fbpx
في الذكرى السبعين لإنشاءها .. الأمم المتحدة في ذروة النضج أم في منحدر الأفول
شارك الخبر

يافع نيوز – متابعات خاصة :

احتفلت دول العالم بالذكرى السبعين لإنشاء الأمم المتحدة خلال انعقاد دورة جمعيتها العامة لهذا العام، مؤخرا، في نيويورك. وقد تطرق رؤساء الدول ورؤساء الحكومات أو من يمثلهم، من أعلى منصة الجمعية العامّة، إلى تقديم تصوراتهم حول أوضاع بلدانهم وكيف ينظرون إلى المهام الملقاة على عاتق المنظمة الأممية وآليات عملها في ضوء التطورات والأحداث الإقليمية والدولية الكبرى التي يشهدها العالم. وقد كان لموضوع محاربة الإرهاب على الصعيد الدولي حضور وازن في مداخلات عدد من الدول وخاصة منها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا رغم اختلاف وجهات نظر الأطراف المتدخلة إلى هذه الظاهرة التي أصبحت تهدّد بشكل جدي أمن العالم واستقراره.

ولعل السؤال المحوري الذي يكمن وراء سيل التصورات التي تمّ التعبير عنها، رغم أنّ بلورتها لم تتم بصيغ مباشرة وواضحة، مفاده؛ مالذي يعنيه حلول الذكرى السبعين لتأسيس الأمم المتحدة؟ هل يعني أنّها قد بلغت ذروة نضجها السياسي وأن الاحتفال بعيد ميلادها يمثل منعطفا جديدا في تاريخها باتجاه العمل بحيوية أكثر في سياق تطبيق مبادئها وتفعيل إجراءاتها بما يتلاءم مع مختلف الأوضاع المستجدة على مختلف الأصعدة الإقليمية والدولية، أم أنّ هذه المنظمة الدولية قد قطعت خطوات متقدمة في طريق أفولها؟

ومن الثابت أنّ الآراء ستكون متباينة لدى محاولة الإجابة على هذا السؤال، نظرا إلى كونها ستكون منوطة بتقييمات الأطراف الإقليمية والدولية لأداء المنظمة الدولية في إطار وظيفتها المعلنة وهي المحافظة على الأمن والاستقرار الدوليين والبت في النزاعات بين الدول بما يخدم هذه الغاية إيجابا أو سلبا. والأمران معا تحددهما انتظارات القوى الإقليمية والدولية انطلاقا من تصوراتها المتباينة لمسألتي السلم والأمن الدوليين على قاعدة المصالح التي تدافع عنها والتي تحاول أن تقدمها إلى العالم باعتبارها مصالح شاملة وليست مرتبطة بالمصالح الخاصة والحصرية لهذه الدولة أو تلك وخاصة دول مجلس الأمن الدولي دائمة العضوية.

وبطبيعة الحال فإنّ خطابات الرؤساء أمام الجمعية العامة لا يمكن أن تخفي مرارة الكثيرين من عدم قدرة الأمم المتحدة على تحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقها بموجب ميثاقها في مجال حماية السلم والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي. وليس الأمر متعلقا في هذا المستوى بترك الكثير من النزاعات الإقليمية والدولية خارج دائرة الحلول الملائمة مع احترام مبادئ القانون الدولي خاصة بالنسبة للحقوق الوطنية للشعوب وفي مقدمتها حفظ سيادة دولها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية فحسب، وإنما يتعلق أيضا بتورط عدد من الدول الكبرى في جملة من الأعمال والممارسات التي تضرب عرض الحائط بمبدأ المساواة بين الدول الأعضاء في مجال السيادة، كما تجلى من خلال غزو دول لأخرى والإطاحة بأنظمتها السياسية بدعاوى زائفة.

ترجيح كفة المصالح السياسية والإستراتيجية الخاصة لعدد من الدول العظمى فتح المجال على مستوى آخر أمام تشكيل تحالفات دولية متعارضة في أهدافها الى حد بعيد

وبالفعل، فقد برز بوضوح، خلال سنوات عديدة ماضية، توجه قوي ومثابر لدى بعض الدول التي تمتلك نفوذا كبيرا على الصعيد الدولي نحو اعتماد مصالحها السياسية والإستراتيجية الخاصة نقطة انطلاق حصرية ومعيارا وحيدا للنظر إلى مختلف القضايا الإقليمية والدولية، حيث باتت تمارس كل أشكال الضغط والإكراه والابتزاز في بعض الأحيان تجاه الدول الصغيرة التي ترفض إملاءاتها المتناقضة مع ميثاق الأمم المتحدة.

ومع تنامي هذا الشعور لدى عدد من الدول التي تعتبر نفسها ضحية مباشرة أو من المرجح أن تصبح في يوم من الأيام في موقع الضحية جرّاء هذا التوجه المناقض لمقاصد الأمم المتحدة وميثاقها، علت أصوات منذ أكثر من عقدين من الزمن تدعو إلى إصلاح جذري للمنظمة الدولية، بما يتناسب مع مقتضيات القيام بمهامها في حفظ الأمن والسلم العالميين.

ويمكن القول في هذا السياق أن التعثر الملموس في حل النزاعات الإقليمية والدولية ليس العامل الوحيد وراء الدعوات إلى إعادة النظر في عدد من آليات اتخاذ القرار على الصعيد الأممي، بل إن بروز قوى جديدة إقليمية ودولية مؤثرة على مختلف مستويات صنع القرار الدولي يدفع هو أيضاً إلى ضرورة أخذها بعين الاعتبار على صعيد أي إصلاح ممكن لمؤسسات الأمم المتحدة بما في ذلك مجلس الأمن الدولي._63791_vv3

وعلى الرغم من أنّ هنالك اتجاها على المستوى الدولي إلى أخذ مواقف القوى الجديدة بعين الاعتبار، بخصوص العمل على مواجهة عدد من التحديات على المستويات الإقليمية والدولية وعلى صعيد التعاطي مع عدد من الملفات عالية الحساسية، كما حدث خلال فترة هامة من المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني من خلال إدماج ألمانيا ضمن اللجنة الأممية التي قادت المفاوضات على مستوى مجلس الأمن الدولي، إلاّ أنّ ذلك لا يعدّ كافيا لإحداث التغيير الذي يتطلّبه وضع المنظمة الأممية لتكون مواكبة لمستجدات الأوضاع الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية بما يخدم أهدافها المعلنة في ميثاقها وفي مختلف المعاهدات الدولية ذات الصلة، حيث أنّ هنالك دولا كبرى تتطلع إلى لعب أدوار على مستوى صنع القرار الدولي تتناسب مع أحجامها السياسية والاقتصادية والعسكرية والتي ترى أن تشكيلة مجلس الآمن الدولي الحالية لم تعد تعكس بشكل موضوعي خريطة القوى الدولية الراهنة. وأنه ينبغي اتخاذ قرار حاسم على مستوى مجلس الأمن باتجاه توسيعه بإضفاء صفة العضو الدائم على عدد من الدول مثل ألمانيا والهند وربما البرازيل.

الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي متشبثة بمحصلة نتائج الحرب العالمية الثانية التي كرست هيمنتها لكن يبدو أن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي غير متفهمة لهذا التوجه من خلال تشبثها، في الواقع، بمحصلة نتائج الحرب العالمية الثانية وغير مستعدة إلى حد الآن لتجاوز هذه النتائج التي كرست هيمنتها على المجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة.

وبناء عليه فإن انسداد أفق الحل أمام عدد من النزاعات الكبرى لا يمكن أن يجد تفسيرا مقنعا له دون الأخذ بعين الاعتبار تشبث دول مجلس الأمن الدولي باحتكار القرار على المستويات الإقليمية والدولية وإخضاع العلاقات بينها لمبدأ توافق من نوع خاص. ذلك أنه في الوقت الذي يدعو فيه ميثاق الأمم المتحدة إلى اعتماد التوافق بين الدول العظمى في التعامل مع عدد من الصراعات التي عليها العمل على إيجاد حلول لها، فإن الواقع العملي الذي يفيد بأن تجنب التوصل إلى أي توافق سلبي باعتباره توافقا لا يساعد بتاتا على حل المشكلات والمعضلات التي تواجه المجتمع الدولي على صعيد الكثير من النزاعات، حيث تتقاطع مصالح أطراف عدة أو تتعارض بخصوصها، قد أدى إلى أحد أمرين: الأول يتعلق بالعمل على استصدار قرارات بصيغ وعبارات غير دقيقة، حيث تسمح لكل الأطراف بتقديم تأويلها الخاص انطلاقا من مصالحها.

وهذا لا يساعد على تنفيذ تلك القرارات على أرض الواقع، لأن تعارض القوى حولها يحولها إلى قرارات لا تتجاوز نوعا من الإعلانات المبدئية المرتبطة أولا وأخيرا بطبيعة موازين القوة بين الأطراف المعنية، الأمر الذي يؤدي إلى تعطيلها وتحويلها إلى رفوف المنظمة الدولية. أما الأمر الثاني فهو ترك النزاعات عرضة لمفاعيل الزمن وتقلبات الموازين بين القوى المتصارعة مما يساهم في تعفّنها مع مرور الوقت ويحول دون بروز أي بصيص من الأمل في التوصل بشأنها إلى حل مقبول من الأطراف الأساسية للنزاع. ولعل القضية الفلسطينية تقدم أفضل مثال على ذلك.

ومن الواضح أن فقدان الأمم المتحدة لطابعها المرجعي في مجال العمل على حل النزاعات وترجيح كفة المصالح السياسية والإستراتيجية الخاصة لعدد من الدول العظمى في تناقض صريح مع نصوص ومقتضيات ميثاقها قد فتح المجال على مستوى آخر أمام تشكيل تحالفات دولية متعارضة في أهدافها الى حد بعيد، مما قد يخلق مناخا خصبا لبروز اصطفافات إقليمية ودولية يمكن أن تكون وراء خلق أو إذكاء صراعات بين تلك التجمعات والتكتلات الناشئة خارج منظمة الأمم المتحدة وربما بما لا يتوافق كذلك مع مبادئها ومقاصدها الأساسية.

ولعل هذا ما يطرح بجدية ضرورة إصلاح هذه المنظمة لتستوعب مستجدات السنوات الأخيرة على صعيد التحديات الاقتصادية والسياسية كما على صعيد بروز قوى جديدة ينبغي أخذ مصالحها الحيوية بعين الاعتبار.

 

  • العرب اللندنية :
أخبار ذات صله