fbpx
همسة في أذن الزميل علي العمراني

 

د عيدروس نصر ناصر
في مقالته المعنونة بـ”همسة في أذن الحراك” والمنشورة على موقع “يمن جورنال” ومواقع أخرى، يستعرض الزميل علي العمراني، عضو مجلس النواب المنتهية ولايته، وزير الإعلام السابق جهوده في محاولات إقناع علي عبد الله صالح والحوثيين والقاعدة بشجاعة وجرأة للتوقف عن مسالكهم وما يلحقونه باليمن من أضرار، ليؤكد أن (الحراك ـ الذي أسماه العنصري ـ وحده لم تتم مصارحته بما فيه الكفاية)، أو ما يعني هذا.
سأشير هنا إلى أن معرفتي بالزميل علي العمراني تؤكد لي بأنه لم يسلك قط على النحو الذي يمكن أن يجعل منه داعية إصلاح لا في وجه علي عبد الله صالح ولا في وجه الحوثيين ولا حتى في وجه موظفي وزارة الإعلام الذين صار وزيرا عليهم ذات يوم، ولا أريد الخوض في كيف انسلخ الزميل العمراني من كتلة علي صالح للالتحاق بالثورة الشعبية بعد أن شارفت سفينة صالح على الغرق في العام 2011م؟ فهو لم يكن في الموقع الذي يسمح له بمصارحة علي صالح ولا غيره.
مفردة العنصري في وصفه للحراك غير دقيقة (لغويا) وغير مهذبة (إخلاقيا) وغير منصفة (سياسيا) فقد قالها الكاتب من منطلق انتمائه الجغرافي وانتمائه السياسي السابق، رغم تغييره هذا الانتماء إلى موقع لا يسمح له بإنصاف الضحايا ومصارحة الجلادين لأن جزءا ممن يمثلهم اليوم هم من الجلادين.
الزميل العمراني استدل باسم شيخ دين وزعيمين قبليين من حضرموت يؤيدون الوحدة (الظالمة والمعوجة) واعتبرهم كل الجنوب، لكنه لم ير مئات الآلاف (كي لا أقول الملايين) الذين صمدوا في ميادين الاعتصام وفي فعاليات الثورة السلمية على مدى سبع سنوات، فهؤلاء كلهم عنصريون، وهو تلخيص لنفس مقولة “الصومال والهنود” التي يروجها الكثير من السياسيين الشماليين (غير العنصريين)، وأذكر زميلي المهذب جدا أنه ليس هؤلاء وحدهم مؤيدين للوحدة فهناك أحمد الحبيشي وعارف الزوكة وحسين زيد بن يحيى وربما عشرة إلى عشرين من الجنوبيين يؤيدون تلك الوحدة فلماذا أنكر عليهم وحدويتهم واقتصرها على الثلاثة الحضارم؟
ولأن الزميل العمراني ليس عنصريا فقد ذكرنا بمقالته منذ سنوات بعنوان “مظالم بيضانية” تتحدث عن التمييز الذي تعاني منه محافظته، وفيه يتحدث عن فخامة علي عبد الله صالح وتواضعه وعدم اضطراره لاصطحاب مرافقين في زيارته لأبين وكيف كان كريما مع أبين في إعلان مشروع كهرباء (لم أسمع عنه ـ كواحد من أبناء أبين ـ ولم أر خطوة واحدة من خطوات تنفيذه) وبخيلا مع البيضاء، وما إلى ذلك من القضايا التي ليست موضوع حديثنا هنا.
ولم يفت زميلنا ـ معالي الوزير السابق ـ أن يبحث في جوجل وليعثر على مقالة عبد الرحمن الراشد ويتخذ منها برهانا على تمسك العرب بـ(الوحدة المعوجة) لكنه لم يقرأ عشرات المقالات والتصريحات للكاتب والمحلل السياسي الكويتي د. فهد الشليمي، ولا تصريحات وتحليلات المحلل السياسي السعودي د. إبراهيم آل مرعي، ولا غيرهما عشرات الكتاب والصحفيين والمحللين السياسيين العرب والأوروبيين والأمريكيين، الذين يتحدثون عن حق الجنوبيين في استعادة دولتهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم وبإرادتهم الحرة، فهؤلاء لا يعجبون السيد الوزير وقد يصفهم بالعنصريين لو أنه قرأ لهم.
مشكلة بعض الساسة اليمنيين الذين للتو خرجوا من عباءة علي عبد الله صالح والتحقوا بعباءة أخرى من عباءات خصومه ممن ينتظرون قطف ثمار المواجهة ليحلوا محل (الزعيم) في مواصلة سياسات النهب والسلب والسيطرة التي شاركوه في صناعتها وترسيخها، مشكلة هؤلاء الساسة أنهم يتجاهلون أمرين مهمين، وهم يتحدثون عن مظالم المحافظات الشمالية مقارنة بمظالم الجنوب وهذان الأمران هما:
1. إن البيضاء والحديدة ومأرب وتعز وغيرها من محافظات الشمال، قد تكون فعلا مظلومة ونحن نؤيدها لتناضل في سبيل كسر أغلال الظلم الذي كرسه النظام ومداحوه على مدى قرون، لكن هذه المحافظات لم تكن في أي وقت دولا مستقلة ذات سيادة وإنما كانت جزءا من نظام الجمهورية العربية اليمنية، الذي يدافع عنه أبناؤها ويقتَلون ويقاتلون في سبيل حمايته.
2. إن نظام صنعاء، السابق والحالي لم يغز هذه المحافظات بالقوة المسلحة بل ظل حاكما لها طوال ثلث قرن لم يقل له أحد أنه نظام ظالم، وعندما غزاها مؤخرا بالتحالف مع الحوثيين لم يلق مقاومة تذكر إلا في تعز ومأرب وعندما انتصرت المقاومة الجنوبية في عدن ولحج والضالع وأبين راح تحالف (الحوثي عفاش) يسلم لهم الأرض دون إسقاط شهيد واحد أو إسالة قطرة دم واحدة.
من المؤسف أن الوزير (غير العنصري) لم يقل حرفا واحدا عن القتل الجماعي لأبناء الجنوب من قبل نظام صالح وحلفائه الحوثيين، ولم يتحدث عن قصف اللاجئين وتدمير أماكن إقامة النازحين وزراعة عشرات الآلاف من الألغام في حدائق المنازل والطرقات العامة وهي التي حصدت حتى اليوم مئات الضحايا من المدنيين ومنهم نساء وأطفال.
وعلى ما أتذكر فقد كنا نطرح سياسة القتل التي استخدمتها أجهزة علي عبد الله صالح ضد المواطنين الجنوبيين، ولم أسمع كلمة واحدة تساعد على نجدتنا في جو تقمع فيه الأصوات الحرة وتراق فيه الدماء، وكان الزميل يتوارى عن المايكرفون ولا ينبس ببنت شفة دفاعا عن القتلى واستنكارا لسياسة القتل، ربما لأنه كان يعتبر الضحايا عنصريين يستحقون القتل
يستطيع الزميل العمراني أن يلعن علي عبد الله صالح مئات المرات في الثانية الواحدة، فعلي صالح لم يعد في موقع يستحق عليه المدح، لكن ذلك لا يعني أن علي العمراني قد صار نزيها ووطنيا ومنفكا من الولاء لأي من مراكز القوى فالمهزوم هو محط لعن وشتيمة الجميع حتى لو كان صاحب حق، لكنني أتوجه لزميلي النائب والوزير لأطلب منه مواصلة نصح الطغاة (الثوريين) الذين يختفون وراء الكواليس منتظرين حصاد المقاومة ليعلنوا أنهم صناع الانتصار على طريق الاستيلاء على السلطة من جديد وليبرهن لنا أنه فعلا ينصح الطاغية وينتصر لضحايا الطغيان، أما مواجهة طاغية بالانتصار لطاغية آخر فهو لا يعني شيئا سوى السعي لتغيير شكل الطغيان وليس اقتلاعه من الأرض والانتصار للضحايا.