fbpx
جنيف . . . وحوار القاتل والقتيل!

د عيدروس نصر ناصر
من الواضح أن الذهاب إلى جنيف قد أصبح خيار الضرورة بالنسبة للحكومة اليمنية، ولم يعد بإمكان الحكومة وأنصارها اختيار بدائل تقيها النتائج غير الحميدة التي ستترتب على محاورة من يقتلون المدنيين ويهدمون المنازل فوق سكانها وينهبون البنوك ويستحوذون على مرتبات الموظفين منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وكما يبدو لي فإن الحلفاء الدوليين لم يعودوا ناووين على مواصلة مهاجمة مليشيات ومواقع الحوافش ومخازن أسلحتهم وإلا لما وافقوا على منح الحوافش فرصة للحوار رغم الموبقات والجرائم التي ارتكبوها وما يزالون يرتكبونها.
الأسئلة التي حيرت المتابعين كثيرة وأهمها: كيف توافق الحكومة على الذهاب لمحاورة الانقلابيين دون أن تضمن التفوق عليهم على الأرض؟ وكيف يمكن الذهاب إلى الحوار والمليشيات ما تزال تحاصر المدنيين وتمارس التجويع عليهم وتمنع وصول الإغاثة إليهم وتحرمهم من أبسط الخدمات الضرورية، كالماء والكهرباء والغذاء والدواء وتواصل التمدد كل يوم في مساحات جديدة؟
في كل الحوارات التي عرفتها ساحات المعارك السياسية والعسكرية يستخدم كل من المتحاورين أوراق تفوقه لانتزاع. نتائج سياسية يقر له بها الطرف الآخر وتصبح هذه الإقرارات وثائق ملزمة للمتحاورين، وفي مؤتمر جنيف المرتقب سيذهب الحوافش متسلحين بما حققوه من سيطرة على المدن والمحافظات وما نهبوا من الأسلحة والمعدات، وما سلبوا من البنوك والمواد الإغاثية ومن غير المستبعد أن يضاعفوا من هجماتهم على المدنيين وقتل المزيد منهم وتهجير وتشريد المزيد من الأسر كوسيلة خبروا استخدامها للابتزاز السياسي وإجبار محاوريهم على تقديم المزيد من التنازلات، بينما سيذهب ممثلوا الشرعية مزودين بالمبادرة الخليجية التي منحت عفاش الحصانة وجعلته يقتل ويقصف ويدمر ويسلب وينهب ويقصف أبراج الكهرباء ويفجر أنابيب النفط وينهب المعسكرات ويستولي على الأسلحة ويرسل مليشياته لاجتياح المدن مع الحوثيين ومشاركتهم كل جرائمهم وهو في كامل الاطمئنان بأن لا أحد سيحاسبه لأنه محصن من البرلمان وبموجب هذه المبادرة، كما سيتمسك ممثلو الشرعية بمخرجات الحوار الوطني التي رفضها الحوافش ونصف من أنصار الشرعية غير مقتنعين بها، أما قرارات الشرعية الدولية التي يتباهى بها أنصار الشرعية فيبدو أن بان كي مون نفسه قد نساها ونسى الفصل السابع من ميثاق منظمته، وإلا لما ارسل مبعوثه لإقناع اليمنيين بالتحاور مع من تستهدفهم تلك القرارات، ولو كان ينوي تنفيذها لكان أول شيء يعمله هو إجبار الحوافش على تنفيذها وبقوة السلاح وليس بالتودد والترجي خصوصا وهي تأتي تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة المسلحة ضد كل من تعنيه القرارات المتخذة
ماذا سيجرى في جنيف؟
سيكون أمام المتحاورين أحد خيارين: إما الخضرع لشروط الطرف الأقوى الذي يتحكم في ميزان القوى على الأرض (أعني الحوثيين وحلفاءهم) وإما رفض هذه الشروط وإعلان فشل الحوار، وفي الحالة الأولى سيكون الحوافش هم الكاسبين، لأنك منحتهم حق تنفيذ ما يشترطون بموافقة محلية وإقليمية ودولية، وإما في الحالة الثانية فهم الكاسبون لأنهم سيكونون قد استثمروا الوقت لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب أوراقهم وإعادة تموضع قواتهم استعدادا لمعارك قادمة سيجتاحون فيها مدن جديدة ويحتلون فيها مواقع جديدة وسينهبون فيها بنوك ومعسكرات وأسلحة جديدة وسينضم إليهم من القوات المسلحة من إعلنوا على استحياء تأييدهم للشرعية وبقيوا ساكنين بانتظار النتيجة النهائية، وبمعنى آخر فإن الحوافش هم الكاسبون في كل الأحوال من مؤتمر جنيف المرتقب فيكفيهم فخرا وانتصارا أن هذا المؤتمر سيرفع عنهم سوط العقوبات الدولية وسيحولهم إلى قوة سياسية تتعامل مع (الشرعية) معاملة الند للند وكأن قرارت مجلس الأمن تحت البند السابع كانت موجهة ضد كائنات فضائية لا يعرف بان كي مون ومعاونوه مكانها ولا كيف يصلون إليها.
لا قيمة لأي حوار يعقد في حين لا يزال المعتدي يمارس عدوانه متمترسا بكل أدوات قوته وإذا ما أريد إجباره على خوض حوار جاد ومثمر فيجب تجريده من كل أدوات قوته واقتياده ذليلا صاغرا إلى طاولة الحوار هذا إذا كان لا بد من حوار وإلا فالأفضل إجباره إجبارا وبقوة السلاح على تنفيذ القرارات الدولية والتزاماته المحلية التي وقع عليه وخالفها قبل أن يجف حبرها.