fbpx
الحرب خيارهم الوحيد ..كتب – خليل الزكري
شارك الخبر


تبنوا خيارات الاحتراب والاقتتال الدامي وذهبوا جميعهم الى مسالكه المؤلمة دون هوادة حتى وصلوا الى المدى القصي الذي لن يستطيعوا معه العودة الى افاق السلم الذي تنشده جماهير الشعب.
منذ 21 سبتمبر من العام الماضي كانت الحرب هي الخيار الاستراتيجي من قبل جماعة الحوثي والتي شنتها بتحالفها مع علي صالح وما تدين له من قوات عسكرية وامنية تحولت جميعها الى ميليشيات تخوض حروبها العبثية والدامية ضد الشعب في اكثر من محافظة يمنية شمالاً وجنوباً.
شكلت هذه القوى الميليشياوية مجتمعة “صالح والحوثي” بعد ان استولت على ترسانة أسلحة الدولة التي تكدست خلال العقود الماضية وكانت تلتهم جل ميزانية الدولة على حساب التنمية والتعليم والصحة وتحول جزء منها هدفاً لغارات طيران السعودية وحلفها العربي؛ شكلت الخطر الداهم للمجتمع مهددة نسيجه المجتمعي والوطني الأمر الذي إنبرت عنه مقاومة شعبية من المحافظات والمناطق التي داهمتها المليشيات بحربها.
ذكرنا بداية ان طرفي الحرب لم يعد باستطاعتهم العودة عن خيار الحرب الى خيارات السلم وهم ذاهبون بها الى المدى الذي يحفظ بقاء وتوازن مصالحهم وبعيدا عن اي مصلحة وطنية ترفع كشعارات تحت سعير هذه الحرب. فالحرب في الاساس لم تكن ذات بعد وطني وانما انقلاب على الشرعية السياسية التوافقية التي أزاحت علي صالح من الحكم وثورة مضادة كما يصنفها البعض واتفق جدا معهم في ذلك؛ ثورة على ما توافق عليه اليمنيون في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والدستور الذي تمخض عنها بمسودته الاولية وهو من دفع جماعات وتكتلات وتحالفات اللادولة الى اشعال فتيل الحرب وإذكاء نارها.
كونت الحرب طفيليات تتاجر بمصير ومستقبل بلد وحياة شعب، وأغدق عليها بموفور من الاموال المتدفقة من هنا وهناك حتى اصبح الامر يشكل معها بناء مصالح خارج سياق الوطنية غير ما يتشدق به امراء هذه الحرب وهم كثر موزعين على طرفيها وموجودين على امتداد التربة اليمنية وخارجها. ويعمل تجار هذه الحرب وأمراؤها على الاستمرار فيها إلى أقصى مدى لأنها توفر لهم مرتعا خصبا لاستمرار هذه المصالح غير المشروعة. واقرب مثال على ذلك الاستيلاء على المساعدات الإنسانية والمتاجرة بها، وكذا بيع المشتقات النفطية والغاز المنزلي في أسواق سوداء تنتشر شمالا وجنوباً.
كما تعمل اطراف الحرب على إذكائها والمضي بها إلى أكبر قدر ممكن من الوقت الذي يمكنهم من ضمان تسوية سياسية تحفظ بقاءهم في توازنات السلطة ما بعد الحرب، عن طريق التفاهمات التي ترعاها دول الإقليم بين الطرفين قبل الدخول في اي عملية تفاوضية وهذا ما آخر إجراءها حتى الآن بعد أن كانت الأمم المتحدة أعلنت موعدا للمرة الثالثة من بعد مشاورات جنيف في يونيو الماضي. هذه التفاهمات والضمانات بين الطرفين تجري بعيدا عن حسابات المقاومة الشعبية الوطنية التي تخوض معارك الدفاع عن النفس والكرامة ببسالة ضد مليشيات الغزو الاستعلائي ذي الصبغة المذهبية والمناطفية.
وكلنا يدرك كيف تتم عملية الترتيب لهذه المفاوضات بطريقة مربكة وغير واضحة فكل طرف يعمل على عرقلتها أو المضي بها بحسب معطيات الواقع العسكري للحرب، وليس ببعدها السياسي وما ستفضي إليه من آفاق تصل في نهاية المطاف إلى صيغة وطنية للحل تخدم بناء الدولة الوطنية وفقاً لمخرجات الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ولأن حسم الحرب بخيار المقاومة الشعبية الوطنية التي تنتشر على كامل التراب الوطني سيفضي الى خيارات اكثر وطنية تستبعد اطراف الصراع الذين كانوا وسيظلون السبب الحقيقي في هذا الدمار والانهيار والتمزق، لذلك لم تؤطر المقاومة الشعبية بإطار وطني خالص ولم تتشكل تحت قيادة واحدة بل تعمل كجزر معزولة ومنقسمة على نفسها الأمر الذي سهل اختراقها من قبل المليشيات كما لم يقدم للمقاومة دعم حقيقي وإسناد سياسي وتنظيمي يعكس أبعاد القضية الوطنية. لأنه بهذه الطريقة تسهل عملية احتوائها وتوظيفها في الدفاع عن وخدمة سلطة هادي الذي لا هم له إلا كيف يستعيدها.
كما أنه تم الدفع الممنهج بعناصر مشبوهة في صفوف المقاومة الشعبية تنتمي لتكوينات إرهابية ومتطرفة حتى يسهل نزع اي صبغة وطنية عنها وأضحت هذه العناصر تشكل خطرا حقيقيا وتحديا في المرحلة المقبلة وهي تسيطر على مناطق وأحياء واسعة في تعز وعدن والبيضاء وشبوة ومارب تحاول فرض سلطة لها من نوع ما وتمارسها.
كانت الضالع هي الجبهة الوحيدة للمقاومة التي خلت من هذه التعقيدات، فاستطاعت أن تحقق انتصارات كبيرة على المليشيات وتطهير المحافظة منها لكنها لا تعمل في السياق الوطني فتجاذبتها نزعات مناطقية وجهوية بسبب غياب المشروع الوطني الذي اغفلته سلطة هادي.
فلو توحدت المقاومة الشعبية في كل البلاد تحت مشروع وطني جامع ودعمت عسكريا وسياسيا سيضعها هذا في مكانها الطبيعي في المعادلة الوطنية.
وكان الحزب الاشتراكي اليمني هو الوحيد من بين الأحزاب السياسية الذي استطاع أن يميز بين المقاومة الوطنية وما عداها، كما كان الحزب الوحيد الذي امتلك رؤية سياسية رافضة للحرب لعدم وطنيتها وقدمته كقوة تمثل الصوت المنادي بالسلم ووقف الاقتتال.
يعمل اليوم علي صالح والحوثي وفق صيغة جديدة للحرب كما ذكرها الزميل وسام محمد في تقرير له نشره ”الاشتراكي نت” الاسبوع الماضي. حيث يجري نقل الصراع من مستواه العمودي إلى مستوى أفقي يتجسد في تحشيد أنصاره على مستوى الأرياف في تعز تحديدا وادخالهم في دوامة الاقتتال الأهلي لتعميق حدة التمزق في النسيج المجتمعي الذي لن يتم التعافي منه ولو بعد عقود. خاصة وأن هناك تسويات تلوح في الأفق بين أطراف الصراع ستكون بعيدة من واقع ما خلفته وستخلفه الحرب من آثار كارثية.
ما خلفته الحرب من تمزق في النسيج الوطني ليس بالهين ولن تصلحه ما ستسفر عنه من مفاوضات بين طرفي الصراع مالم تكن القوى المجتمعية بما فيها المقاومة الوطنية حاضرة فيها وبحجمها الطبيعي والا فإن النتيجة ستكون ترحيل أزمات ومراكمة للمشكلات التي تنخر جسد هذا الوطن المنهك.

أخبار ذات صله