fbpx
لمن تغيظهم المقاومة الجنوبية الباسلة

ظهرت علينا بعض الأصوات النشاز، ممن لا تستحق أن تُذكر، تعيب على أبطال الجنوب تسمية مقاومتهم بالمقاومة الجنوبية، وينجمّون لها اسما يليق بمنهجهم الانهزامي، ومثل هؤلاء الانهزاميين للأسف لا يحق لهم الحديث عن المقاومة بشكل عام، لأنهم ممن سلّموا صنعاء طوعاً ودون مقاومة تذكر لمليشيات الحوثيين وحليفهم عفاش بحجة حَقن الدماء، كما زعموا حينها، بينما كان ذلك الموقف المتخاذل منهم، في حقيقة الأمر، حفظاً وحقناً وصوناً لمواقعهم في سلطة شراكة كانوا يرجونها عبر حوار الطرشان في (موفمبينك)، فيما كانت المقاومة الجنوبية تقف شامخة أمام هذا الخطر الذي استباح صنعاء وحرك خلاياه وأنصاره لاستباحة الجنوب.

ولأمثال هؤلاء نقول: ألا تدرون أن اسم المقاومة الجنوبية لم يظهر فجأة، كما هي مواقفكم المتذبذبة وبنت اللحظة الأخيرة الحاسمة التي تسير مع تيار مصالحكم الحزبية أو السياسية الضيقة، بل جاء امتداداً لمخاض سنوات طويلة من النضال والمعاناة المعمدة بالدم منذ غزو واحتلال الجنوب في حرب عام 1994م والتي أكّدت وبشكل واضح وجلي التفاف قيادة الشمال ومراكز قواه القبلية والعسكرية على اتفاقيات الوحدة بل وأطلقت تلك الحرب الظالمة رصاصة الرحمة على الوحدة السلمية وتحويل الجنوب إلى ساحة نهب وفيد وضم وإلحاق، وقد ظن النظام القبلي الأسري المتغطرس المتحالف حينها مع الإصلاح برموزه القبلية والدينية التي أفتت بهذه الحرب، أنه قد انتصر على الجنوب وما يمثله من مشروع حداثي، فيما رفض الجنوبيون هذا الاحتلال ولم يرضخوا له أو يستسلموا له.
نعم..كان وقع الهزيمة حينها مؤلماً على نفسيات الجنوبيين لكن ذلك التأثير لم يصل إلى حد الانكسار والاستسلام للأمر الواقع وقبول حياة الذل والخنوع لأنهم يدركون أن ذلك ليس نهاية التاريخ، وأن ما اسماه المحتلون انتصاراً هو في الحقيقة غدراً ونكثاً بالعهود والعقود ولن يفلح من كان ذلك سلوكه، ولذلك فقد قبل الجنوبيون على مضض نتائج الحرب الظالمة، لكنهم لم يتقبلوا الظلم والجور عندما رأوا النهب والسلب والتدمير وكل الممارسات والأعمال الهمجية والبربرية الممنهجة التي اتبعها النظام ضد كل ما هو جنوبي، ومع الألم بقي الأمل بالخلاص فهذه الهزيمة هي مرحلة أو محطة لن تدوم فالأيام دول، ومهما استقوى المنتصرون بغلبة القوة فلا بد في نهاية المطاف أن ينتصر الحق وأهله.
وهكذا خاض الجنوبيون في إطار مقاومتهم السلمية نضالاً لا هوادة فيه، تعددت أشكاله وأساليبه، خاصة بعد أن بلغ ذروته عام 2007م في إعلان الحراك السلمي الجنوبي بعد تصالح وتسامح الجنوبيين في العام الذي سبقه 2006م وهو الأمر الذي أزعج النظام كثيرا، وأفقده صوابه، وتحول الجنوب منذ ذلك الحين إلى ساحة غليان ثوري عارم ضد النظام وبرز اسم الحراك السلمي الجنوبي كتعبير عن ثورة شعبية جنوبية سلمية، سبقت ما سُمي بثورة الربيع العربي بسنوات، وواجهها النظام بكل عنف وقمع واضطهاد، وعَمَّد شعبنا الجنوبي نضاله السلمي بتضحيات مئات الشهداء والآلاف الجرحى والمعتقلين، وقد هزّت هذه الهبة الشعبية أركان النظام القبلي الأسري، ودفعت إلى عدوى الثورة عليه في الشمال حتى اسقاطه وذهابه عن السلطة غير مأسوف عليه، ورغم التفاف رموزه على ما سميت بثورة التغيير في الشمال ومحاولتها لإعادة انتاج نفس النظام، فقد ظل الجنوب بحراكه السلمي يناضل من أجل قضيته العادلة المتمثلة بالخلاص من الاحتلال واستعادة حريته واستقلاله ودولته.
ومنذ تداعيات الأحداث الدراماتيكية الأخيرة التي شهدتها صنعاء وقادت إلى استلاب الحوثيين للقصر الجمهوري والسطو على مفاصل السلطة ومعسكراتها واسلحتها بتحالف مريب مع الرئيس المخلوع، ثم ذهابهم معه إلى إعادة احتلال الجنوب مجدداً، في ظروف جديدة غير ظروف حرب 94م، كان لزاما على شعبنا الجنوبي الأبي أن يهب للدفاع عن أرضه وعرضه ضد هذا العدوان الجديد القادم من شمال الشمال.
وهكذا تحولت الثورة السلمية الجنوبية مباشرة إلى مقاومة جنوبية عفوية باسلة، وبرزت بهذا الاسم منذ اليوم الأول الذي تصدى فيه شباب عدن لجحافل المعتدين من أنصار الشيطان وحليفهم الرئيس المخلوع، ممن ظنوا أن الجنوب سيكون لقمة سائغة لهم، خاصة وقد اجتاحوا معظم مدن ومحافظات الشمال الرئيسية الواحدة تلو الأخرى دون مقاومة تذكر، لكن عدن ثم كل مدن ومناطق الجنوب كانت عصية عليهم، إذ قاومت جحافل التتار الحوثية-العفاشية وأربكت خططهم الجهنمية، ولقنتهم دروساً في المقاومة الباسلة..
شباب عدن والجنوب هم من تصدى لتلك القوة الغازية المندفعة بكل جبروتها وآلتها العسكرية الهمجية التدميرية، التي تنكرت لوطنيتها وأخلصت لولائها القبلي وتبعيتها لشخص الرئيس المخلوع وحليفه الحوثي الطامع بالحق الإلهي المقدس الذي يدعيه، فتناسى (سيد مِرَان) حروبه مع عدوه اللدود عفاش بعد أن طَمَّعه بالتهام الجنوب غنيمة وثمناً لما حل بصعده وأهلها من دمار وقتل وتشريد في حروب ستة، وربما كان كل منهما يكيد مكرا بالآخر، لأن طمعهما بالسلطة لا يمكن أن يبقي على تحالفهما المريب، فكرسي السلطة لا يتسع لكليهما..
لكن مكرهما ارتد على نحورهما.. وصدق فيهم قول الله تعالى: {وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلاَّ بِأَهْلِهِ} “. وقوله:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} “. فقد قيض الله للخلاص منهم قوة تردعهم بعد أن ثبت بالدليل القاطع وتأكَّد صلفهم وغيّهم في الواقع من خلال تهديدهم لليمن شمالا وجنوبا وارتهانهم الذي لا غبار عليه لإيران، بل ولوحوا بكل غرور وخيلاء بفرض خيارات ثورتهم-كما يزعمون- على كل الجزيرة العربية والعالم الاسلامي والتهديد باحتلال الحرمين الشريفين..ولم يتركوا لهم نصيرا ولا صديقا في الداخل والخارج…فتداعى الأشقاء العرب لتدارك خطرهم الداهم، فجاءت عاصفة الحزم، لتوقف شرورهم قبل استفحالها، وزاد ذلك الموقف العربي من زخم وصمود واستبسال المقاومة الجنوبية وحصلت على دعم لا ينُسى في اللحظة المناسبة عزز ثباتها على الأرض، وما تزال تخوض حرب شوارع غير متكافئة مع جحافل الغزاة التي تقتل الآمنين وتدمر وتحرق البيوت على رؤوسهم وتخلف خراباً شامِلاً لم تشهده عدن من قبل.
وهاهم شباب عدن المسالمين ممن لم يحملوا السلاح قط، ينضوون طوعيا في إطار المقاومة الجنوبية، ويخوضون أشرس ملحمة في تاريخ عدن ويسطرون مآثر بطولية نادرة سيسجلها لهم التاريخ بأحرف من نور، رغم الفارق في السلاح وعدم تكافؤ القوة مع جحافل المعتدين، وكذا الحال ينطبق على كل الجبهات الساخنة في مناطق الجنوب، خاصة في الضالع الأبية وفي شبوة ولحج وأبين.
وبقدر ما تفتخر المقاومة الجنوبية بكل انتصاراتها المؤزرة والمسنودة بعاصفة الحزم العربية، فإن الحوثيين وشيطانهم عفاش يعضَّون الآن بَنان النَّدم وهم يتجرعون الهزيمة المُرَّة بعد أن تمرغت أنوفهم في رمال عدن وانتحرت أحلامهم في سفوح وبطون جبال المعلا وكريتر التي تقذفهم بحممها البركانية. ومن عدن والجنوب وأمام صمود المقاومة الجنوبية وبمساعدة عاصفة الحزم تبدأ الآن هزيمتهم وتقهقرهم، ويقترب يوماً عن يوم العد العكسي لانهيارهم ونهايتهم الحتمية التي لم يحسبوا لها حساباً..
فشكرا لعاصفة الحزم، وتحية تقدير وإجلال لأهل العزم والحسم من أبطال المقاومة الجنوبية الباسلة في عدن وكل مناطق الجنوب، وليخسأ من يتجنّى على هذه المقاومة البطولية أو يريد أن يجني ثمن تضحياتها أو يحرِّف اسمها كما يريد لغرض لئيم بعد أن سَلّم بالهزيمة والخذلان ولم يقاوم حين التقى الجمعان في أحضان نقم وعيبان.. والله المستعان.. وهو نعم المولى ونعم النصير …