fbpx
الخطاب الذي شد اهتمام الجالية الجنوبية في شيكاغو .

الخطاب الذي شد اهتمام الجالية الجنوبية في شيكاغو .

الدكتور محمد صالح فاضل الصلاحي
روتشستر – نيويورك

في نهاية يونيو اتصل بي من مدينة شيكاغو الناشط السياسي ورجل الاعمال الجنوبي الامريكي المعروف احمد عبدالله سالم الوالي طالباً مني باسم اللجنة التحضيرية والجالية الجنوبية في الحضور والمشاركة كواحد من المتحدثين الرئيسين في حفل مخصص لتنظيم حملات دعم للجنوب مادياً ومعنوياً وكذا شراء بناية تكون مقراً لمؤسسه تربوية اجتماعية خيرية عدنية.

امريكا كما تعرفون هي بلد العمل والتنافس والانضباط ..لذا اي نشاطات تحب ان تمارسها خارج نطاق الوظيفة عليك ان تعتمده في برنامج أيامك في وقت مبكّر حتى لا تتزامن وتتعارض مع مهامك الوظيفية .. تشعر وكأنما انت في صراع وكفاح دائم من اجل البقا والتطور .
بأم عينيك تشاهد كيف تهوي وتسقط مؤسسات ضخمه وقوية بسبب تسيب او تراخي أفرادها وعدم مواكبتهم واستيعابهم للثورات العلمية والاقتصادية وتكنلوجيا المعلومات وعلى أنقاضها تظهر للوجود مؤسسات اخرى بدماء وافكار جديدة مستوعبة متطلبات العصر .. بسبب قوة تضارب المصالح لن يبقى صامداً في وجه المنافسات القوية إلا من واكب التطور وزرع بين افراد المؤسسة ثقافة الفريق الواحد وزاحم بوعي وبصيرة.. فالبقا دائما للأقوى والاكثر تطور وحداثة .. فالمؤسسات تستمد قوتها من قدرة ومؤهلات واخلاص أفرادها ودرجة اذكاء روح الانتماء لدى الأفراد حتى يشعرون بانهم جميعاً يملكون تلك المؤسسة ويجتهدوا فيها كفريق عمل واحد يكمل بعضهم بعضا ..هكذا تبنى المؤسسات وكذلك الاوطان.
فالتفرغ لأي نشاط آخر من شأنه ان يبعدك عن التزاماتك تجاه المؤسسة التي انت احد افراد فريقها ومن يتعاملون معك فيقل بسبب ذلك دورك ومصداقيتك بل وأهميتك في المؤسسة والمتعاملين معها وبهذا تمنح التفوق والانتصار لمن ينافسك بذات المجال..

كُنّا حينها وبسبب ما تتعرض له عدن من دمار واهلنا من قتل وتنكيل نشعر بتغير أولوياتنا ومهامنا في الحياة والعمل ..فمأساة الوطن قد فتحت امامنا افاق واسعة من التساؤلات مرفقة بقراءة موضوعية للواقع المعقد وما آلت اليه الامور وهكذا بدأنا نعيد قرأت التاريخ حتى نستلهم العبر و نتعمق في فهم الأسباب الرئيسية التي أوهنتنا .. فأدركنا بان تشرذمنا وانغماسنا في الحياة وبالذات هو أساس ضعفنا وان كُنّا يوماً الأقوياء بتاريخنا ومثلنا وحضارة ناسنا .. فالأهداف الدنيئة لتلك الحرب وهمجية منفذيها جعلت الانسان الجنوبي يستفيق من سباته ومن سلميته .. ففي الوطن تعاهدت الناس امام رب العرش على وحدة الصف والمترس وفي المساجد اتحد الخطاب الديني وارتفعت أصوات الحق يعلنها في سماء عدن أئمة المساجد عبر مكبرات صوت مآذن عدن بحيا على الجهاد. والاكثر هناك في الوطن وبسبب استشراء ظلم الطغاة والغزاة ليشمل كل الجنوبيين، ذابت الخلافات و تشكلت المقاومة الجنوبية ومعها توحدت المتارس وجبهات النضال فاختلط الدم الجنوبي في حرب الجهاد المقدس من اجل حرية الوطن وكرامة الانسان ..
وفي خارج حدود الوطن حيثما وجد الانسان الجنوبي اي في كل اصقاع المعمورة عاد ابن الوطن بسبب كبر حجم المصيبة يفتش عن أخيه ويحن الى من يشاركه همه ومعاناته .
مثل اي دوله في العالم خارج حدود الوطن هنا في امريكا تألمنا وانسحقت مشاعرنا عندما انسحق الوطن فحنينا لبعضنا وبحثنا وفتشنا عن بعضنا في كل المدن والولايات عن من يشاركنا المأساة والالم والدموع فنشكي لبعضنا عن هموم الوطن ومعاناة شعبنا ونواسي بعضناً بمشاعر فيها شيء من التفاؤل ونبحث عن اليات ووسائل الوقوف والدعم مادياً ومعنوياً لنصرة الصامدين من اهلنا في وجه العابثين بارضنا والقاتلين لأهلنا.

يبدوا ان ظلم تلك الحرب قد افاقتنا من سباتنا العميق لنفتح اعيننا على حقيقة ان واحد من اهم عوامل نجاحنا في تحقيق اهدافنا لنصرة الوطن ورفع معاناة ابن الوطن هو ان علينا ان نعيد وحدة وانتظام صفنا في الداخل والخارج .. فهنا علينا ان نؤسس جمعيات ببرنامج ونظام داخلي واضحة المبادئ والاهداف لا يتعارض مع قوانين وانظمة البلد لكنه يخدم وجودنا وقضايانا العادلة .. بهذه الاعمال سنثبت للعالم الحضاري وكل المنظمات السياسية والإنسانية المتواجدة على الارض الأمريكية باننا بحق ابنا عدن اي ابنا الحضارة والسلام وسنمثل عدن في محنتها عبر مؤسسات نعكس فيها تلك الثقافة المدنية العدنية ..فيفهم ويستوعب ويقتنع العالم بخطابنا وبعدالة قضيتنا.

رغم قرب موعد اللقاء والتزامات العمل الاّ انني لم استطع رفض ذلك الطلب ..
أسباب كثيره جعلتني اعتمد هذا الطلب في اعلى قائمة مهامي وان اغير برامج عملي حتى أحقق ذلك الطلب .
أولاً -لان أهداف هذا اللقاء هو خدمة الوطن وابنا الوطن في اصعب واخطر مرحله يمر فيه وطننا الاول الجنوب العربي .
ثانياً – مدينة شيكاغو عزيزه على قلبي اذ أنها كانت بالنسبة لي مدينة الانطلاقة في الدراسة والعمل وأبناء الجالية الجنوبية هناك كانوا مصدر الهاماً وعوناً لي في فترة التحضير لامتحانات معادلة الشهادة والحصول على رخصة الممارسة الطبية

ثالثاً :- أتى الطلب من اللجنة التحضيرية التي اعتز بكل اعضائها ومن رئيسها احمد الوالي الذي خبرنا عنه ولسنوات طوال حبه وولائه للوطن وللشعب الجنوبي ..هذا الانسان يعمل كل الخير للوطن وابنا الوطن في اي مكان وزمان ولكن بصمت دون ان يطلب من احد مدحاً أو شكراً ، واحد من نماذج كرم هذا الانسان هو انه فتح أبواب مستشفاه في عدن المنصورة (مستشفى الوالي ) واستقبل جرحى سنوات مرحلة الحراك السلمي الجنوبي.. فتوجيهاته للطاقم الاداري والطبي كانت في ان يقدموا كل العناية الطبية المجانية لأي حراكي جريح برصاصات قوات الأمن أو الاضرار الجسدية والنفسية المترتبة عن الاعتقال والتعذيب التي كانت تمارسه الأجهزة الامنية ضد من يرفعوا شعار حق الانفصال كطريق وحيد لاستعادة الحرية والكرامة للجنوبين على ارضهم ووطنهم .. وبرز اكثر دوره وموقفه بشكل جلي عندما اشتد في عدن القتل والدمار ، سوى هنا في امريكا او هناك في الوطن اذ ان مستشفى الوالي واصل مثل غيره من المستشفيات والعيادات وبوتيرة عالية تقديم الخدمات المجانية للجرحى والمصابين .. بالإضافة الى انه واحد من العناصر النشطة في الساحة الامريكية .. مثل هولا الناس المُجربين والمعروفين بولائهم للوطن لا يمكن لأي إنسان الاّ ان يرفع لهم القبعات احتراماً وان لا يخذلهم في اي موقف او طلب ..لذا كان علياّ كتابة الكلمة التي تتوافق مع طبيعة الحدث والتجهيز للسفر الى مدينة شيكاغو .

قبل اكتساح عدن كان من الصعب ان يجتمع كل الناس في اي حدث تدعي له الجاليات في المدن المختلفة .. لكن بسبب تلك الحرب اللعينة ، اكتظت القاعة التي احتضنت هذه الفعالية بالحاضرين وهناك في كراسي الصفوف الاولى للحاضرين كان يقعد بهدوء وتواضع والدي اللواء صالح فاضل أومأ اسميه انا في كتاباتي بالجنرال .

عندما يكون مطلوب منك ان تقدم الخطاب السياسي والثقافي المتزن والهادف وهوا ليس مجال تخصصك وخبرتك يصبح للقاعة الواسعة والمكتظة بالحاضرين رهبة وبالنسبة لي كان للجنرال رهبة اكبر … سالت نفسي كيف سأتحدث للجنوبيين باللغة الجنوبية التي يفهمونها ويحبوها ؟؟ والتي لن يخلوا فيها الخطاب من الحنين لزمن السيادة والكبرياء والاشادة بزمن احترام الكفاءات اي زمن التواضع والبساطة والتنكر للذات والأنا وهناك في الصفوف الأمامية يجلس من هو أجدر مني بل واحد من جنرالات الجنوب الذي ساهم مع رفاقه في النضال في انتزاع الحرية وبنا صرحاً فريدا من السلطة الوطنية الديمقراطية المستقلة وشاركَ بفاعليه في حماية حدود الوطن من العابثين اعداء الامس واعداء اليوم واراه امامي ينتظر ويُنصت مع الحاضرين لما أقوله ..
شعرت وكأنما انا في موقف لا اُحسد عليه.. لقد ادركت انه كان من اجل الانصاف لتاريخه ودوره وخبرته الطويلة في الحياه بتنوع محطاتها وظروفها في ان يكون هو ضيف الشرف وليس انا وهو افضل من يلقي الخطاب الواقعي ويقدم العبر والنصائح وليس انا بخبرتي البسيطة والمتواضعة ناهيك عن شحة تجاربي وقلة محطات حياتي وبساطة تنوع أحداثها ..

احسست في الثواني الاولى من وقوفي امام الميكرفون وكأنني أمارس الثقافة التي كانت احد أسباب ضعفنا وتفككنا وعدم تقبل بَعضُنَا ..اي ثقافة ”الغاية تبرر الوسيلة ” والتي فيها يبرز حب الذات والظهور والمنافسة الغير شريفه على السلطة والجاه والتي فيها نهمش اكفأنا وأفضلنا وانزهنا تاريخاً ..
خلال ثواني من الحيرة والارتباك قررت لا ارادياً ان اقدم كلمه مرتجلة انصف فيها هذا الجنرال والانسان وبعدها اقرأ ما كتبته من خطاب اقتنع بمحتواه اللجنة التحضيرية ..

بدأت خطابي بان اعتذرت للجنه المنظمة للقاء والحاضرين في انني سأخرج عن النص وسآخذ من وقتهم ما يكفي لان أروي لهم قصه حقيقيه جرت فصولها في الخمسة العقود الماضية ولازالت فصولها مستمرة .. موكداً لهم بان بطلها يجلس بتواضع في هذه القاعة ..وان يعذروني اذا ضاعت مني الكلمات او تسلسل الخطاب لان فكرتها تكونت من وحي اللحظة وان الهدف من سردها هوا التأكيد على دور الآباء في حياة ابنائهم .. واقترحت عليهم ان اسميها (قصتي مع الجنرال )..

اكملت خطابي المرتجل وقرأت بعدها الخطاب المكتوب .. تعجبت كيف لامس الخطاب المرتجل مشاعر ألابا والأبناء وكل الحاضرين .. قد يكون بسبب حقيقة تفاصيله واهمية أخذ العبر والدروس منه وتواضع بطل القصة.. من حينها وهم يطلبون مني كتابة ( قصتي مع الجنرال ).

يتبع في الحلقة الثانية ..