fbpx
من ملاحم الضالع .. يوم انقسم دار الحيد ..!
شارك الخبر

كتب/ زهير الجامد :

في هذه الصورة أرسم لكم اليوم الذي انقسم فيه هذا الجبل ،، جبل دار الحيد في الضالع بين الحوثيين ،، وبين أبناء هذه المدينة ،، الشمس والظل يرسم اقتسام الغزاة واصحاب الحق معركة دار الحيد .. بعد ان احتل الحوثيون النصف الأيسر من الصورة باتجاه الخزان . نقطة انطلاق الحوثيين الغزاة. بينما يشكل الظل في هذه الصورة مكان تمركز المقاومة من ابناء المدينة ومن ساندهم من مختلف مناطق وقرى الضالع.

الساعة الثامنة وخمسة واربعين دقيقة .. المكان دار الحيد ،، السماء ليست كعادتها في صباح ذلك اليوم من أيام الحرب والصمود في مدينة الضالع فقد تلبدت الغيوم باكراً وقبل أوانها المعتاد في كل صيف مما أكسب الجو كآبة إضافية لكآبة الحرب العدوانية اللعينة التي تشنها قوات العدوان الحوثي – العفاشي على الجنوب.

الساعة الثامنة والنصف من يوم الاثنين 30 مارس 2015 كان الابطال في كل جبهات المدينة يستعدون لمغادرة حراستهم الليلية كانوا طوال الليل يقومون بواجبهم الوطني في الدفاع عن موقع جبل دار الحيد وحصنه التاريخي المنيع الذي يعد رمزاً من رموز الصمود التاريخي لمدينة الضالع.

سماع دوي الانفجارات وتغطية نارية هستيرية مرعبة. صحيت من نومي اخذت الجوال اتصلت مباشرة لاحد الاصدقاء ما الذي يحدث .. رد احدهم الحوثيين . يتسللون بالاتجاه الشرقي إلى دار الحيد .. سؤال هل هناك من يغطي المنطقة . الجواب لقد دخلوا دار الحيد ولا فائدة من الاسئلة . نصف دار الحيد تم احتلاله من قبل الحوثيين. مباغتة..

اغلقت جوالي وخرجت من البيت باتجاه دار الحيد،،، لا اخفي عليكم بانها المرة الأولى التي اقدم فيها على الدخول في معركة حقيقة نفسي تمتلكها الرهبة والخوف. ولكن أقدامي تسابق انفاسي باتجاه الجبل . شاهدت (وليد الباشة) في اعلى الجبل من بعيد يتمترس خلف احد المنازل ،، وعميد محمد حسن وأكرم عقلان باحضرم ،، أول من تصدى لأولئك الأوباش ،، عميد محمد حسن الذي اصيب برصاصات كانت قاتلة لولا مشيئة الله وإرادته ، فأصيب في يديه وأحد فخذيه وهو الى الان يعاني الأمرين..

كان الكل يتمترس .. بسلاحه الشخصي .. محاولين عرقلة مليشيات الحوثي وصالح من التقدم للجهة الغربية من دار الحيد. حتى يصل المدد..

وأنا أشاهدهم وأتذكر ذلك اليوم كأنه في هذه اللحظة قذيفة بي عشرة انفجرت باتجاه وليد الباشة الذي كان يطلق النيران وبجانبه إخوانه يعمرون المخازن بالرصاص ،، تلك الرصاصات ادخرها وجمعها من قووت يومه، كنا نسأله في السابق لماذا تشتري الرصاص بأعداد قليلة وتقوم بربطها بقماش وتخزنها في خزانتك كلما سنحت لك الفرصة ،، فيرد للأيام قد نحتاجها.

مشيئة الله تلطف به وبإخوانه من هذه القذيفة.

دقائق واشاهد رجال كالأسود تتسابق باتجاه الجبل مسرعين لا يعلمون اين الطريق الى الجبل عرفت انها المرة الاولى لهم لطلوع الجبل ،، كنت في اتجاه الجنوب .. قالوا اي الطريق مؤمنة نستطيع منها الوصول الى الجبل ،، فقلت لهم اتبعوني لقد زال الخوف من داخلي. بعد ان شاهدتهم يتسابقون لا يخافون في الله لومة لائم..

في منتصف الطريق ونحن منطلقون التقينا بمجموعة الشهيد اياد الخطيب الذي كان ينطلق كالسهم رغم إصابته في أحد ساقيه قبل أيام من المعركة ،، سمعته يقول لأصحابه وقد تعثر بسبب اصابته التي اثقلته من التقدم،، اقبل ارجلكم واقبل حذائكم انطلقوا انطلقوا لا تدعوهم ينقضوا على دار الحيد فإنها نهايتنا..

القائد اياد الخطيب كانت انطلاقته من جبهة الزراعة عندما شاهد الحوثيون يتسللون من موقع الخزان باتجاه دار الحيد انطلق بأصحابه كالأسود صوب الجبل وصلوا و كنت اسمع شهيقهم وزفيرهم ينفض التراب من الارض،، أدرت رأسي الى الأعلى لأسمع اصوات التكبير بصوت مرتفع يسمع اصداء زئيره كل الضالع القائد (كمال الجبني) من اعلى اسطح احد الديار المطلة على ساحة المعركة ينادي تقدموا تقدموا الله أكبر وزخات الرصاص من سلاحه كأنها سيمفونية لازلت اسمعها في اذني.

لينادي منادي من الاتجاه المقابل ومن ارتفاع مقابل لارتفاع الدار الذي فيه كمال الجبني بصوت محشرج تقدموا تقدموا الله أكبر، وزخات الرصاص باتجاه الغزاة، اسد من اسود الله عرفت فيما بعد انه المقاوم (علي الوحش).

ارتفعت معنويات المقاومين الى عنان السماء والله الذي لا إله إلا هو ان القشعريرة غطت على جسمي وانا اتذكر ذلك الموقف موقف الابطال في تلك الدقائق العصيبة، كان الشباب من كثرة خوفهم ان يسيطر الغزاة على دار الحيد كانوا يتدافعون بشجاعة وبقوه يتسابقون على الشهادة.

سمعت من كانوا في الصفوف الأمامية ينادوا إسعاف إسعاف . يا الله من اين الاسعاف هذه الساعة. هرولت الى اسفل الجبل لأخذ دراجتي رغم ضعفي بقيادة الدراجة إلا ان الوقت من ذهب وصلت الى الجبل اعطيت دراجتي لاحد الاشخاص يمتلك المهارة في قياده الدراجة وانتظرنا من هو المصاب. ماهي إلا لحظات.. يا الله القائد اياد الخطيب اصيب في احدى ساقيه .. قلت لصاحبي انطلق به الى المشفى .. انطلق صاحبي. حتى غاب عن وجهي.

سمعت مرة ثانية إسعاف إسعاف … يا الله.. الكل ينظر امامي فانا في الطريق المرصوف والكل خلف المتارس .. هرولت للمرة الثانية الى اسفل الجبل … دراجة ثانية فقلت لاحدهم انطلق لأعلى الجبل. اصابة احدهم بالفك ،، ذلك المصاب من ابناء زبيد رفض ان يسعفوه رغم اصابته قال هناك من هو مصاب اصابه بليغة انطلق للأعلى نزلت انا لأرافق ذلك المصاب وايصاله الى اسفل الجبل … صديقي ذهب لإسعاف احد الابطال … وصلت الى اسفل الجبل وهناك من كان ينتظر إسعاف الجرحى.

وصل احد الاطفال في سن التاسعة .. من ابناء حبيل جباري ينادي من يعزز المقاتلين بالذخيرة ،، الكل صامت فالمعركة ليست سهلة الكل في رهبة،، فقلت اين هي قال خذها انطلقت بالذخيرة للمرة الرابعة الى الجبل وصلت وقد ابيضت شفتاي من شدة العطش و التعب.

ما ان وصلت سمعت إسعاف إسعاف .. عرفت حينها ان الغزاة كلهم قناصين وان مجاهدينا متهورين رغم شجاعتهم..

عاد صديقي بدراجتي في وقته وهم يطلبون الاسعاف وكنت أًلاحظ عليه بعض الرهبة والخوف من الطلوع الى منطقة المعركة فهو أيضاً لأول مرة يدخل ساحة حرب … فلم ألح عليه اخذت دراجتي .. وانطلقت رغم ضعفي بقيادة الدراجة. انطلقت وانا اتكلم مع نفسي سوف اخرج الجريح للأسفل واعطيهم قيادة الدراجة . . وصلت منطقة الخطر واذا بالشباب يحملون احد المقاومين الذي استطاع قتل اثنين من مليشيات الحوثي ولم يكتفي بذلك ،، حاول الشباب توقيفه.. ولكن كانت كلمة الله هي العليا . كانوا يحملونه اربعة من الشباب كانت ساقاه متدليتان من طرف البطانية يا الله كم تمنيت تقبيل تلك الساقين . بعدها هممت كيف سأقود الدراجة. سألت من هذا؟ قالوا (أكرم عسكر الحريري) .. قبل ان يصلوا الى دراجتي وصل احد الشباب بدراجته محترف في قيادة الدراجة قلت له أتى بك الله خذه واسعفه انت الى المشفى.

كانت جثة اكرم كبيرة، أخذه احد الشباب في حضنه وركب الدراجة.. حتى ان صاحب الدراجة وصل فوق خزان الوقود تمايل بعض الشيء قبل الانطلاق. ولكن واصل رحلته الى المشفى. احد اقرباء اكرم عسكر ركب دراجتي قال انطلق بعدهم .. فحالة اكرم خطيرة لا اعتقد أنه سينجو فهي في الرأس .. انطلقت للأسفل واعطيت دراجتي للمتخصص .. ورجعت للأعلى.

سمعت نداء التكبير لمجاهدينا (رشدي احمد . ورفعت عبيد شعفل .. وبكر الحاج . وعبدالنعم الاحمدي .. وعبداللطيف الحاج . وجلال عسكر .. ومحمد علي صالح وعلاء محمود) من سطح احد الديار كان الحوثيين يتمركزون فيهه ايقنت ان النصر لاح .. وان الخطر بدأ يزول .. لا أعلم من اين توافد كل أولئك المجاهدين. .. هناك كثير من الشباب لا اعرف اسماءهم .. اعرفهم مجرد صور كانوا يكبرون بأصوات قوية .. لرفع معنويات الشباب أصوات أرهبت الغزاة.

مناظر تقشعر لها الأبدان .. ان ترى المجاهد محمد علي صالح الذي حرص ان يلقن و يردد الشهادة مع احد المقاومين. وليد مصطفى علي حسين. وهو يفارق الحياة.

احدهم نفذت منه الذخيرة فانسحب الى اسفل الجبل لإحضار الذخيرة قابله احد المسنين،، يسأله الى اين .. رد صاحبي برفع المخازن وقال استنفذت كل الذخيرة. قال له الرجل المسن انتظر .. دخل الى منزله واخذ مخازن ذخيرته من السلاح الشخصي واعطاه ذلك الشخص … ليعود مسرعاً الى ارض المعركة مره اخرى .. انها الارض والعرض والدين.

وفي لحظات فاصلة بين الحقيقة والشك لم يعد فيها مجال للتردد أمام رجال المقاومة بعد ان باشروهم المعتدين بوابل من الرصاص من كل جانب فتموقع القائد كمال الجبني ومجموعته في مواقعهم، وكانوا لهم بالمرصاد في معركة ليست متكافئة فالمعتدين يملكون أسلحة حديثة ومتفوقة، أصيب المقاوم علي الوحش في فكه الأيمن برصاصة كانت قاتلة لولا لطف الله به.

ليأتي خبر استشهاد من هم في الصفوف الأمامية شهداء العزة والكرامة، برصاص القناصة، وهم:

1- عدنان أمين مدينة الضالع

2- حسام محسن الحود منطقة الحود

3- محمد عبدالله حسين البصله .. منطقة الضبيات

4- وليد مصطفى علي حسين . مدينة الضالع

4- أكرم محسن عسكر .. حرير

بينما قتل من الجانب الاخر من الحوثيين مالا يقل عن 15 حوثي.

استمرت المعركة باشتباكات عنيفة وجها لوجه وأصيب كمال الجبني برصاصة في الجانب الأيمن لوجهه فبرغم أنها ليست عميقة وقاتلة لكنها على الفور أفقدته البصر أفقدته حبيبتيه . فما كان من زملائه إلا ان طلبوا منه العودة الى الخلف ليتمكنوا من إسعافه الا انه استمر يقاتل .. فقام زملاؤه بسحبه الى الخلف رغماً عنه وهو يمانع ويؤكد لهم أنه سيقاتل اعتماداً على سماع مصدر إطلاق النار من جهة المعتدين الغزاة.

بدأ الضغط من قبل المقاومة على الغزاة وتم البطش بمن هم في المقدمة وبدأ الانسحاب من الغزاة للخلف.

أحد المسنين الذي حكى لنا بعد المعركة كان في منزله لم يغادر وفضل التخفي في اركان غرفته. كان. يسمع من خلف الجدار اتصال من المليشيات للعمليات يقول لقد ضاقت علينا من جميع الاتجاهات هناك بشر كالتراب .. نريد اسناد نريد تغطية نارية من اجل الانسحاب،،

كان احدهم يوزع الذخيرة للمقاومة التي وصلت متأخرة بعض الشيء. ليبدأ القصف المدفعي الكثيف على ذلك الدار الابيض الذي في الصورة. كانت القذائف كثيرة، حتى ان خزانات المياه انفجرت بسبب الشظايا والنفش .. وسالت المياه على الطريق المرصف ووصلت المياه الى اسفل الجبل.

بعضهم اصابته بعض الشظايا الصغيرة وكنت ألاحظ المجاهدين الكل يسعف الآخر.

الكثافة النارية كانت كفيلة بإيصال رسالة أن الغزاة قيد الانسحاب .. فكل المجاهدين اكتسبوا خبرة. وعرفوا التكتيكات.

وكنت اسمع احدهم يقول اثبتوا في أماكنكم فوالله ان هذا القصف تغطية لانسحاب من تبقى. وكان كذلك.

لا أخفيكم علماً أن من انسحب منهم انسحب الى فكي أسد، لقد استقبلهم في الجهة الشرقية من دار الحيد. الشهيد البطل شهيد معركة العرشي (علي عبداللاه الخويل) رحمة الله تغشاه. كان مع مجموعته ومجموعة المناضل حمادة علي صالح كانوا في المرصاد للمنسحبين.

كذلك المناضل الشجاع الذي فقد إحد عينيه في تلك المعركة، المجاهد بكيل شايع وهو الان لازال يعاني من اصابته ولازال الى الان يتنقل من مستشفى الى آخر.

من المواقف الطريفة في تلك المعركة .. الكل منشغل اثناء الانسحاب من المليشيات وكثافه التغطية النارية. والاختناق من كثرة الغبار والدخان .. نظرت الى خلف احد المنازل .. لأشاهد احد الاطفال يجلس قدم على قدم ويناظر المعركة بكل برود .. (ابن ناصر كشيش).

نعم الأرض والعرض والدين هي من أخذت شهداء العزة والكرامة أمثال:

هاني مساعد محمد محسن

عدنان أمين

حسام محسن الحود

محمد عبدالله حسين البصله .

وليد مصطفى علي حسين .

أكرم محسن عسكر ..

عبدالجليل العيشور

الفدائية الجامحة من جعلت الشهيد إياد الخطيب والجريح (الكفيف) كمال الجبني وغيرهم يعتلوا شرف الدفاع عن هذا الوطن في لحظات تلقائية لا فيها تردد ولا فيها مواربة وليسوا حالة نادرة مطلقاً فغيرهم كثير من الأبطال الذين صنعوا النصر في الضالع وفي عدن وفي لحج وأبين وشبوة ولازالوا يصنعوه في مكيراس وكرش وبيحان وكما انتصر (كمال) وهو يضع حب الوطن في عينيه ويغمضهما في معركة (جبل دار الحيد) وحصنه المنيع انتصر الوطن بشموخ رجاله، وهم يدافعون عن كل شبر في هذه الأرض الطاهرة .

ارجوا ان يعذروني من لم يسعفني ذكرهم في هذا الموضوع..

أخبار ذات صله