fbpx
عدن… مدينة فُرض على أبنائها حمل السلاح
شارك الخبر

يافع نيوز – العربي الجديد

“وهبته لأجل عدن”، هكذا ردت أم عبد الله عندما وصل إليها خبر مقتل أحد أبنائها الثلاثة، الذين طلبت منهم الخروج للدفاع عن مدينة عدن بعد أن بدأت قوات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح محاولة الاستيلاء عليها.

ويروي عبدالله، وهو أحد الأشقاء الثلاثة، تجربته في حمل السلاح قائلاً لـ “العربي الجديد” لقد “طلبت منا والدتي الخروج للدفاع عن عدن ومدنيّتها، التي ناضل من أجلها والدي”. ويضيف “خرجنا نحن الإخوة الثلاثة، فقُتل أخي الأوسط على يد قناصة الحوثيين، في أحد أحياء المدينة، وعندما علمت والدتي بالأمر، ردّت بالقول: وهبته لأجل عدن”، مشيراً إلى أن “كلام والدته زاد من معنوياتهم”.

عبد الله وأخواه ليسوا الوحيدين الذين لجأوا إلى خيار حمل السلاح، فهذا ما بدت عليه الأجواء في عدن، بمناطقها وأحيائها على خلفية الحرب التي يشنّها الحوثيون والرئيس المخلوع، وحوّلا فيها حياة الناس إلى جحيم، اضطروا فيها لحمل السلاح.

المدينة التي كانت تُعرف بـ”المدنيّة والتعايش”، وتنبذ حمل السلاح والعنف، باتت اليوم مهددة. ومع أن الإمكانات شحيحة والخبرة قليلة، وبعض الشباب يحمل السلاح للمرة الأولى، إلا أنهم يكبّدون الحوثيين وقوات صالح خسائر فادحة. لكن المشاركة لا تقتصر على الشباب.

محمد أمين، الذي دخل عقده السابع، وهو تربوي متقاعد، يقول إنه “يحمل السلاح للمرة الأولى في حياته، ليدافع عن مدنية عدن ومستقبلها، ومستقبل أبنائه”. ويضيف “أبقيتهم داخل المنزل، وخرجت لأحميهم من الجهل والتخلّف والعنجهية الآتية”. وكشف أنه “ذهب إلى بعض أفراد اللجان ليعلّموه كيفية استخدام السلاح، وطلب بعدها منهم سلاحاً ليشارك في حماية مدينته، في منطقة كريتر”.

ومع دخول الحوثيين على الخط، يزداد الرفض الشعبي لهم، ويزداد التصدي لهم يوماً بعد آخر، وخصوصاً بعدما أظهر الحوثيون الجانب الأسوأ، وجرّوا الناس والبلد إلى حروب وإلى الهاوية فضلاً عن اعتمادهم أساليب انتقامية بحق الأهالي.
ويوضح الطالب في الجامعة، محمد قاسم، أن “الحوثيين جرّوا البلاد إلى صراع طائفي وحكم طبقي”، مضيفاً “لم أكن أتوقع في حياتي أن أرفع السلاح، غير سلاح القلم والعلم، لكن هذه العصابة وما تحمله من مشروع طائفي طبقي، وإصرارها على احتلال الجنوب، دفعتني للالتحاق بالمقاومة وحمل السلاح، أنا وعدد من زملائي”. ويضيف قاسم لن “أترك السلاح حتى نطرد المحتلين من أرضنا وهذا عهد قطعناه على أنفسنا”.
في ظل هذه التطورات، بات “الكلاشنكوف” عنصراً “ضرورياً” في المدينة، وأضحى حمله أمراً ملّحاً لدى الأهالي، خصوصاً بعد اختلاط مدنية عدن بدماء أبنائها. ويبدي كثر تخوّفهم من أن يؤدي حمل الشباب السلاح، إلى تعقيد الأمور في المدينة، وسط دعوات للحفاظ على تنوّعها الذي كان يميزها.

لكن تفلّت الأمر ليس وارداً بالنسبة لكثيرين. يقول قاسم محسن، وهو طالب سنة أولى، لـ “العربي الجديد”، بأن الشباب خرجوا وتركوا قاعات الدراسة إلى حين، مضيفاً أن “هذا الحين مرتبط بانتصارنا على قوى لم تأتِ لنا بخيرٍ، بقدر ما جاءت لنا بالموت”. ولفت إلى أنه “لم نكن ننوي حمل السلاح، ولم نفكر فيه أبداً، لكن القصف العشوائي، والتهمة الموجهة لنا كجنوبيين، بأننا دواعش وتكفيريون ووجب قتلنا، فاجأتنا”. وذكر “وصلت إلى قناعة بأنه إذا لم أُدافع عن نفسي، فحتماً سيقتلونني بتلك التهمة، فهؤلاء لا يحملون معهم إلا الموت والمشاريع الخارجية، أما العلم والتحديث فلا مكان لهما بين قذائفهم”.

ويتمظهر الأمر الأكثر حساسية لدى سكان مدينة عدن، باستهداف الحوثيين المساجد والكنائس، وضرب التنوّع وتجاوز كل المحظورات، بطريقة تُفرز التمايز المجتمعي والطائفي. وهو الأمر الذي يجعل سكان عدن، وأغلب المناطق المجاورة، يستبعدون إمكانية التعايش السلمي المجتمعي.

ويقول الشاب شهاب فرحان لـ “العربي الجديد”، في معرض تفسيره سقوط مبدأ التعايش السلمي “اليوم أصبحت أحد المسلحين، وحمل السلاح يعني تدمير مستقبلي، فأنا ما زلت خريج جامعة في بداية مشواري، لكن هؤلاء (الحوثيين) أشعروني بأننا من مجتمع آخر”. ويرى أن “ما يحدث الآن ليس صراعاً طبقياً مجتمعياً فقط، بقدر ما هو انقسام مجتمعي، ولم يعد هناك مكان حتى للتعايش مع بعض، فقد حدث الانقسام وأخرجونا عن سلميّتنا”.

وتروي الحكايات في شوارع عدن خطورة الأوضاع. مدينة كريتر، التي لطالما مثّلت وجه التعايش السلمي والتنوع وتعدد الأديان، باتت اليوم في مرمى قذائف الهاون. كما تتعرّض مساجدها وكنائسها لعملية تدمير ممنهجة، وأبناؤها يحملون السلاح، بعد عقود طويلة من تركه، ففي ظلّ توجّه عدن إلى المدنية، كان هناك من يسعى إلى تحويلها إلى ساحة صراع.

لكن تصريحات أبناء عدن توضح أنهم لا يرغبون بالاستسلام لروحية الحروب المتناسخة، فهناك مشهد آخر تحيا فيه روحية المدينة، وتبرز ملامحه في حديث الطالب وسيم محمد، الذي يكشف “نمضي النهار مناوبين في عدد من الأحياء في المدينة، وفي المساء أعود إلى المنزل، لأقوم بمراجعة بعض دروس الجامعة، فيما يخرج والدي أو أخي ليناوب مع الشباب مكاني”.  ويتابع “وعندما تبدأ المواجهات نخرج جميعاً كل واحد منا إلى جبهة، ونمضي وقتنا بالتنقل بين أحياء المدينة، ونحاول تجنّب القنّاصة، فيما أصابعنا على الزناد تحت قصف الدبابات”.

أما زميله في الجبهة عادل محمود، فيعتبر أن “المشهد الذي نعيشه اليوم مفروض علينا، ونحن نحمل السلاح بيدٍ وفي اليد الأخرى ما زلنا نحمل القلم. نمضي أيامنا على الجبهات وعلى مداخل أحياء مدننا، ونحن نراقب تقدم المليشيات الحوثية، وفي الوقت عينه نحاول توفير بعض الاحتياجات للناس، بينما تقوم مجموعات أخرى بتزويد الشباب بالطعام”. ومع ذلك يتمنى عادل أن “تنتهي هذه الحرب لنعود إلى الدراسة”.

أخبار ذات صله