fbpx
المقاومة الجنوبية والتغيير المنتظر

طه بافضل

يعتقد الكثير من رجال المقاومة الجنوبية، ممن ليس على دراية جيدة بعالم السياسة، أن المظاهر والخطابات والتصريحات والمشاهد التي تحدث وتمر أمامه هي المقياس الأهم في الوصول إلى الهدف الأسمى الذي ناضلوا وضحوا من أجله، وهو التحرير والاستقلال عن الجمهورية اليمنية وقيام دولة الجنوب العربي.

السياسيون هم من يصنع مستقبل الدول، فربَّ مناضل لا يفقه شيئا أو قليلا في السياسة، ينتهي به المطاف الى أن يصبح فردا عاديا ربما لا يُكرم ولا يذكر بشيء وهو ممن ضحى بالغالي والنفيس من أجل الوطن الذي يعشقه ويحلم بمستقبله. ويبقى السياسي هو من يرسم الملامح ويضع الخطط والتقاسيم والتصانيف، وهو من يولى المناصب، ويحظى بالأعطيات والمكرمات، وإن عشش في عقله وفكره الفساد فتخمة الثراء والاستعلاء هي عنوان حياته حتى على أقرب أقربائه ورفاق دربه ومن هم أولى منه وأجدر!

ولو جمع المناضل بين الخبرة العسكرية والدراية السياسية لكان خيراً له وأفضل، وهذا لا يتأتى إلا للقليل ممن سنحت لهم الفرص للنهل من المعرفة والدراية بعلم السياسة والعلاقات الدولية، وهو أمر يحتاج إلى فترة من الجلوس في مقاعد التعليم والاحتكاك بأهل الخبرة والتجربة فمستقل ومستكثر.

التسويات التي تقوم بها الدول الكبرى ودول الاقليم هي الأساس والأصل لرسم خريطة شبه الجزيرة العربية في المستقبل المنظور. صحيح الثبات على ميدان المعركة هو المقدمة الأولى والمهمة فها هي ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح لا تزال قائمة على أرض محافظات يمنية عدة، تبطش هنا وتدمر هناك، وتسفك دماء اليمنيين الأبرياء العزل، لكنها في المقابل تبعث رسائلها السياسية وتخوض غمار التفاوض والجدل السياسي التي ترى أنها لن تخرج منه خالية الوفاض.

كل شيء يعني ميليشيات الحوثي وصالح الدموية، أما المقاومون الأبطال في الحراك الجنوبي السلمي، بالأمس، كانوا يرددون في كل مناسبة ذات أهمية تمر باليمن وبرعاية دولية بقولهم: «هذا لا يعنينا»! حتى صار كل شيء لا يعنيهم، وليس بيدهم، ولا هم قوة على الأرض، بل هم أقصى ما يمكن أن يفعلوه تجميع الناس والاعتكاف لساعات في شوارع عدن والمكلا وتنتهي الألفيات، أو المليونيات، ببيانات شتى تستعرض فيها القوة التجميعية برسم «لا يعنينا»! وكأنهم في صحراء قاحلة لا يهمهم ما يدور حولهم المهم أن يأتيهم التحرير والاستقلال على طبق من ذهب ثم يرفعون عقيرتهم بالنصر المؤزر، ناهيك عن اختراق مشين في صفوفهم وهو أمر طبيعي في حركات التحرر والنضال السلمي والمسلح.

السنون التي مضت، والتضحيات التي قدمها أبناء الجنوب بسبب مقاومتهم نظام علي عبدالله صالح الذي انتهج الاحتلال والبغي والعدوان سبيلاً لتسيير حكمه، كلها قد تذهب هباءً منثوراً إن لم تتطور العقليات التي تتزعم المشهد النضالي في الجنوب، وهذا التطوير يعني بالضرورة، تغيير طرائق التفكير السياسي وتوسيع آفاق النظر للأمور الصغيرة والدقيقة والكبيرة على حد سواء، وعدم الاستهانة والاستهتار بالقضايا التي يُنظر إليها من زاوية قديمة أو بشيء من السذاجة والبساطة بأنها لا أبعاد لها تجاه قضية الجنوب العربي.

ثمة تغيير جذري كبير ينبغي إحداثه في النخب الحراكية، التي تزعم أنها قيادات أو أن لها رصيداً من النضال والمقاومة حتى يتحقق التحرير بتوفيق من الله ثم بدعم كبير وعظيم من دول التحالف العربي التي لولاها لكان الجنوب رهناً لميليشيات الجاهلية والفوضى والحماقة اللامتناهية، وهي فرصة سانحة للبدء بالظهور المتجدد والفاعلية لتحقيق مكاسب أكبر للقضية الجنوبية من خلال التسويق الجيد لها، والترقي في مدارج الفهم والوعي السياسي، وعدم اجترار أخطاء الماضي بل التخلص من كل موروث سيئ للنظام السابق سواء في المعاملات أو طرائق التفكير أو أساليب اتخاذ القرار، والبعد عن كل معكرات ومعرقلات مسيرة التحرير والاستقلال وبناء الدولة الجديدة.

إن وجود قوات التحالف على أرض الجنوب العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات المتحدة يعني باختصار أن المقاومة الجنوبية مسنودة بإخوانها العرب الذين يهمهم استقرار اليمن وسعادة الشعب اليمني كله، وهي كذلك لا يرضيها أن ترى أبناء الجنوب العربي يناضلون لاستعادة حقهم المغتصب ثم لا يحركون ساكناً تجاه هذا النضال السلمي العظيم، وتجاه تضحيات المقاومة البطلة، فالتوازن على الأرض هو الذي سيخدم القضية الجنوبية فهل يستغله الجنوبيون لمصلحة قضيتهم أم أنهم سيفرطون فيه ثم يأتي الندم ولات حين مندم؟!

“السياسة الكويتية”