fbpx
أوباما اللافتة المؤقتة

لا يماري أحد في مقدرة المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة على صنع اللافتات سوأ الشخصية أو الكلامية، ولا يماري أحد أيضاً في البراعة العالية لمقدرة هذه المؤسسة على استخدام اللافتات التي يراد منها أن تنفي عن الدولة الأمريكية العظمى تهمة العنصرية التي تتلبسها من الرأس إلى القدم. لكن ما تجهله هذه المؤسسة العتيدة أن لافتاتها أصبحت مفضوحة في العالم كله ولم تعد تخدع حتى البسطاء والناس العاديين الذين لا يعرفون الكثير عن مخابئ السياسة. ولعل أكثر اللافتات حظاً في خداع العالم كانت في انتخابات باراك أوباما للرئاسة وهو الأسود الأفريقي، والذي توهمت المؤسسة أياها أن ظهور رجل أسود لأول مرة في البيت الأبيض كفيل بأن يبرئ الدولة العظمى من عنصريتها الثابتة والمتغلغلة في أجهزة الدولة من القمة إلى القاعدة.

ربما تكون الغالبية من سكان الولايات المتحدة وهم من السود والملونين قد انخدعوا في الوهلة الأولى ومنذ الطلّة الديمقراطية التي أجاد أوباما ما تمثلها وما رافقها من خطابات ووعود. لكن هذه الأغلبية في الداخل الأمريكي ما أسرع ما أكتشفت اللعبة، وأدركت أن اللافتة لم تتمكن من مواصلة تمثيل دورها فقد زادت في عهدها المظالم العامة وتقلصت مساحة الحرية، وأخذ الأعتداء على السود خاصة بأخذ منحى منظماً وممنهجاً أكثر من ذي قبل الأمر الذي دفع إلى إعلان التمرد والعصيان في أكثر من مدينة وولاية ولم يتمكن أوباما “اللافتة” من فعل أي شيء يحدّ من هذه التطورات التي تعيد إلى الأذهان أحداثاً ووقائع سابقة أثبتت من خلالها المؤسسة الحاكمة للولايات المتحدة والتي يتحكم فيها البيض أو بالأصح نوع معين من البيض الذين تجري في شرايينهم الدماء العنصرية الزرقاء.

وليس الحديث هنا عن الاضطهاد والعنصرية التي يعاني منها السود والملونون بعامة في الولايات المتحدة الأمريكية سوى مدخل أو توطئة للحديث عن التعامل العنصري والمتعالي الذي ينال العالم الثالث من هذه الدولة والعرب خاصة حيث كان وما يزال “البيت الأبيض” بالتعاون مع “البنتاجون” يعمل على تدمير كل محاولة للتقريب بين أبناء الوطن العربي، ولا يكف عن تخريب العلاقات التاريخية الراسخة بين الأنظمة وإثارة الضغائن بين بعضها ثم بينها جميعاً، وهو ما أوصل الواقع العربي إلى هذه الدرجة المخيفة والمرعبة من الاقتتال وتجاهل الثوابت. ولا تكتفي الولايات المتحدة في حربها على العرب بالصواريخ والطائرات دون طيار بل تعتمد ما هو أكثر وهو تشويه صورة العرب من خلال مؤسساتها البحثية والجامعية والسينمائية التي تصور العربي قاتلاً مجرماً همجياً بربرياً لتستمد الرضا من الشعب الأمريكي في احتلال الأرض العربية وعدم الأكتفاء باستقلال خيراتها ومواردها. انطلاقاً من قول أحد مفكريها :”لقد جعل الله الأمريكيين جديرين بالحكم كي يتمكنوا من إدارة الشعوب البربرية والهرمة. وقد اختار الله الشعب الأمريكي ليقود العالم نحو تجديد ذاته”.

لا غرابة أن يتطابق منطق المؤسسة الأمريكية الحاكمة مع المنطق الصهيوني فكلاهما يمتحان من بئر واحدة، هي بئر العنصرية بكل ما يصدر عنها من عفونات وقاذورات تتحدى إنسانية الإنسان وترفض الأعتراف له بحقوق متساوية مع غيره. وإذا كانت المؤسسة الأمريكية تمارس التمييز بين مواطنيها وتراهم جنساً أقل، فلا غرابة أيضاً إذا كان ذلك هو موقفها من العرب الذين أسسوا حضارة أرتفقت بوعي الإنسان على الأرض ورفعت من شأنه إلى مصاف ملائكة الرب. وكان أبناء هذه الحضارة وما يزالون قادرين على تكرار ما صنعه أجدادهم في الماضي إذا تركوا لشأنهم بعيداً عن أفتعال المؤامرات وشن الحروب الظالمة.