fbpx
عدن …من الدحبشة إلى الدعوشة – د . عبده الدباني
شارك الخبر

في تاريخنا الإسلامي  يوجد لدينا نموذج للتطرف؛ بل نماذج له على المستوى السياسي والمستوى الديني وحتى على المستوى الاجتماعي- مع ان الإسلام هو دين التوسط والاعتدال واليسر،- وان ( الصراط المستقيم) يعني فيما يعني الاستواء  والتوسط  وعدم الانحراف  والتطرف.

 وسنحاول في هذه الحلقة ان نلم إلمامة سريعة بظاهرة ( الخوارج) في تاريخنا العربي الإسلامي بوصفها نموذجا  أو مثالا للتطرف والعنف وعلى الرغم من اختلاف الزمن وأسباب التطرف فان هناك خصائص مشتركه  تجمع المتطرفين في كل عصر ٠

أول ظهور للخوارج تحت هذا الاسم كان في عهد الإمام علي رضي الله عنه ؛ حيث انشق من أنصاره وجيشه عدد من المسلمين٠ وخرجوا عن طاعته وولايته بحجة انه حكم في دين الله تعالى إي قبل التحكيم بينه وبين معاوية رضي الله عنهما؛ فرفع الخوارج شعار( لا حكم إلا لله) فقال الإمام علي في ذلك الشعار : هذه كلمة حق أريد بها باطل) فالحكم لله حقا ولكن لابد للناس من إمام اوحاكم سواء عدل أم ظلم    فهو مسئول  أمام الله ولا باس في التحكيم بين المتحاربين أو المتخالفين ؛فالله تعالى قد أمر بالإصلاح والتحكيم حتى بين الرجل وزوجته فما بالك في شؤون يترتب عليها استقرار الأمة وازدهار دينها ودولتها.ولكن الخوارج تصلبوا في فهم هذا النص  واخطئوا  في تأويله واخذوا بحرفيته .

وهكذا سار الخوارج مخالفين لسائر الأمة وللدولة  الإسلامية  والخليفة الراشد الرابع  ؛ وقد كفروا  الخليفة نفسه وهو أول صبي يدخل في الإسلام ومن المبشرين بالجنة وقد  نشا في كنف النبي صلى الله عليه وسلم.

بعث إليهم الإمام  من ينصحهم ويحاججهم فعاد البعض منهم إلى صفوف جيش الخليفة وظل  آخرون مشردين يرفعون السيف في وجه الدولة وكل من يخالفهم في رؤيتهم ؛ ويكفرون من سواهم من الأمة ويستحلون أموالهم واعراضهم .لقد ضعضعوا الدولة  بكثرة حروبهم وغزواتهم وبراعتهم في القتال خاصة في العصر الأموي ولكنهم لم يصلوا إلى  الحكم يوما بسبب تطرفهم واهتمامهم بالحرب فقط على حساب السياسة  فلم تكن عندهم رؤية واضحة وعملية  للحكم وسياسة الدولة وقيادتها  وانشغلوا  بالحرب وكأنها غاية بحد ذاتها وسجنوا أنفسهم داخل شعارات نظرية مثالية  لم تلائم طبيعة الواقع ولا روح الدين الإسلامي الحنيف ومرونته وتسامحه .

كان الخوارج يكثرون من الصلاة والصيام وقراءة القران وينشدون الشهادة في سبيل الله تعالى ويبكون من خوف الله ؛ وقد فاضت أشعارهم بالحماسة والزهد في الدنيا ورثاء شهدائهم مفتخرين بهم ؛ ولكن الخوارج اخطاوا طريق الرشاد والسداد والجهاد ؛ واستنفدوا كل طاقتهم في قتال أبناء جلدتهم من المسلمين في جيش الدولة  وغيرهم وقد اثر ذلك على حركة الفتوحات الإسلامية تأثيرا سلبيا

ومن مظاهر تطرفهم أنهم كانوا فرقا مختلفة فهناك الازارقة والنجدات والاباضية والصفرية ؛ لأنهم كانوا يختلفون في أتفه  الأمور فيترتب على هذا الاختلاف ظهور فرق جديدة  وأتباع لهذا وذاك ؛ لقد كانوا  يخوضون في التفاصيل وتفاصيل التفاصيل فيختلفون  وإذا ما اختلفوا انقسموا  وتعددت فرقهم ؛ وقد قال الله تعالى( يا أيها الذين امنوا لا تسالوا  عن أشياء  ان تبد لكم تسوؤكم) ولكن الخوارج كانوا يسالون عن هذه الأشياء فيختلفون ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم( ان الله كره لكم قيل وقال   و إضاعة المال وكثرة السؤال ) فمن حق المرء ان يسال عن دينه وفي دينه وهذا  أمر مرغوب ولكن التمحل في السؤال والإمعان في أمور غيبيه ليس مرغوبا  خاصة  لدى عامة الناس  مثل ذلك الذي سال احد الأمة  عن معنى  قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى) اذ سال  كيف استوى  الله على العرش؟ فقيل له : الاستواء  معروف في اللغة والسؤال عن كيفيته  بدعة ٠

بمعنى  انه لاحاجة لمثل هذه الأسئلة ولا طائل  من ورائها لاسيما  حين يترتب على الإجابة  الخاطئة أو الناقصة سلوك ما يضر بالآخرين فقد قيل:  ان نصف الطبيب امرض الناس ونصف العالم كفر الناس .

ومما يلاحظ في جماعة الخوارج  حين ظهروا على  مسرح الاحداث لأول مرة انه لم يكن احد منهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أكثر الخوارج أعرابا من سكان البادية ولم يكونوا من    فهذا الأمر له دلالة  نفسية واجتماعية ودينية.

 

أخبار ذات صله