fbpx
أولويات مُلحَّة قبل الاستقلال

د.علي صالح الخلاقي:
الاستقلال بات قابَ قوسَين أو أَدْنَى، بل يكاد بين أيدينا، ينادينا لاحتضانه وانضاج وإكمال شروط ولادته الطبيعية، بعيدا عن التهور والتسرُّع والاندفاع العاطفي، أو العملية القَيْصريَّة التي يلجأ إليها الطبيب مضطراً لإخراج الجنين من الرّحم عند استحالة الولادة الطبيعيّة، وقد يموت الجنين أو تموت الأم، أو قد يتألم كليهما، ولا يمكن لشعبنا أن يتخلى عن هدفه الذي قدم من أجله قوافل الشهداء والجرحى.
والأولويات الجنوبية الملحة الآن أوجزها، حسب وجهة نظري، في الأمور التالية:
1- نعم تحرَّر الجنوب من الغزاة المحتلين من الحوثيين وقوات المخلوع، وبقيت بعض الجيوب ولابد من استكمال تحريرها، ولكن هذا لا يعني إعلان بيان الاستقلال من طرف وحيد، كما ينادي بعض المتسرعين، قبل استيفاء شروطه واكتمال أشهر الحمل على الأرض..وهو ما ينبغي أن نعمل من أجله بخطوات مدروسة وموثوقة لتكون الولادة طبيعية..دون الاستغناء عن رعاية ومساعدة الطبيب المتمثل هنا بالأشقاء ممن لم يتخلوا عنا في أحلك واصعب المواقف وهبوا لنجدتنا بالمال والسلاح والدماء لتحرير بلادنا من غزو المعتدين، ولا غنى لنا عنهم في الحاضر والمستقبل، مثلما لا غنى لهم عنا أيضا، وعلينا أن نكون عوناً لهم في استكمال معركة مواجهة هيمنة الحوثيين وقوات المخلوع فيما تبقى من محافظات الجنوب وفي كل المحافظات الشمالية، حتى القضاء النهائي على هذا الوباء السرطاني الذي كاد أن يفتك بنا ويتهددنا جميعا في جزيرة العرب بكاملها، ومن مصلحتنا جميعاً استئصال شأفته لتجنب شرره، وما يمثله من أجندة خارجية تهدد مستقبل المنطقة برمتها، ولا بد أن نبادل الأشقاء الوفاء بالوفاء، دون التراجع عن هدفنا في الاستقلال، الذي يتفهمونه ويجب أن نعض عليه بنواجذنا، وأن نبدأ بتحقق مقوماته الفعلية وترسيخها على الأرض التي أصبحنا أسيادها الحقيقيين.
2- ضرورة عقد لقاء يظم القيادات الجنوبية، مقاومة وقيادات وطنية، على وجه السرعة، تنبثق عنه هيئة وطنية جنوبية، بغض النظر عن الاسم، تكون محل إجماع قوى الثورة والمقاومة الجنوبية ويؤول إليها قيادة دفة الأمور وتوحيد الجهود والطاقات الجنوبية، ومخاطبة الأشقاء والأصدقاء والعالم كلسان حال لشعبنا، وهو أمر كثر الحديث عنه وعن ضرورته الملحة، وبُذلت وما تزال الجهود من قبل الكثيرين لإنجاحه وبقي التنفيذ، والظروف مهيأة لذلك كما لم يكُن من قبل، وأي تأخير ليس من مصلحة شعبنا وقواه الحية، وإذا لم نقتص الفرصة المواتية فقد تضيع من أيدينا، ويستغلها غيرنا.
3- العمل مع سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي، المعترف بها دولياً والمدعومة والمسنودة بقوات التحالف العربي، لبناء المؤسسات العسكرية والمدنية الجنوبية التي قضى عليها المخلوع أو أبعدها قسرياً، وتبرز هنا أهمية الإسراع باستيعاب المقاومة الجنوبية الفوري في مؤسستي الجيش والأمن وإعدادها وتدريبها وتسليمها مهمة حماية الأمن والنظام في عدن وبقية المحافظات الجنوبية المحررة، بالتوافق أيضاً مع استيعاب أفراد المقاومة من خريجي الجامعات والمعاهد في بقية المؤسسات والمرافق المدنية حسب تخصصاتهم العلمية والفنية، خاصة إذا ما علمنا أنهم قد حُرموا من فرص العمل في عهد المخلوع، فضلاً عن عودة من تقاعدوا أو أبعدوا قسرا من قبل نظام الاحتلال، وإحلال الكفاءات والكوادر النزيهة محل رموز عفاش على رأس مؤسسات الدولة في المحافظات الجنوبية المحررة، وفي مؤسسات الدولة المركزية في العاصمة عدن لقناعتنا أنها ستقدم الأفضل، بدلا من تلك الرموز المشدودة إلى ماضيها الفاسد ،كما بينت الأشهر الماضية.
4- إن عدن العاصمة، ينبغي أن تقدم النموذج الأفضل بعد تحريرها في كل مجالات الحياة، وقبل كل شيء في القدرة على حفظ واستتباب الأمن والنظام والتخلص من ظاهرة انتشار السلاح والانفلات الأمني واطلاق الرصاص العشوائي وتعدد أطراف المقاومة، وإعادة تفعيل مرافق ومؤسسات الدولة بشكل طبيعي، والاهتمام بأسر الشهداء والجرحى وتأهيل المساكن والمرافق المتضررة والمدمرة جراء الحرب الهمجية، في ظل الاستفادة القصوى من الدعم المشكور الذي يقدمه الأشقاء، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهذا ينطبق على بقية المحافظات التي أصبحت السلطة فيها بيد أبنائها، ويجب علينا أن نثبت جدارتنا في إدارة شئون مناطقنا المحررة بكفاءة واقتدار وبروح من المسئولية الوطنية، لنكون محل رضا شعبنا ورضا من يقف معنا من الأشقاء، الذين نقدر جهودهم ودعمهم اللامحدود، وعلينا أن نستغل هذا الدعم لخلق مقومات وأسس الدولة ومنظومتها المتكاملة المدنية والعسكرية، وهذا الأمر بيدنا وفي مقدورنا عمله، ونحن المعنيين قبل غيرنا وعلينا أن نحسن القيام به، وسننجح في ذلك إذا ما أخلصنا النيّة وتظافرت جهودنا وأدركنا مسئولياتنا ووضعنا مصلحة الوطن فوق مصالحنا الشخصية أو الحزبية أو المناطقية الضيقة، وخرجنا من شرنقة الخلافات الثانوية التي يستغلها عدونا لإلهائنا عن قضايانا الرئيسية.
ومثلما هب الجنوبيون عن بكرة أبيهم لمواجهة العدوان، فإن عليهم جميعاً، وفي المقدمة منهم قوى الثورة والمقاومة الجنوبية وقادتها الأبطال الميامين، مواصلة معركة استكمال التحرير والحفاظ على النصر المحقق، وعدم تكرار الممارسات والتصرفات السيئة التي عانينا منها من قوى الاحتلال، ومواصلة وانجاح معركة البناء بذات الروح والهمم العالية، وأن لا نخلد للراحة وندع النصر يذهب من بين أيدينا، أو تنهشه وتسرقه كواسر نظام المخلوع وخلاياه النائمة التي تعمل من وراء الستار لإرباك المشهد العام وتعطيل الأمور في كثير من المؤسسات والمرافق، التي ما زال رموز عفاش ونظامه يشغلون مواقع حساسة فيها. ولا يمكن أن يكون حاميها حراميها، ولا ضمان للنصر وإحداث التغيير المطلوب إلا بوضع يد المقاومة والمخلصين من ذوي الكفاءات على رأس تلك المؤسسات، على قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب، بدلاً من تلك الرموز التي ما تزال روائح فسادها النتنة تزكم أنوفنا وتكدر حياتنا اليومية.
إن المعركة لم تنتِ بعد، ويستحثنا الوفاء للشهداء استنهاض الهمم لتوحيد الجهود واستكمال مقومات النصر على الأرض وفي المؤسسات التي ينبغي أن تبسط المقاومة يدها عليها بالتعاون مع ممثلي السلطة الشرعية الجنوبيين في عدن وبقية المحافظات وعدم ترك الأمور سائبة دون حسم، ودون تحرك مسئول، وهذا ما يمليه علينا الواجب الوطني والوفاء لدماء الشهداء ممن حملوا أرواحهم على أكفهم وهم يحلمون بوطن متحرر ومستقل وسعيد..
فهل نحن فاعلون..ذلك ما نأمله..
عدن 29 نوفمبر 2015م