fbpx
يا أبناء الجنوب . . حذارِ!

د عيدروس نصر ناصر

بدأت هذه الأيام في الانتشار مجموعة من التسريبات على هيئة بيانات أو رسائل موجهة من بعض الجماعات أو الأفراد أو المناطق مشيرة إلى بعض المواقف والمسالك التي تبدو هنا أو هناك مما لا يرضى عنه الكثيرون منا، لكن هذه البيانات التي يجري تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي (خصوصا خدمتي الفيس بوك والواتسآب) تتحدث عن مناطق وقبائل بعينها أو تتهم مناطق أو قبائل بعينها بالخذلان والخيانة أو بالرغبة في التسلط والهيمنة وغير ذلك من التهم، وهنا بودي الإشارة إلى ما يلي:

  1. إن حدوث أخطاء أو ممارسات غير مرغوب بها أمر وارد في ظل غياب الناظم الرئيسي لسلوك واجتهادات الناس وأعمالهم ومواجهة نتائج الحرب والعدوان والجنوب، وهذا الناظم هو الدولة وأجهزتها المختلفة التي جرى تدميرها خلال ربع قرن وجاءت الحرب الأخيرة لتقضي على ما تبقى منها، لكن هذا السلوك لا شك أنه سلوك فردي وفي أسوأ الأحوال يعبر عن الجماعة التي أقدمت عليه (إن كانت جماعة) ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون منطقة أو قبيلة أو جهة جغرافية بكاملها مسؤولة عن هذا السلوك، وهنا لا بد أن تكون المحاسبة على مثل هذا السلوك منحصرة في مرتكبيه وحدهم.
  2. لقد ناضل الجنوبيون كل الجنوبيين معا ضد الاحتلال والعدوان دونما سؤال عن الهوية الجهوية والقبلية والمناطقية لهذا المناضل أو ذاك، وعندما كان الشهداء يتساقطون والدماء تسيل لم يكن الموت يسأل عن هوية الشهيد أو انتماء الجريح بل كان الشهداء يتسابقون على الموت دونما تمايز أو تمييز لأن هدفهم كان أكبر من المناطق والقبائل والجهات التي ينتمون إليها وهو ما يحتم على كل من يحترم هؤلاء الشهداء أن يتمسك بمبادئهم الكبيرة ويسمو بنضاله وسلوكه وتطلعاته إلى مستوى الوطن كل الوطن، ويتعالى على الصغائر التي تقزم نضالنا وتحولنا إلى مجموعات وجزر متناثرة لا رابط بينها.
  3. إن معركة البناء وإعادة الإعمار أخطر وأصعب وأعقد من معركة طرد العدوان وهي تستدعي حشد كل الطاقات من أجل التصدي لمهمات مواجهة عملية بناء الدولة وإعادة إعمار ما دمر وتضميد الجراح وتطبيب النفوس، وليس التسابق على البقع أو المناصب أو الكراسي التي ما أسمنت يوما ولا أغنت من جوع.
  4. إن الجميع يناضل ويجازف بحياته من أجل الجنوب كل الجنوب، وكل من يعتقد أنه يعمل لقبيلته أو لمنطقته فإنما هو واهم، وكل من يعتقد أن النصر الذي تحقق بدماء الشهداء الأبطال من كل الأطياف والمناطق سيتم تقاسمه بين المنتصرين بالنسبة والتناسب إنما يكرس منطق التفكيك والتجزئة الذي يسعى العدو لتكريسه وغرسه بين صفوف الجنوبيين.
  5. إن مشروع الجنوب القادم هو مشروع دولة المواطنة والعدل واحترام الإنسان، وليس مشروع التقاسم والمحاصصة فالجنوب الجديد أشبه بالغابة المكتظة بالأشجار المثمرة التي يعيش الجميع تحت ظلها ويتغذون من ثمارها، ولو طالب كل منا بحصته من الشجر ليقتلعها ويستثمرها وحده بعيدا عن الغابة لغابت الغابة واضمحلت حتى وإن بقيت الأشجار.
  6. إن أي مسؤول أو قائد في أي موقع كان ومن أي مكان كان ما هو إلا مناضل انتدبه القدر ليجازف بحياته من أجل الجنوب كل الجنوب وليس ممثلا لقبيلته أو منطقته أو جهته، وهذا لا يلغي واجب الجميع وحقهم في المشاركة في معركة الدفاع عن الأرض والبناء وإعادة الإعمار مثلما كان الجميع شركاء في مواجهة الغزو والعدوان.
  7. إننا نواجه عدوا يعمل بمجموعة من البدائل وليس بديل الحرب إلا واحدا منها، وإذا كان هذا البديل قد سقط سقوطا مدويا فإن العدو سينتقل إلى البدائل الأخرى وأولها زراعة الفتن ودق الأسافين واستدعاء الضغائن بين المناطق والقبائل والجهات الجغرافية ولديه آلاف المجندين بين صفوفنا، مرئيين وغير مرئيين، ممن يعملون بوعي أو بدون وعي، لخدمة أهدافه، ولنا أن نتذكر حديث الحرب (من الطاقة للطاقة) الذي روجه زعيم الحرب في بداية ثورة الحراك السلمي المباركة، فعلينا أن لا ننفذ له ما يريد، ونفوت عليه فرصة الظفر بتمزيق الصف الجنوبي والانسياق وراء النزاعات والتنازعات التي لا تخدم سوى أجندة العدو الذي لا يصدق أنه قد جنى الهزيمة المنكرة.

إنني بهذا أتوجه إلى كل الجنوبيين بالتنبيه إلى مخاطر الدسائس والمكائد التي تقف وراءها مطابخ صناعة الفتنة التي اكتسبت خبرة ثلث قرن من دق الأسافين وزراعة الأحقاد واستنبات الضغائن وتوسيع الشروخ وتعميق الجراح بين أبناء الوطن الواحد وهم على هذا عاشوا وبه تفوقوا على الشعب كل الشعب بملايينه، ولا يستطيعون العيش بدون السوق التي يروجون فيها لبضاعتهم الكريهة.

إن المطلوب من كل الجنوبيين التنبه للألغام التي يزرعها العدو في طريقهم، وأن ينصرفوا إلى معركة البناء وإعادة الإعمار بدلا من التوجه إلى تبادل الاتهامات والشتائم وتحقيق الأحلام التي يتمنى العدو أن يراها على الأرض.

حذارِ أيها الجنوبيين فالعدو أذكى وأقوى وأكثر لؤما مما تتوقعون فلا تكونوا الأدوات التي تنفذ له ما يريد، فأبواب المعركة ما تزال مفتوحة على مصاريعها ولم تُصد ولن توصد بيننا وبينه.

والله من وراء القصد