لأن هؤلاء (الصناع الحقيقيين) مدانون من قبل الكثير من الأطراف المتطرفة في التفكير والخصام السياسي إما لأنهم وحدوا الجنوب وإما لأنهم صبغوا الجنوب بالصبغة اليمنية، وإما لأنهم صنعوا جنوبا متميزا عن جواره اليمني والعربي وربما لأنهم طردوا الاستعمار الذي تعالت منذ سنوات نبرة التباكي عليه وتصوير مقارعته وكأنها كانت جريمة تاريخية تجب معاقبة صانعيها.. . . ولم يخطئ القدماء عندما قالوا “شر البلية ما يضحك”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*   من صفحة الكاتب على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك