fbpx
القتل بالإشاعة والنميمة

عيدروس نصر ناصر
تتفنن المراكز المخابراتية للحوافش، في خوض حربها النفسية ضد المقاومين الجنوبيين والشعب الجنوبي عموما، بوسائل مختلفة، وعلى وجه الخصوص لمواجهة القيادات والمناطق والجبهات التي تسجل تفوقا كبيرا في مواجهة الغزو والعدوان، ويعلم هؤلاء أن حربهم النفسية لا تقل أهمية عن الحرب الميدانية بل وفي أحيان كثيرة فإن الإشاعة والنميمة وبث الأحقاد والضغائن بين المقاتلين قد تحطم جبهات وجيوش لم تتحطم بضربات المدفعية والدبابة والطيران.

سيقوم أحد المخبرين بنشر قصيدة باسم أحد أبناء الضالع (مثلا) يتهجم فيها على أبناء أبين أو شبوة أو كليهما ويتهم أهل هاتين المحافظتين بالجبن أو بالتخاذل والخيانة والتعامل مع العدو متكئا على مواقف أفراد قليلين من هاتين المنطقتين، رغم كل التضحيات التي يقدمها المقاومون في هذه المناطق والمعارك الباسلة التي يخوضونها ضد قوات الغزو وجرائمها البشعة.

وفي إثر ذلك سيقوم نفس المخبر (الشاعر) بنشر رد على هذه القصيدة باسم أبين وشبوة يتهجم فيها على الضالع وأبنائها ويتهمهم باتهامات لا سند لها ولا دليل متكئا على بعض أحداث الماضي القريب والبعيد التي تجاوزها أبناء الضالع وأبين وشبوة وكل الجنوب متكهنا بنشوب الحرب بين الطرفين على خلفية المساجلة الشعرية البائسة.

كما قد يقوم أحدهم بنشر مقالة يتهم فيها أبناء يافع وردفان بالجبن والتخاذل ثم ينشرها باسم أحد أبناء حضرموت أو أبين ثم يقوم نفس الكاتب (المخبر) أو أحد زملائه بنشر رد على هذه المقالة (الدسيسة) متهما أبناء حضرموت أو أبين بعدم المشاركة في المعركة أو غير ذلك من الاتهامات التي يراد منها إشعال نار الصراع بين الجنوبيين في كل محافظات الجنوب وفي كل جبهات المقاومة.

وبغباء شديد وأحيانا بحسن نية ساذجة يقوم نشطاء الفيس بوك والووتس أب بتبادل تلك القصائد والرسائل ونشرها وقد تجد لها مناخا بين هؤلاء الذين يسارعون إلى تأييد هذا الشاعر أو ذاك الكاتب، لتتحول القضية من عمل مخابراتي صرف إلى نزاع وتنابز بالألقاب بين المواطنين وقد تصل إلى المقاتلين في الجبهات لتهد من جهدهم وتحولهم من رفاق درب واحد وخندق واحد وقضية واحدة إلى خصوم وأعداء ، وبدلا من مواجهة الغزو والعدوان والتصدي لجرائمه سيتفرغ الجنوبيون لمواجهة بعضهم بعضا واستدعاء أحداث قد غمرها الزمن بكثبانه ، ودفنها المقاومون بمواجهتهم الباسلة في جبهات المقاومة.

سيستغل بعض صناع الفتنة شطحات بعض الكتاب الجنوبيين الحمقى ، عندما يتناول بعضهم البيان الأخير للحزب الاشتراكي في الجنوب ليسمي الحزب بـ”الجيفة” ويطالب باجتثاثه، مستحضرا بعض السياسات الخاطئة للحزب الاشتراكي خلال السبعينات والثمانينات، لتهييج نشطاء الاشتراكي وأنصاره والمستفيدين من إجراءاته والمنجزات التي تحققت تحت قيادته، ضد الكاتب وأهله ومنطقته، وقد يقفز أحدهم لاتهام الاستاذ عبد الرحمن الجفري، رئيس حزب الرابطة بأنه مكلف من علي عبد الله صالح لتفكيك الحراك السياسي الجنوبي وسيستدل على ذلك بوقوفه إلى جانب علي صالح في انتخابات 2006م ودعوته الجنوبيين لانتخاب الرئيس المخلوع، وهكذا ستتحول المعركة من معركة لتحرير الجنوب إلى معركة لضرب الجنوبيين بعضهم ببعض وتسجيل نجاحات جديدة لقوات الغزو التي ستلفظ أنفاسها الأخيرة قريبا بإذن الله على أيدي رجال المقاومة الأبطال.

ذلك هو السيناريو الذي ترسمه المراكز المخابراتية وهي تصنع خطة الفتنة الداخلية بين المقاومين وتدق أسافين البغضاء والضغينة بين الجنوبيين ، لكنها غالبا ما تصاب بالخيبة والفشل لأن المقاومين والمواطنين الجنوبيين قد تعلموا الدرس جيدا وأتقنوا كيف يواجهون خطط النميمة وبرامج الفتنة بوحدتهم وتمسكهم بهدفهم الرئيسي الكبير وأذابوا كل تبايناتهم وخلافاتهم وأخضعوا نزواتهم ورغباتهم للقضية الجنوبية الكبرى: التحرير والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على كل أرض الجنوب.

منذ أيام تبادلت جماعات الووتسأب ومستخدمي الفيس بوك خبرا مفاده أن (الزعيم) المخلوع قد أعطى توجيهات لقواته لإسقاط عدن قبل يوم 7/7 وهي الذكرى الممقوتة لدى الجنوبيين يوم إن اجتاحت قوات تحالف 1994م عدن وأعلنت سقوطها بيد تلك القوات، وتحول الجنوب من يومها إلى مستعمرة لدى علي عبد الله صالح وحلفائه، وقد كان الهدف من هذه الإشاعة بث الرعب بيين مواطني عدن وهز إرادة المقاومين الأبطال المدافعين عنها.

لسنا بحاجة إلى تفنيد تلك الإشاعة وغيرها من التسريبات فقد فندتها الأيام وبينت أنها مجرد تمنيات، بل هي جزء من الحرب النفسية التي تهدف زعزعة إرادة المقاومين الأبطال وبث الفرقة فيما بينهم، لكن المهم هو أن يدرك المتعاملون مع وسائل التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار أن الحرب النفسية لها أوجه عديدة وهي قد تأتي في كثير من الأحيان تحت غطاء مواد تنشر باسم المقاومة نفسها لكن مفعولها يفعل من الدمار ما لم تفعله المدفعية والصاروخ وجميع أدوات القتل والدمار.

محاربة هذه الإشاعة تأتي أولا بتفنيدها وتعرية ما بين ثناياها من افتراءات وما وراءها من أغراض وأهداف مقيتة ، ثم بتجاهلها وعدم التعامل معها وليس بنشرها وتبادلها بين الجماعات على صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة لأن التعامل معها يمثل خدمة مجانية لمنتجيها ووقوفا غير واعٍ في صف العدو الذي لا هم له سوى تفكيك جبهات المقاومة وزرع الأحقاد والضغائن بين الجنوبيين، وتعميم فلسفة الحرب “من الطاقة للطاقة ” واستمرار السيطرة على الأرض والإنسان والثروات والتاريخ والهوية والكيان الجنوبي.