fbpx
الحلقه الثالثه والأخيره :- كيف جاءت فكرة هذا الكتاب . (عمران الفدائي والانسان )

قد ينظر البعض إلى ان الكتابة عن مرحلة الطفولة والشباب ليست بالمهمة، لكنني أرى العكس من ذلك، فمن الأهمية بمكان الكتابة عن الواقع الذي عاشهُ اطفال وشباب جيل كامل من أبناء أرياف الجنوب العربي عامة ويافع خاصة الناس، ومن المهم التطرق لظروف حياة ومحن ذاك الزمن والمواقف التي تعرض لها الوالد في العقدين الأول والثاني من حياته والتي اسهمت في صهر وتشكيل شخصيته وسلوكياته في الحياة ، لأن الكتابة عن حياته بدون ذلك ستكون ناقصة ومجزأة وركيكة، كما أن إغفال الحديث عن تلك المرحلة أو المرور عليها مرور الكرام يعني اختزال حُقبة مهمة من تاريخنا.

إن البيئة التي نعيش فيها والناس الذي نتعامل معهم ونتأثر بهم والظروف التي تواجهنا جميعا تشكل الجزء الأكبر من إيماننا وقناعاتنا وبالتالي تبلور سلوكياتنا ونهجنا في الحياة. ففي الفصل الأول من هذا الكتاب يقف القارئ أمام الظروف القاسية التي واجهها الوالد في العقدين والنصف من بداية حياته، وهي التي صهرت شخصيته وشكلت سلوكياته وقناعاته في الحياة، فطريق حياته لم يكن معبداً أو مفروشاً بالورود، بل كان على الدوام وعراً وشاقاً، فنجد أنه كلما تجاوز عقبة انتصبت أمامه أخرى. لكن ذلك لم يثنيه من الصعود، لأنه يمثل ذلك النمط من الناس الذي لن يوقفة شيء حتى يصل إلى القمه لأنه يمقت العيش بين الحفر. لقد عاش وكذا أبناء جيله في صراع شبه مستمر وشبه دائم مع ظروف الحياة وتقلباتها، وتلقى ضربات الحياة المتتالية والظروف القاسية بصبر وجَلَد واقفاً على قدمية بثبات، شاخصاً بأبصاره إلى القمة، مصراً على الاستمرار في المواجهة والصمود، ومع كل صدمة واجهها أو ضربة تلقاها كان يتعلم الدروس وأسرار التحمل والصمود لتحقيق النجاح، فتصلب بسبب ذلك عوده وواجه ما هو أصعب وأشد، فادرك واقتنع بان الضربة التي لا تكسر الظهر تقويه.

لقد تعلم ومارس فن الأخذ والعطاء، فأخذ من بن علي عامر وأحس بجمال أثر ذلك الصنيع والكرم في نفسه وعقله، فمارس واتقن لاحقاً في حياته فن العطاء فأصبح الكرم عادة يمارسها ويتصف بها، مدركاً أن الأخذ والعطاء من أهم فنون الحياة، وإذا كان العطاء كرماً إنسانياً يميز مواقف الناس، وشهامتهم وصفاتهم، فإن الأخذ فن بشري تتعمق فيه الصفة المشرقة والجميلة للنفس، فتعلمك حب العطاء عند المقدرة ومحاكاة الكرام فتترك ذات الاثر في نفوس من اضطرتهم الحاجة للأخذ.

إن حياة الوالد مكتظة بالأحداث ،متزاحمة بالمفاجآت، تفاصيلها دقيقة وكثيرة ،لم نكتب منها الاّ القدر اليسير، ومنها نستخلص العبر الفريدة والغنية، تجعلنا بحق نعيش تجربة انسانية مميزة لإنسان حقيقي تعكس معاناته وهمومه معاناة وهموم جيل لم يكتب عنهم الاّ النزر اليسير.
لقد حاولت ان اقدم ذكرياته عن الطفولة والشباب بأسلوب سهل وبسيط، فهنا وهناك بين سطورها تكتمل عناصر الحياة ومكوناتها، فقد حرص الأب صالح حرص وصف ذلك الواقع الحقيقي لتلك الفترة الزمنية بدقة، متحدثاً عن الناس من الرجال، النساء والاطفال وعن الأرض والطبيعة والحيوانات وعن موروث الناس من العادات والتقاليد وعن شحة الموارد الأساسية للحياة وتأثير ذلك في انتشار الامراض الوبائية التي حصدت ارواح الكثير من البشر.

أرجو أن أكون بهذا العمل المتواضع قد قدمت اجتهاداً أولياً في صنع البداية لكتاب فيه أكثر التفاصيل والأحداث التي لم يستوعبها بعد هذا التوثيق السريع.
في هذه السيرة سنقرأ شيئاً من بؤس الحياة وقسوتها وكفاح الإنسان الدائم من أجل البقاء. ونحمد الله على نعم القرن الواحد والعشرين، ونحني الرؤوس لقوة وجسارة الآباء والأجداد، ونظل نترحم على من حصدت أرواحهم آفات الموت الثلاثة، الجوع والفقر والمرضٍ، في زمن شحة فيه الموارد والامكانيات. ونرفع أيدينا بالدعاء لله في ان يسكن موتى المسلمين وموتانا وكل من وافته المنية وذُكر اسمه في هذا الكتاب في فسيح جناته.