fbpx
دروب الهلاك المبهمة- كتب:محمد الذيباني
شارك الخبر


قصة “معاذ” الشاب العشريني الذي فجر نفسه مؤخراً أخذت صداها بين الأوساط العدنية ، علامات تعجب واستغراب بدت واضحه في ردود الفعل ؛ معاذ خصوصاً ، فحجم التحول الذي عاشه أدهش الجميع إذ لم يكن من رواد المساجد أو طلبة العلم بل شاب يتابع الموضة ويعيش عصره كما يجب ، وبين ليلةٍ وضحاها يتحول لشاب متطرف يضحي بنفسه من أجل فكرٍ ظال.

تحول كهذا يحتاج لقدرات خارقه في الإقناع ، وكتجربة شخصيه ؛ مررت بمحاولة إقناع أربكتني وكادت تغير حياتي مع أحد المناصرين لـ “دولة الخلافة”، تاريخه وتجاربه التي حدثني عنها أوضحت أنه لم يكن عضواً عادياً فيها ، بل من “المخضرمين” في دروب التطرف.

كالعادة وفي ظل النظام الفاسد إذا أردت أن تتم معامله حكومية عليك التحلي بالصبر وإخلاص النية لإداء مناسك المعاملة ، كانت معي معامله دراسية وشهادات تحتاج للتعميد لذا بدأت بالإحرام من مقر الإدارة المحلية في دار سعد ثم إدارة التربية في خور مكسر بعدها لوزارة الخارجية ، ولأني لم أكن أمتلك سيارة أخذت أحد “التاكسي” المتوقفة في شارع التسعين بجانب “مخبازة الحمادي”.
كانت السيارة من نوع كورلا بيضاء ، فيها سجادة صلاه مع مصحف وبعض الكتب والأشرطة الدينية ، وكان سائقها رجل كثيف اللحية ، يبدو في منتصف الاربعين إن لم يفقه ، رث الثياب ، بمقدمه صلعاء مع تدلي بعض الشعيرات من خلف عمامته ، عند دخولي ألقيت التحية وردها عليّ بإحسن منها ، أخبرته بالوجهة ، فخيم بعدها صمتٌ يخترقه صوت المحرك وقرقعة السيارة ، لكن ما أثار إنتباهي هي تعليقه المفاتيح التي كان يتدلى منها سلاح “الكلاشنكوف” الصغير ! لا أعرف لماذا !
لكنها سلبت تركيزي وجلست أحدق فيها بعنف !

بعد تخطينا مسافه ليست بالطويلة مررنا على معسكر الدفاع الجوي والذي كان على يسار السائق ، وكانت هناك نقطه للأمن بسبب مشكله حدثت في ذلك الوقت ، عندما أبصرهم تغيرت تعابير وجهه واختفت تلك الإبتسامة التي استقبلني بها وبدأ يلعنهم بوجهٍ عابس مشرئبٍ بحمره.
لوهله ظننته من سلفييّ الفيوش واستغربت صنيعه ، وكان بيننا وبينهم جدال ونقاش ، لا سيما في إحدى المساجد القريبة من مسكني ذات الفكر المعتدل ، دائما ما كانوا يناقشونا في أمور فرعيه وكنا نرد عليهم ، وكانت لي سوابق في هذا المجال لذا قررت أن استفسر عن الاسباب ؛ ما إن ذهب العبوس من وجهه واتزنت ملامحه سألته ساخراً :
من الغرابة أن أجد هذه الألفاظ تخرج من أمثالك لأنك تمثل طائفه محسوب الدين في لحاهم ؟!

رد بهجوم آخر ووصفهم بجنود الطاغوت ومن يعينونه على الفساد ، وذكر لي قصة الإمام احمد ابن حنبل مع السجان وبدأ يلعن الرئيس ويصفه بخادم امريكا ، وعميل الشرق والغرب !
من كلامه عرفت أنه ليس منهم ، ليس من من يلتزمون بطاعة ولي الأمر ويحرمون الخروج عليه ، بل ممن يكفرونه ويقتلون كل من له صلة بالحياة.

بدأنا بالنقاش وبدأت الأسئلة والبراهين تنهال من الطرفين ، أعتقد أني كنت مناقشاً جيد وهذا ما أثار أنتباهه وتوسعه بشرح وجهة نظره ، هذا ما بدت عليه في البداية “وجهة نظر” ، طال الحديث ، وعندما وصلنا لمبنى الإدارة المحلية نزلت أرى شأني وخرج من سيارته وأخرج سجادته ونأى بنفسه لظل شجره وبدأ بالصلاة حتى رجعت وهو على صلاته ، لا أخفيكم ؛ هذه اللحظة شعرت وكأني أنظر إلى أحد السلف ، أعجبت به وبطريقة حديثه وعلمه الشرعي الذي بدى بحراً أمامي وتمنيت أن نكمل النقاش وهذا ما حدث ، ركبنا في السيارة وعدنا لما كنا عليه ، كان يفترض أن نذهب للمشوار الثاني لكني قررت تأجيله لأهمية الموضوع “هكذا وجدته مهماً” ، جلسنا في السيارة أكثر من ساعتين حتى قطع حديثنا مؤذن الضهر يصدح في إحدى المساجد القريبة منا ، سألني إذا ما كنت أريد أن اقضي بقية معاملتي معه وأعطاني رقمه وحين طلبت اسمه أعطاني كنيته ، أعطيته أجرته وأكرمته إلا انه رفض وأرجع لي نصف المبلغ ، ذهبنا للصلاة وبعدها ذهب كلٌ منا في سبيله.

كان كلامه كوحي فتح بصيرتي إذ مكثت أفكر في كلامه طيلة اليوم ، فتحت النت وبدأت أبحث عنهم وعن افكارهم ومنهجهم ، قرأت أشياء كثيره تؤيد وجهة نظري ، حاولت اناظر عنهم أحد أصدقائي الذي كان أعلم مني في الأمور الدينية ، أحببت أن اكون مستعداً للغد ، أتصلت عليه وأخبرته أن يأتي صباحاً في التاسعة ، واتفقت على أن نلتقي في المكان الذي التقيته فيه أول مره “مقابل مخبازة الحمادي” ، لم أكن أريده أن يعرف مكان البيت “لحاجةً في نفس يعقوب”.
حضر في الوقت المحدد وبدأنا مشوارنا ، مع الأيام كنت اطلبه إذا احتجته ، وبدأت حبال الثقة تشتد بيننا ، كان يستقبلني بابتسامه وكان كثير الأسئلة “كنت اتضايق من كثرتها” لاسيما في أموري الخاصة ، أحياناً كنت أرد عليه بأجوبة سياسيه ، أعطاني أرقام بعض الأخوة كما يصفهم وقاموا بضمي لمجموعات تنتمي لهم عبر برنامج الواتس اب ولا زلت أحتفظ ببعض أرقامهم حتى الآن ، وفي يوم كنا في طريقنا من كريتر إلى المنصورة ، وكان يتكلم عن العراق والبغدادي ، لا أنكر تأثري بكلامه إلا أني لم أقتنع قناعه كامله ، وكنت دائماً في موقف المعارض ، قال لي سأخبرك سراً ولكن أريدك أن تعاهدني الله وتقسم لي أن تحفظه !
قلت ماذا : قال سنقف أمام الله تعالى في يوم تسود وجوه وتبيّض وجوه ، ووالله إذا أفشيت ما أقول فلن أسامحك ، شعرت بالقشعريرة من رأسي لإخمص قدمي ؛ قلت : خير ويش في ؟

بدأ يحدثني عن نفسه وعن منطقته وعن حياته الجهادية التي مرت بأفغانستان وباكستان من ثم العراق وقص علي قصة عودته إلى اليمن التي كانت بعد سنين قضاها في أحد السجون المشهورة وكيف سلمته القوات الأمريكية مع مجموعه معه للسلطات اليمنية ، أخبرني عن اسمه الحقيقي وعندما قلت له أعطني ما يثبت ذلك.
قال: انا لا املك جوازاً او بطاقه ، صادروها مني عندما كنت في السجن ، السجن الذي هربت منه !

في هذه اللحظة شعرت بالخوف ، خوف شديد ، لن اكذب فقد كنت أنتظر حزاماً ناسفاً أو قنبلة ، تشتت أفكاري ، كنت أرد عليه بتلعثم بينما كان يتكلم بحماسه ، شعرت أن الطريق من جولة كالتكس لـ “محطة التسعين” يبعد الف كيلو ، ما إن نزلت من السيارة وأعطيته أجرته شعرت بالأمان وكلما ابتعدت السيارة مني اطمأننت أكثر ، لم أحاول الاتصال به بعدها إلا عبر الواتس اب لكنه لم يكن يرد ، وانقطعت أخباره بعدها.

أخبار ذات صله