fbpx
الانتصارات المزيفة

د.عيدروس نصر ناصر
ما يزال الأعلام المكتوب والمسموع والمرئي يقع في فخ المعلومات المضللة أو بتعبير أخف غير الدقيقة عندما يتحدث عن تقدم الحوثيين في المنطقة الفلانية أو سيطرتهم على المنطقة العلانية في الجنوب، مستمدا هذه الأخبار والمعلومات من مصادر غالبا تقوم على الخطاب الحوفاشي، الذي يستهدف الترويج لنجاحات وهمية وانتصارات زائفة، وسأحاول هنا تسليط الضوء على تلك الانتصاات التي يصدرها الاعلامي الرسمي المسيطر عليه من قبل تحالف الحوافش.
دعونا نعود إلى بداية القضية: منذ ١٩٩٤م تتواجد في محافظات الجنوب عشرات الألوية العسكرية والأمنية من مختلف التخصصات تضم مئات الآلاف من المقاتلين المدربين والحترفين والمتخصصين في الأسلحة المختلفة من طيران ومدفعية ومدرعات وصواريخ وبحرية ومشاة وهندسة عسكرية وغيرها، ليس بين مئات الآلاف هذه مئات وربما أقل من المائة الواحدة من ينتمي إلى الجنوب، والأهم أن كل هؤلاء مؤيدون لعلي عبد الله صالح، ومن ليس مع صالح فليس مع الجنوب، وبمعنى آخر كل هذه الجحافل العسكرية هي شمالية الهوية عفاشية الولاء شطرية التركيب والثقافة والنشأة والنوايا احتلالية السلوك والتعامل.
عندما تطورت العلاقة بين الحوثيين وعلي صالح إلى مستوى التحالف وشن الحرب المعلنة على الجنوب كان الأمر يعني أن احتلال الجنوب انتقل من يد صالح إلى احتلال بالشراكة أو بتعبير آخر تم نقل الوكالة على هذا الحضور العسكري من صالح إلى الحوثيين، وهو ما يعني عمليا أنه ليس هناك احتلال حوثي ولا تقدم حوثي ولا هم يحزنون، وأن العسكريين الذين استباحوا الجنوب منذ عقدين خلعوا البزة العسكرية (أو حتى احتفظوا بها) ورفعوا الصرخة وبالتالي فلا تغيير في الأمر سوى استضافة عدد من أفراد مليشيات الحوثي الذين لا يختلفون عن شركائهم في شيء سوى في إتقان ترديد الصرخة الخرقاء بحرفية ماهرة.
من يحقق الانتصارات الحقيقية هم المقاومون الأبطال الذين يواجهون بعددهم القليل وبوسائلهم البسيطة وبخبراتهم المحدودة هذا الجيش الجرار وجبرونه على الاندحار عن مواقع مضى على احتلاله لها عقدين من الزمن، . . المقاومون الشجعان الذين يجترحون المآثر ويصنعون الخوارق ويسجلون الملاحم البطولية بشجاعة قل نظيرها ويستبسلون في الدفاع عن أرضهم وحريتهم وكرامتهم في مواجهة جحافل الغزو (القديم الجديد) ويتفوقون عليها بالإرادة والإصرار والتمسك بعدالة قضيتهم، في حين تتفوق هي عليهم بالعدد والعدة والعتاد والخبرة والتنظيم، بيد إنه هؤلالء المقاتلين الأبطال لا يزايدون بهذه الانتصارات ولا يسعون حتى لتسويقها والترويج لها عبر وسائل الأعلام، لأنهم لا يبحثون عن الشهرة وليس لهم راعي يقدمون له كشف حساب لطلب المكافأة كما تفعل المليشيات الحوفاشية.
المليشيات الحوفاشية تصور احتفاظها ببعض المواقع منذ عشرين سنة على إنه انتصارات وتعتبر وجودها في المعسكرات التي هي أصلا معسكرات الجيش الموالي لصالح مكاسب وهي انتصارات ومكاسب مزيفة وهمية لا قيمة لها على الأرض لأنها لم تغير في المعادلة العسكرية بل وتكشف عن البلبلة التي يعاني منها هذا التحالف البائس.
الانتصارات الوحيدة التي حققها هذا التحالف الشيطاني هي القضاء على البنية التحتية لعدن، من خلال تدمير أول شبكة مياه في الجزيرة العربية، وقصف واحد من أشهر المعالم التاريخية في عدن واليمن (قلعة صيرة،)، وتحطيم واحد من أهم دور العبادة في عدن (مسجد العيدروس)، وقتل عدد من الأطفال والنساء وإعدام عدد من الأسرى وزرع الرعب بين النساء والأطفال الرضع وقصف مساكن المدنيين بلا تمييز وبلا سبب سوى البحث عن نصر وهمي يستر عورات التحالف التي تعرت أمام كل العالم وإذا كانت تلك هي الانتصارات التي يبحث عنها هؤلاء فبئست الانتصارات.
* * *
من مفارقات الحرب العدوانية الأخيرة على الجنوب أنها كشفت الفرق بين معدني التوحش والتمدن بين المتحاربين، ففي حين كانت قوات تحالف الحوافش تعدم أسراها في منطقة الضالع وتقصف مساكن المدنيين في عدن فتقتل الأطفال والنساء والعجزة، انتقاما من الجنوب والجنوبيين، كانت المقاومة الجنوبية تنشر إعلانا في الصحف رالمواقع الإلكترونية عن أسماء وصور بعض الأسرى لديها مطمئنة أهالي الأسرى بأنهم بأمان وتحت رعاية المقاومة، . . . ألم أقل لكم إنه الصراع بين التوحش والتمدن، بين الهمجية والأ خلاق، بين الرذيلة والفضيلة؟