fbpx
يان سياسي رقم واحد

في تقديري الشخصي إذا لم يُقـدِم الجنوب اليوم على خطوة الإعلان السياسي عن قيام الدولة الجنوبية( إعلان الاستقلال), أو على اقل تقدير فرضها على واقع مؤسسات الدولة على الأرض كأمر واقع لدولة  قائمة غير معلنة رسميا في هذا الوقت بالذات الذي تهيئت فيه كل أسباب تحقيق الآمال والتطلعات فلن يستطيعوا بعد اليوم ان يفعلوا شيئا من هذا القبيل إن لم يغتنموا مثل هكذا فرصة. الم تقل العرب قديما:

(إذا هَبَتْ رِياحُكَ فَاغتَنِمها× فَعقبَى كلِّ خافِقَةٍ سكونُ).؟

–           . لماذا الإعلان اليوم؟:

–           أولا: ان الحرب الأخيرة التي شنت على الجنوب  قد نزعت آخر أنابيب جهاز التنفس الاصطناعي عن رئة وحدة عام 94م الجبرية ,وبالتالي فمن المستحيل المحاولة من أي جهة كانت للاستعاضة عنها اليوم بأي شكل من أشكال الوحدة بعد ما جرى من قتل وبطش وتدمير ودماء سالت الى ركب في كل مدينة وقرية وبيت. فحتى مشروع الاقلمة التي تروج له بعض القوى -حتى وان كانت قوى جنوبية بائسة- فهو مشروع قد تجاوزه  الواقع وتخطته الأحداث, وبالتالي فمن السخف الاعتقاد ان الجنوب بعد كل هذه التضحيات و التجارب سيستدرج الى حيلة جديدة  اسمها(وحدة  الأقلمة) أو ما شابه ذلك.!

–           ثانيا: ان دول الإقليم وكثير من دول العالم هي اليوم أقرب ما تكون الى تفهم الحق الجنوبي. فحتى لو افترضنا جدلا انها لن تدعم صراحة قرارا  مثل قرار الإعلان المفترض آنف الذكر, فهي دون شك لن تقف موقفا معاديا له, وهذا  الموقف بحده الأدنى سيكون مكسبا سياسيا.

–           ثالثا: ان القوى الشمالية بكل تنوعاتها هي اليوم في حالة قناعة تامة ولو على مضض بان الجنوب يتسلح أمام العالم بمخزون من المبررات الواقعية  التي تمكنه من إعلان حله لهذه الوحدة التي بنيت على مبدأ غالب ومغلوب, خصوصا إذا ما عرفنا انها -أي القوى الشمالية- تمر  بأضعف حالاتها تجاه الجنوب و تعيش في اسوأ صور الارتباك والترهل الى الدرجة التي من المستحيل معها  ان  تفكر  بفرض الوحدة بالقوة القهرية  ,وهي تعرف ان مثل هكذا تفكير هو ضرب من الجنوب والانتحار, فليس عام 2015م كعام 1994م فقد تغيرت أحوال تبدلت أمور. فلم يعد الشمال بتماسكه وقوته ولا الجنوب بتفككه وضعفه.!

–           رابعا: ان النسيج  السياسي والاجتماعي بالجنوب هو اليوم في افضل حالاته. فإن لم يكن للجنوب غير هذا العامل المهم لكان كافيا له ليعلن عن نص وثيقة إعلان الاستقلال والبيان السياسي رقم واحد.

   نعلم ان البعض سيردد على مسامعنا المقولة المكررة:(مش وقته).وتعاطيا مع هذا المنطق الممجوج نقول دعونا نفترض اسوأ الاحتمالات وهو إن إعلان استعادة الدولة لم يلق أي تجاوب من العالم أو من دول الاقليم. فما الذي سنكون قد خسرناه؟ لا شيء تقريباً. بل على العكس من ذلك, سيكون الأمر لا يخلوا من الفائدة والنجاح وهو ان الجنوب بمثل هكذا قرار تاريخي سيكون قد أوصل رسالة للعالم بانه يسعى بجد نحو الهدف المنشود دون تردد أو مداهنة لأحد, ناهيك عن ان مثل هذا الإعلان ان اتخذ  حتى وان لم يحالفه الحظ من المحاولة الاولى فهو سيكون ايضا بمثابة تقوية وتعزيز لجبهة الاصوات الداعمة للجنوب من النخب العربية والدولية التي تؤيد الحق الجنوبي بالاستقلال, فضلا عن انه سيكون قد أسس لأرضية صلبة للنجاح المستقبلي.

(من لم يصانع في أمورٍ كثيرةٍ× يُضَرّس بأنيابٍ ويوطأ بمنسم)

ثم من حقنا ان نسأل أصحاب (مش وقته) وهم ينقسموا الى فريقين, فريق حريص على الجنوب  فعلا وهو فقط يتخوف من باب عدم الثقة  بالظروف المحيطة به, وفريق آخر لا يريد للجنوب ان  يذهب فعلا نحو الاستقلال, وهذا الفريق يتخذ من مقولة (مش وقته) كنوع من المماطلة والخداع حتى يقضي وطره من الجنوب ليتسنى  له بعد ذلك  قلب ظهر المجن. نقول لهم جميعا: هل تضمونا لنا بقاء هذا الحال  المهترئ بالشمال وهذا الدعم العربي والخليجي للجنوب الى ما لا نهاية؟. وهل تضمنوا لنا بقاء الطيران الخليجي في سماء الجنوب الى أبد الآبدين؟ .وهل تضمنوا لنا أيضا ان الشمال لن يلملم شتاته ويتجاوز ضعفه قريبا ويعيد بناء جيشه وتتصالح قواه المتحاربة اليوم ويعيد الكرة باحتلاله للجنوب ثانية ؟ أو بمعنى أدق: هل سنظل نراهن على الخلافات الشمالية ونربط مصيرنا برهان عامل التناقضات الشمالية, وهو قطعا رهان على حصان أعرج أعور؟.  ثم ماذا لو تصالحت غداً هذه القوى مع بعضها البعض فوق أنها أصلا متصالحة ومتفقة مع بعضها تجاه الجنوب؟.

  إجمالا  نقول: انه لابد من الخروج من شرنقة الوهم المتمثل لدى بعض النخب الجنوبية  بان السعودية ودول الخليج ستغضب ان ارتفعت الأصوات الجنوبية المطالبة بإعلان الدولة الجنوبية في هذا الوقت. أو كالقول الغريب الذي يقول ان الجنوب لا يزال أسيراً لدى الشمال وخاصة بالجانب المالي.  نقول لهذا القول :حسنا, فمن أين يأتي الشمال بهذه الأموال اصلا ؟اليس من الجنوب؟ فلماذا لا يوقفها الجنوب من الوصول الى صنعاء وكفى المؤمنين شر الغباء؟.!  أو القول الأكثر اضحاكا: ان هذه الدول ستوقف الحرب على الحوثيين وقوات صالح أن أعلن الجنوب استقلاله, وكأن  هذه الدول لم تضربهم  إلا خدمة للجنوب وليس التقاء مصالحها مع الجنوب على ضرب خصم واحد أسمه الاحتلال اليمني للجنوب والخطر اليمني على الخليج. فهذه الدول هي اليوم  وفي هذه اللحظة بالذات أقرب ما تكون الى تفهم حق الجنوبيين بإعلان دولتهم, ليس فقط ان هذه الدول أضحت اليوم لديها القناعة بالحق الجنوبي ,فهذه القناعة متوافرة لديها منذ عام 1994م- و إن اقتضت مصالحها بالسنوات الماضية ان تصمت- بل لأنها اليوم لن تغامر بخسارة حليف مهم كالجنوب في وغى التنافس الدولي بالمنطقة- حتى و أن  أعلن الجنوب قرارا مصيريا قد لا يتطابق كليا مع حسابتها باليمن وبالمنطقة ,خصوصا إذا ما رأت بالجنوب جدية كبيرة بالمضي قدما بفرض إرادته السياسية بإعلان دولته بحكم الأمر الواقع. أما ان ظل الجنوب يتهيب  اتخاذ مثل هكذا قرارا تاريخيا, أصبحت  الظروف  الموضوعية والخارجية ملائمة  لتحقيقه حتى وان لم تكن بنسبة  كبيرة, نقول انه ان ظل الجنوب يراوح مكانه من التردد والتخوف فستمر من أمامه الفرصة مرور الكرام, ولن يجد مثل هكذا فرصة قدمها له القدر الالهي على طبق من ألماس وذهب. فمن الصعوبة ان تتكرر هذه الفرصة خلال عشرات السنين القادمة ان نحن أضعنا في الصيف اللبن كما يقال. ولكن للأسف حتى الآن فان القوى السياسة الوطنية والاجتماعية الجنوبية لا تزال اسيرة عقدة عدم الثقة بالنفس وفقدانها لشيمة العزيمة الصلبة باتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية . وصدق الشاعر المتنبي:

(إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة× فإنَّ فساد الرأي أن تترددا).