fbpx
هذا ما قاله المؤرخ البريطاني ارنولد توينبي ؟!
ي دراسته للمشكلة اليهودية المعاصرة توصل توينبي إلى أن مأساة اليهود المعاصرة تقع على الجانب اليهودي والجانب المسيحي. لأن اليهود كانوا يشعرون بأن المسيحيين لم يتقبلوهم حقاً في مجتمعهم المسيحي تقبلاً كاملاً. في حين كان المسيحيون يشعرون بأن اليهود لم ينصهروا كلياً في المجتمع المسيحي. “والمشكلة اليهودية هي مشكلة أنتجتها الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإيديولوجية في الغرب، بمقدار إصرار اليهود وعنادهم على الاحتفاظ بهويتهم القومية والدينية المتميزة، وأن العرب بخاصة، والعالم بعامة، لم يكونوا طرفاً فيها، ولا مسؤولين عنها”.
ويرى توينبي أن اليهود أبقوا تعيين البلد الذي سيقيمون فيه دولتهم القومية المنشودة مفتوحاً حتى عرضت عليهم الحكومة البريطانية موطناً لهم شرق إفريقيا في آب 1903 ولما رفض المؤتمر الصهيوني السابع هذا العرض سنة 1905 أصبحت فلسطين هدف الحركة الصهيونية ومحورها عملياً، ويقرر توينبي أن تحقيق هدف الحركة الصهيونية بإقامة دولة يهودية قومية في فلسطين لم يكن ليتم لولا مساعدة الدول الغربية، ولاسيما منذ الحرب العالمية الأولى وبسببها وكان انهيار الدولة العثمانية، التي كانت تحمي فلسطين، أول خطوة في طريق مطامح الصهيونية وتلاه سقوط إمبراطورية آل رومانوف في روسيا سنة 1917، إذ كان النظام القيصري في روسيا سنة 1917 شديد العداء لليهود ويعارض أية محاولة من جانب حلفائه من الدول الغربية لإقامة وطن لليهود في فلسطين، على أساس أن تحويل فلسطين إلى دولة قومية يهودية يدنس هذه الأرض المقدسة. وسقطت القيصرية في 12 آذار 1917، وأعلن وعد بلفور في اليوم الثاني من تشرين الثاني من العام نفسه.
ومن الآثار الأخرى للحرب العالمية الأولى في تقوية الحركة الصهيونية اشتداد المنافسة بين الدول المتحاربة على خطب عطف اليهود، إذ كان لديهم نفوذ اقتصادي وسياسي كبير، وكانت لهم الكلمة الحاسمة في ميزان العلاقات الدولية الغربية المهتزة وكانوا يؤلفون قوة ملموسة في الحياة الداخلية لدول أوربا الوسطى والغربية على السواء، ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان المتحاربون الأوربيون يدركون أن الكلمة الأخيرة في الصراع الأوربي هي كلمة أمريكا وأن كلمة أمريكا تتأثر إلى حد كبير بآراء مواطنيها من اليهود. فلما احتلت بريطانيا فلسطين وجدت الوسيلة لإرضاء الصهاينة، ومن ورائهم من يهود أوربا وأمريكا، فأصدرت وعد بلفور. وفي وعد بلفور يبدأ التطبيق العملي للعدوان الصهيوني، وتبدأ المرحلة الأولى من مأساة فلسطين.
وفي كتابه (فلسطين جريمة ودفاع) أكد توينبي مسؤولية جميع الأطراف الذين ارتكبوا هذه الجريمة الكبرى بحق الشعب العربي الفلسطيني، ويركز إدانته على المسؤولين الرئيسين بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية والغرب عامةً والصهيونية العالمية، فلولا أن اليهود كانوا جزءاً من العالم الغربي، الذي بسط سلطانه على العالم، لما استطاعوا أن يقهروا عرب فلسطين ولولا الولايات المتحدة الأمريكية وإسنادها العسكري والسياسي والاقتصادي للصهيونية، لما كان بالإمكان أن تظهر إسرائيل للوجود، لما أستمرت على البقاء بعد أن أوجدت.
وتنحصر مسؤولية ألمانيا في اضطهادها لليهود اضطهاداً وحشياً، فاستغل الصهاينة ذلك في حمل اليهود على الهجرة إلى فلسطين. ويرى جواد علي أن الصهيونية قد شجعت على ظهور اللاسامية وعلى إثارتها لحمل اليهود على مغادرة أرض الشتات إلى أرض فلسطين، واشتركت وتعاونت مع النازيين في إخراج اليهود من ألمانيا وهذا ما كان يريده الألمان للتخلص منهم أولاً، ولا حراج البريطانيين اخيراً وهم أصحاب الانتداب على فلسطين بل اتهم بعضهم مثل (كستنر) Kastner وغيره من الصهاينة بمعاونة النازيين في قتل اليهود، وقد اتضح بعد الحرب العالمية الثانية من الوثائق السرية أن جماعة من يهود ألمانيا كانت تتعاون مع (هملر) رئيس الـ SS (أس أس) في أمور اليهود لخلق جو مرعب من اللاسامية يدفع اليهود على ترك ألمانيا إلى فلسطين.