fbpx
وفازت العدالة وفازت التنمية

قبل سنوات زار وفد من البرلمانيين اليمنيين تركيا في إطار مؤتمر البرلمانيين الإسلاميين الذي لم يشارك فيها سوى الذين يعتقدون أنهم المسلمون الوحيدون في بعض البلدان، كان زملاؤنا الإصلاحيين مبتهجين بالعجائب التي شاهدوها في تركيا ومنجزات حزب العدالة والتنمية، وكيف أنه رسخ ديمقراطية عز نظيرها، وكيف أخرج تركيا من دائرة المديونية ورفع معدلات الدخل وتغلب على البطالة وقلص مستويات الفقر وغيرها من النجاحات التي عرفها العالم كله من خلال فوز هذا الحزب في كل الانتخابات البرلمانية والرئاسية على مدى ما يقارب عقد ونصف من الزمن.
يومها كان محدثونا يتهللون إعجابا بالتجربة التركية وراحوا يشرحون لنا المواقع التي زاروها والمصانع التي قابلوا عمالها، والوحدات السكنية والطرقات ومحطات الكهرباء والمواقع السياحة وغيرها وغيرها من العجائب التي اعتقدوا أن حزب العدالة والتنمية هو من صنعها، وفي الحقيقة إن بعضها هو بفضل الموقع الطبيعي والجغرافي والمناخ والتضاريس التي تتمتع بها تركيا, لكن حزب أردوجان أجاد استثمارها وحولها إلى عامل تراكم للتنمية والنهوض بتركيا نحو التقدم والاستقرار والمنافسة العالمية.
يومها سألت أحد الزملاء المبتهجين بزيارتهم لتركيا: هل دخلت خمارة أو ملهى ليلي في تركيا؟
قال: أعوذ بالله!
قلت له: هل دخلت سينما أو مسرح أو صالة عروض غنائية أو دار أبورا؟
قال: لا.
قلت له: طيب هل سمعت أن أحد خطباء المساجد في تركيا يلعن اليهود والنصارى ويهدد بمقاتلة العلمانية؟
قال: لا.
قلت له: طيب هل سمعت أن أحد قادة حزب العدالة والتنمية نهب قطعة أرض أو سطى على منزل مواطن، أو كفر مواطنا أو قائدا أو حزبا سياسيا في تركيا؟
قال: لا.
قلت له: وهل سمعت عن أي قيادي أو داعية ديني من دعاة حزب العدالة والتنمية أنشأ شركة وهمية وراح يسرق عبرها أقوات الفقراء موهما أياهم بأنه سوف يبني لهم القصور ويقدم لهم المن والسلوى ثم لحس كل هذا وتبخر وتنكر لكل وعوده للمواطنين الغلابا؟
قال: لا.
قلت لزميل: إذن حزب العدالة والتنمية نجح ليس لأنه حزب إسلامي، بل إنه نجح لأنه لم يعتمد الفساد وجاء من البيئة العلمانية التي رسخت الحرية والديمقراطية وحاربت الفساد ونجحت في تحييد العسكر وبنت دولة المواطنة، ولقد سخر أردوجان وحزبه المفاهيم والقيم الإسلامية لخدمة التنمية والحرية والديمقراطية والعلمانية والعدل والمواطنة المتساوية، وهم لم يفوزوا لأن أئمة المساجد يدعون لهم بالفوز، بالررغم من فسادهم وتورطهم في جرائم ونهبهم للثروات ومشاركتهم في السطو على المال العام والاشتراك في جرائم النظام على مدى ما يقارب نصف قرن.
الكثير من السياسيين (الإسلاميين) الذين يتباهون بفوز حزب العدالة والتنمية للمرة الرابعة في الانتخابات البرلمانية التركية ويعتبرون الفوز فوزهم، يتناسون أن هذا الحزب يقوم على احترام الدولة العلمانية ويحرم على أعضائه نهب المال العام ويحاسب أي قيادي أفسد ولو بعشر ليرات، ويتناسون أن حزب العدالة والتنمية يحترم حريات المواطنين إن آمنوا أو لم يؤمنوا، إن تدينوا أو لم يتدينوا، إن ارتادوا المساجد أو أو الكنائس أو المعابد أو دور اللهو والغناء أو الخمارات والملاهي الليلية.
هل يقبل إخواننا المسلمون أن يقتدوا بحزب العدالة والتنمية ويحترموا حريات الناس ويمارسوا الديمقراطية داخل أحزابهم قبل أن يطالبوا بها الآخرين، ليتحدثوا عن تجربة إسلامية حقيقية أم إن الحب والإعجاب بحزب العدالة والتنمية هو فقط بحكم التقارب في الصفات الوراثية والجينات السياسية؟
ليس القادة الأتراك بلا أخطاء لكن ما يميز قادة حزب العدالة والتنمية أنهم تسلموا الحكم في ظل تركيا غارقة في الفساد متنازعة عاجزة عن حل مشكلاتها الداخلية وعن حل مشكلة المديونية المزمنة، وغير قادرة على تأمين بيئة استثمارية توفر الطمأنينة للرأسمال، وعندما عرفوا الداء واختاروا له الدواء بدأت النتائج تتحقق على شكل عائدات اقتصادية مرتفعة، وغزو السلع التركية معظم الأسواق الأوروبية والعالمية، والانفتاح على الفنون والثقافة والسياحة وعلى العلوم والتكنولوجيا وانعكاس كل ذلك في حياة مستقرة ومزدهرة لغالبية المواطنين الأتراك، دون أن يغيب التوتر القومي في مناطق الأقليات القومية في تركيا وفي المقدمة كردستان التي يحتاج الحديث عنها وقفة خاصة في مناسبة قادمة.