fbpx
هل سيقبل الجنوبيون ببقاء هذا الجيش على أرضهم؟

د عيدروس نصر ناصر

منذ سنوات ونحن نكتب ونؤكد أن الجيش اليمني ليس جيشا لكل اليمن بل إنه جيشا شطريا بتركيبه وثقافته وهوية المنتميين إليه ومنهاجه وأهدافه السياسية والعملياتية، وحتى ما قبل يناير الماضي كان المدافعون عن نهج هذا الجيش يقولون أن من يقول هذا الكلام هم انفصاليون موتورون حاقدون على (الوحدة) وعلى الجيش اليمني الذي ما انفكوا يسمونه (درع الوطن الحصين) و( رمز الوحدة الوطنية).

عندما كان الجيش اليمني يوجه أسلحته ضد نشطاء الحراك الجنوبي السلمي وهم يجوبون الشوارع والميادين في فعالياتهم الاحتجاجية السلمية عزلا من أي سلاح ويقتل منهم العشرات ويجرح المئات، كان أبواق النظام يتحججون بأن الجيش يمثل الشرعية لأنه يتلقى أوامره من رئيس البلد (المنتخب ديمقراطيا!!) وشخصيا كنت مع الكثير من الناشطين السياسيين من الناصحين لقيادات الحراك الجنوبي بعدم الرد على العدوان بالسلاح وأن السلمية سلاح فتاك يخيف السلطة أكثر مما يخيفها السلاح وأن العمل المسلح هو المربع الذي تتفوق فيه السلطة وأجهزتها القمعية، بيد إن ما جرى مع بداية العام 2015م قد قلب الكثير من المعادلات والمفاهيم والمعطيات وحتى القناعات.

إن مجرد تحالف كامل المؤسسة العسكرية مع الانقلابيين وتسليم معسكراتها ومخزوناتها من الأسلحة وكافة المعطيات والمعلومات والمنشآت العسكرية لمليشيا تتبع مراهق مهووس بحقه الإلهي في قيادة البلد، هذه وحدها جريمة ينبغي أن يحاسب عليها قادة هذا الجيش ويحكم عليها بأقسى العقوبات التي تنص عليها القوانين اليمنية، لكن الجيش (الذي يقولون عنه أنه وطني) لم يكتف بذلك بل شارك في محاصرة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء وفرض عليهم الإقامة الجبرية وساعد المليشيات الحوثية على السيطرة على العاصمة وعدد من المدن والمحافظات وهو بمقابل كل هذا لم يدخل قط معركة مع أي عدو خارجي، والمعركة الوحيد التي دخلها مع الجيش الإيريتري نعلم جميعا أنها انتهت باحتلال جزيرة حنيش في ثلاث ساعات.

عندما بدأت الحرب الأخيرة على عدن والجنوب، تحولت كل الوحدات العسكرية التابعة لـ(درع الوطن الحصين) إلى مليشيات تأتمر بأوامر سيد مران، وامتلأت شوارع عدن وضواحيها بالعسكريين الذين يوجهون أسلحتهم إلى صدور المواطنين تنفيذا لأوامر مراهق أرعن لا تربطه بالعسكرية أية صلة سوى أنه يسعى لاستعادة حق أجداده الذي سلبه منهم يزيد بن معاوية بن أبي سفيان منذ 1400 عام، ولم يجد من مكان ينتقم فيه من يزيد ومن بني أمية إلا أبناء عدن والضالع ولحج وأبين وبقية مناطق الجنوب.

هنا تجلت الحقيقة التي طالما تعرضنا لها وهي أن الجيش شطري انفصالي قروي طائفي، وإنه بالنسبة للجنوبيين الذين ينتشر على أرضهم ووسط مدنهم ويحاصر أنفاسهم ويحصي عليهم حركاتهم وسكناتهم، ليس سوى ضيف ثقيل غير مرغوب فيه، وكشفت هذه المعطيات حقيقة مرة طالما تمنى الجنوبيون أن يبرهنوا على عكسها، وهي أن الجنوبيين بلا قوة مسلحة تنتمي إليهم وتجسد مصالحهم وتحميهم من الأعداء.

العمليات الإجرامية التي ارتكبتها قوات الجيش اليمني (البطلة) في حق المدنيين في عدن ولحج والضالع وأبين وشبوة ومناطق جنوبية وشمالية عديدة، ينبغي أن لا تمر بدون مساءلة حتى لو تم التوصل إلى مصالحة بين السياسيين، لأن الجيش الذي يفترض به أن يحمي المواطنين من العدو الخارجي فيقوم بدور هذا العدو في الاعتداء على المواطنين إنما يمثل حالة من  المروق والانحراف والجرم المنقطع النظير.

لقد أجبر الجيش الشطري بسلوكه هذا المواطنين الجنوبيين عبلى حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم وأصبح من حقهم أن يحتفظوا بهذا السلاح وأن يتزودوا بما أمكن منه ليس لمواجهة أي عدو خارجي، لأنه لا عدو خارجي لهم، بل لمواجهة هذا الجيش الذي أوغل في الإجرام وصب من الحقد ضد الجنوبيين ما لم يعرفوه في حياتهم، وبهذا فإن هذا الحيش هو العدو الوحيد للجنوبيين بانحيازه إلى صف القتلة ومساهمته في قتل المدنيين وتهديم المنازل فوق ساكنيها وقتل النساء والأطفال والعجرة وقطع الماء والكهرباءوالغذاء والدواء على المدنيين تارةً، وبتسليم المعسكرات والمدن والسلاح والذخيرة لجماعات الإرهاب الدولية تارةً أخرى.

الجرائم التي ارتكبت من قبل قوات الجيش الشطري الطائفي بحق المواطنين الجنوبيين تمنح هؤلاء الحق في تنظيم حملة تستهدف المطالبة بترحيل هذا الجيش بثكناته وضباطه وجنوده وألويته ووحداته ومناطقه العسكرية خارج أرض الجنوب، والشروع بتأسيس جيش جنوبي ينتمي للجنوب ويحمي مصالح الجنوبيين ويدافع عنهم ويحمي ممتلكاتهم ويستوعب القادرين الراغبين منهم في الانخراط فيه، هذا هو الحد الأدنى أما ما فوق الحد الأدنى لمطالب الجنوبيين فينبغي أن يشمل مساءلة القادة الذين سلموا أبين وشبوة والمكلا للجماعات الإرهابية، بجانب مساءلة من سلم زمام الحياة العسكرية لجماعات الإرهاب الحوثي، والإرهاب في كل الأحوال لا يختلف سواء كان إرهاب القاعدة أو إرهاب الحوثيين فالقتل هو القتل والتدمير هو التدمير والرعب هو الرعب بغض النظر عن الجهة التي ينطلق منها.

برقية شعرية:

عدن الصمود يقيننا وسؤالنا وجوابنا
آليتِ إلّا أن تضـجّي ملء آفاق الدنى
وأبيتِ إلّا أن تدوسي من طغى وتفرعنا
محمولةً وسط القلوبِ وملء باقات المنى
بصمود أبطال الوغى أبداً جبينك ما انحنى
انتِ التي منذ الطفولة والصبى علمتنا
معنى الحياة بعزَّةٍ وكرامةٍ في أرضنا
أنتِ التي لقنتنا معنى وكنه حياتنا
أنت الحياة وأنتِ في كتب الوفا عنواننا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*   من صفحة الكاتب على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك