fbpx
نصف الحرية عبودية لا تقبلها الشعوب الحرة

أي سلطة في العالم تريد استعباد شعبها تعمد إلى إشغاله بأساسيات حياته ؛ برغيف الخبز ؛ بأنبوبة غاز الطبخ  ؛ بانقطاع الكهرباء ؛ بجلن بترول …….. أشياء لم تعد تشغل أي إنسان في العالم لأنَّ وجودها أصبح من المسلمات في أي تجمع سكاني يسمى دولة .

ومع إشغال الشعب بأساسيات الحياة يتم تطويقه باضطرابات داخلية ؛ أزمات سياسية ؛ عدو متربص (عدو حقيقي أو افتراضي) سواءً كان خارجي أو داخلي كالجماعات الإرهابية . . . وتخلط الأوراق وتعجنها ؛ وتتلاعب بحياته اليومية . . .

والمراقب للأحداث في اليمن يمكنه أن يجد هذه المنظومة أمر واقع على الشعب الجنوبي والشعب الشمالي . . . منظومة شيطانية لم تترك صغير أو كبير ؛ رجل ، امرأة ، طفل ؛ لم تترك جاهل أو متعلم . . . إشغال يدفع العالم الأريب إلى حالة من الذهول ، وضياع في نقاشات لا تليق بعقل إنسان عادي . . . وكلما استرد عقله ووجهه للتفكير فيما ينفع الناس جاءه من يعيده إلى النقاش في موضوع تافه أو إشاعة خاوية .

ومع هذه المنظومة الشيطانية هناك استراتيجية التخدير والتغييب ؛ فالمواطن لا يعلم ماذا يحدث في البلاد باستثناء محافظة تعز التي يعمل أبناؤها بلا كلل على نقل كل ما يحدث فيها إلى العالم . . . أمَّا أغلب المحافظات الأخرى فلا يُعلم عنها شيء . بل حتى داخل نفس المحافظة أو المديرية لايعلم أغلب سكانها مايدور فيها..!! هذا يوقع المواطن في دائرة القلق من المجهول ؛ ويجعله ضحية الإشاعات والأراجيف ؛ ويعيش كل ليلة رعب من نوع معين…؟

وفي الصباح التالي يزيد القلق عندما لاتجد شخصين يجتمعان على رواية واحدة لحدث معين . . . ولاتوجد في السوق صحيفة قد يجد المواطن فيها ضالته ؛ جميع الصحف الرسمية والخاصة توقفت عن الطباعة منذ اليوم الأول للحرب . . . وإذا حاول المواطن البحث في شبكة الانترنت وجدها غالباً مقطوعة ، وإذا لم تكن مقطوعة كانت الكهرباء هي المقطوعة…!!!!!

هل يعقل أن يضل الناس بلا كهرباء ، وفي السويعات القليلة التي تأتيهم فيها الكهرباء يفتحون قنوات التلفزيون فلايجدون فيها ماينفعهم…؟

حتى أصبح المواطن يعتقد أنَّ هذه القنوات -الحكومية والخاصة- هي التي تقود عملية تخدير الشعب وتغييبه عن الواقع …… فأغلب ماتبثه أغاني ؛ أناشيد ثورية ؛ مقابلات مكرره يديرها مذيعون قليلي الكفاءة ؛ وشخص يظهر في قناة كمذيع وفي قناة أخرى يظهر كمفكر ومحلل وقائد ثوري سياسي…!!!!

حكومات الدول الأمينة على شعوبها تستخدم القنوات التلفزيونية في توعية وتوجيه الشعوب إلى التصرف المناسب في كل الأحداث “بعضها يكون سيناريوهات لأحداث افتراضية لم تحدث بعد” لكن حرص السلطات على إعداد وتهيئة شعوبها للمجهول يجعلها تعطيه التوجيه المناسب . . .

وهي -القنوات الحكومية- أيضاً مصدر المعلومات الصحيحة ؛ ووسيلة لتكذيب الشائعات المربكة للمجتمع ، ووسيلة لتفنيد الشبهات الممزقة للمجتمع والرد عليها .

وتكون منابر تعليم شعبية يرتقيها أصحاب الفكر والعلم ؛ يقدمون للناس نصائح تنفعهم ؛ نصائح في كيفية التعاون لاستتباب الأمن ؛ كيفية رصد الخلايا النائمة والإبلاغ عنها ؛ كيفية التعامل مع الألغام ؛ كيفية التعامل مع اللصوص والبلطجية ؛ كيفية التعاون في كل ما من شأنه خدمة الشعب .

بل من الممكن أن تصبح القنوات التلفزيونية مدارس كبرى ؛ بعرض دروس في المنهج الدراسي لتعويض طلبة التعليم الأساسي الذين أُغلقت مدارسهم بسبب الحرب .

وممكن أن تكون أيضاً مدارس لتعليم قيم المجتمع السامية ؛ عن طريق تسليط الضوء على المبادرات الشعبية ؛ كمبادرات تنظيف المدن ؛ مبادرات ترميم الأرصفة ودهانها ؛ مبادرة تنظيف كليات الجامعة ؛ تنظيف الحدائق العامة وتجهيزها ؛ مبادرات صيانة معالم المدينة .

مبادرات الشباب في العمل مع المنظمات الإغاثية الدولية كالهلال الأحمر الإماراتي وصندوق الملك سلمان ……….. التوجيه والتوعية لايقتصر على مجرد بث خبر خلال دقائق .

هناك مواضيع كثيرة تنفع الناس لاحصر لها ، تقدمها القنوات التلفزيونية عندما تكون السلطة أمينة على شعبها…؟ ولكن في بلادنا السلطة ليست أمينة مع الأسف . وجاءت هذه الحرب لتكشف ماخفي من سوئها ؛ وتطبيقها للمنظومة الشيطانية يهدف إلى جعل الشعب مشغول وقلق ومخدر ومغيّب من الصبح إلى آخر الليل ؛ حتى ينهار ، وتتعطل كل حواسه ، ويتبلَّد .

وحينها لايعرف الشعب لهذه الحرب أبطال ؛ سواءً الشباب المقاتل أو الشعب الصامد أو الشباب المبادر في بناء وتنظيم وتنظيف المدن . . . ولايجد الشعب بطلاً أمامه غير السلطة فيهتف بعظمة تضحياتها ، ويعدد لها بطولات وهمية ؛ ويستمر في السير خلفها مغمضاً عيونه في طريق مجهول لايرى فيه حتى السراب .

فهل يستمر نجاح السلطة في هذه الطريق…؟

أشك في ذلك ؛

فاستمرار الدفع بالناس إلى واقع مغيَّب ومستقبل مجهول يشرعن حمل السلاح  -لمن يريد حمله- في وجهها ، كما حملوه ضد شريكها السابق الحوثي والمخلوع ، وحققوا النصر والحرية للشعب . . . صحيح أنَّها نصف حرية بعد أن كسرتها السلطة الفاشلة ؛ لكن الشعب لن يقبل بنصف الحرية ؛ فنصف الحرية عبودية اختيارية تهوي بالشعوب في غياهب الامتهان .

أتمنى أن يدرك الجنوبيون واقعهم كما هو ، ويفقهوا طرق الخلاص منه ، واضعين نصب أعينهم بناء الوطن الذي سالت دماء زكية وغالية من أجله .

حمى الله الجنوب من كل شر