fbpx
في انتظار الملك

 

قلت في مقال سابق أن الواقع يفرض شروطه ، ويحمل في تفاصيله علامات الطريق الذي نسير عليه ، والمراقب يستطيع رؤية نهاية الطريق من خلال هذه العلامات ؛ فإذا كانت نهاية الطريق “التوقُّعية” ليست في صالحه فعليه تغيير أدائه بالشكل الذي يمكنه من تغيير علامات الطريق في الاتجاه الذي يحقق أهدافه .

العاطفيون لا يروق لهم هذا الرأي..!! فهم متعلقون بالآمال والتماني ، وهم لا يلامون ، فهم ضحية بيئة فكرية منحرفة ، فرضتها عليهم الأنظمة الحاكمة خلال العقود الخمسة الماضية ، وهذه الأفكار الفاسدة تجعلهم يتعلقون بالشعارات المثقلة بالأحلام والآمال والتماني ، فيفشلون ، ولا يعترفون بفشلهم ، لأنهم يعزون الفشل إلى مصادفات الأقدار ، ويستمرون في السير على طريق الفشل المتسلسل .

وأنا مثلهم أتمنى وأأمل ؛ لكنَّ التماني والآمال أحلام يقظة تريح النفس راحة مؤقته ، تعود بعدها إلى الواقع المؤلم ، الذي يخبرك بفشلك . . . والعاقل لا يقبل بالراحة التخيلية والألم المفاجئ ، حتى لو كانت محدودة ، لكنَّه مستعد لتحمل أقسى درجات الألم حتى الموت ، إذا كان جزء من خطة استراتيجية تغير الواقع في صالح قضية شعبه حتى ينجح في تحقيق أهدافه .

من يريد النجاح في تحقيق أهدافه عليه عدم تجاهل فشله بدعوى أنَّه “قدر”..؟ بل عليه الاعتراف به ، ثمَّ الاعتراف بالواقع كما هو “بكل تفاصيله” ، وتعقب سيرورته ، ورصد ثغراته ، ثم التعامل معه بالعقل ، بعيداً عن العاطفة والغريزة . . . وهذا هو الذي ينقص الجنوبيون .

والاعتراف بالفشل لايعني الانهزامية ، وليس مدعاة للإحباط كما يقول الحالمون ، بل هو بوابة النجاح ؛ علينا الأعترف بالفشل السياسي والإداري “بعد الحرب وأثناء الحرب” رغم نجاحنا في القتال ؛ نعم قاتلنا بشجاعة وشراسة وبإقدام ، واقتحمنا المنايا ، وأذقنا العدو موت اللئام ، وحرمناه السيطرة على بلادنا . . . لكننا لم نسيطر عليها..!!

كان البديهي أن نسيطر عليها ، بل كان المفروض أن تكون خطط السيطرة والتحكم جاهزة قبل الحرب ، أو أثنائها ، لكن ذلك لم يحدث ، لأن قيادات الثورة الجنوبية تنظر تحت أرجلها فقط ، وجنوبيو السلطة  غارقون في مستنقع المؤامرات والفساد . . . وأصبح الجنوب كالقارب وسط البحر بلا عجلة توجيه ، وبلامجاديف ، وإن وجدت فكل فئة تجدف عكس الفئة الأخرى ، فتعارضت القوة وتوقف القارب في لجة البحر..؟

وهو الآن ينتظر أحد أمرين ؛ إمَّا قارب أكبر منه يجرُّه خلفه ، أو ينتظر موجه كبيرة ، تدفع به إلى بحر الصومال ، وتخلصه من الموت البطيء . . . لكن الجنوب لن يغرق ؛ لأنَّ عاصفة سلمان كسرت الاعاصير والأمواج ، وسفينة سلمان  ترصد وتراقب توهان قاربنا … هذا هو واقع الجنوب اليوم “انتظار سلمان” ؛  حتى يقرر متى يجرّه إلى الشاطئ  .

هل سيجره في اتجاه شاطئ الوحدة الذي هرب منه ؛ أم في إتجاه الشواطئ المتعددة ؛ أم يجره في طريق شاطئ الاستقلال ؛ أم في اتجاه الخليج…؟؟؟؟ ليس من حق العاجز الرفض . . . وسلمان عملياً لن يجره إلَّا إلى شاطئ الخير ، فهكذا عهدنا بآل سعود ، أو لم يعد أمامه غير هذا الخيار “شاطئ الخير” .

كما أن المشكلة أمام الملك ليست بقارب الجنوب فقط..؟ فهناك قارب آخر مثلنا في وسط لجة البحر “اليمن الشمالي” ؛ صحيح أنَّ فيه ربابنة مهرة ، وخلفهم مجدفون مطيعون ، ويمكنهم بلوغ الشاطئ الذي يريدونه ، لكنَّهم اختلفوا فيما بينهم حول قارب الجنوب ، كل فئة تريد أن تغنمه لوحدها ، فانقسموا إلى فئتين ، ووقعوا في فخ التيه الذي نصبوه للجنوب .

هذا هو الواقع ؛ وعلى الجنوبيين -وحدويين واستقلالين- التعامل معه بحرفية تجعلهم عوناً للملك ، وهو “لن يخذلهم” .. بمعنى آخر ؛ عليهم أن يكونوا جزء من أدواته بأي صيغة كانت ؛ سواء بالاستلطاف أو بالتفويض المطلق أو البيعة الشرعية . . . وليس كحال أهل القارب الآخر الذين أصبحوا عبئ على المملكة ، ليس في داخل اليمن فقط بل ومئات الآلاف الذين تدافعوا لدخول المملكة…!!

ختاماً أقول : لقد انتهى الأمر ، وأفرزت الحرب واقع جديد ؛ وهذا الواقع يحمل في طياته مسببات أكبر من مسببات دعوة “الوحدة أو الموت” ومسببات دعوة “الاستقلال أو الموت” . . . فهو يحمل مسببات معركة “الجزيرة عربية مستقرة أو الموت” لا فارسية روسية ولا أوروبية أمريكية .