fbpx
الرئيس «المخلوع».. تاريخ حافل بالقمع وسفك الدماء
شارك الخبر

يافع نيوز – الشرق الاوسط

«إذا كان الحوثيون هم الخنجر المسموم الذي غرس في جسد اليمن.. فهناك من أمسك بمقبضه ليغرسه بذات الجسد».. هذه حال لسان ملايين اليمنيين عن المرحلة الانتقالية التي شهدها تنحي الرئيس «المخلوع» السابق للبلاد علي عبد الله صالح كما يفضلون تسميته.

وذلك بعد أن أجبرته الثورة اليمنية التي اندلعت في فبراير (شباط) 2011 على الرحيل عن كرسي الرئاسة الذي تمسك به ما يزيد على 3 عقود كانت حافلة بـ«المسلسلات الدرامية الدامية» من تحالفات وتحالفات مضادة ومؤامرات وسلسلة من القمع والاغتيالات لفرض هيمنته على البلاد.

المطلع على الأزمة الحالية اليمنية وتفاصيلها يدرك أنها نتاج صراع على السلطة، يتزعمه الرئيس المخلوع للانتقام من الثورة الشعبية التي أطاحت به بهدف استمالة الشعب اليمني له مجدداً، وإثبات أن مرحلته كانت الأفضل للبلاد، وذلك بخلق البلبلة والفوضى والأزمات، عبر أصابع يتحكم بها لتحقيق أهدافه ومبتغاه، عاملاً على محاربة كل مبادرة سليمة للإصلاح والالتفاف عليها.

الحوثيون الذين سعى صالح للتحالف معهم ليس حبا فيهم، بل للانتقام من معارضيه وفق روايات يمنية، أشارت إلى مد صالح يد العون للحوثيين لهم لفرض هيمنتهم على العاصمة اليمنية «صنعاء» دون قتال، مكنه من ذلك سيطرته على القوة العسكرية التي ظلت بين أيدي أنصاره ومواليه رغم تنحيه على الحكم، بعد أن قاتل المئات من أفراد الحرس الجمهوري «الوحدة العسكرية المتطورة التي كان يقودها نجله الأكبر أحمد» في صفوف الحوثيين لفرض هيمنتهم على العاصمة، فيما التزم آخرون الصمت وسلموا المقار الرئاسية.

ورغم إنكار صالح التحالف مع الحوثيين، إلا أن تسجيلا صوتيا نسب لـ«الرئيس المخلوع» ظهر – أخيرا – أنه مهندس عملية اجتياح العاصمة صنعاء وتسلمهم لها، إلى جانب المحافظات التي رضخت تحت وطأة السلاح للحوثيين الذي ذهب فيما بعد لدك القصر الرئاسي «المعاشيق» في عدن بالطائرات بعد تمكن الرئيس الشرعي للبلاد عبد ربه منصور هادي من مغادرة الإقامة الجبرية التي فرضها عليه الحوثيون في صنعاء.

واصل معها الحوثيون تمردهم بالتوجه على فرض هيمنتهم على عدن والشق الجنوبي من البلاد، رافضين كل المبادرات التي طرحت للجلوس على طاولة المفاوضات، مواصلاً معها استخدام العنف وقتل الأبرياء، في الوقت الذي وجه فيه الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور استغاثة لسعودية ودول الخليج لحماية الشعب اليمني من عدوان الميليشيات الحوثية.

وكان الرد سريعا لـ«الجارة» السعودية في مساندتها للشرعية في اليمن بالتحرك سريعا لاحتواء الأزمة بعد أن فشل كل المحاولات السلمية للإصلاح في الوقت الذي تواصل معها الميليشيات الحوثية استعمال العنف ضد شعب أعزل، ليطلق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز «عاصفة الحزم» بتحالف مع دول خليجية وعربية لدعم الحكومة الشرعية في اليمن.

تاريخ صالح كما يراه اليمنيون كان حافلا بالقمع وسفك الدماء، التي كان آخرها رفضه الإصغاء لكل الأصوات التي نادت إبان اندلاع الثورة اليمنية برحيله حقنا للدماء، ففضل أن يكتب نهاية دموية لولايته كما تسلمها آنذاك عام 1978 بعد أن دارت الشكوك حيال ضلوعه في قتل الرئيس اليمني السابق إبراهيم الحمدي.

في حين كانت الثورة اليمنية التي انطلقت مطلع لـ2011 ضد نظام صالح التي نتجت بسبب تفشي الفساد المالي والإداري في البلاد والمطالبة بإصلاحات عدة، قبل أن تخط النهاية الدموية لكثير من اليمنيين، بعد أن وجه قناصون سيل الرصاص صوب المتظاهرين اليمنيين في موقعه ذهب ضحيتها آلاف الضحايا سميت بـ«جمعة الكرامة» التي جاءت للمطالبة برحيل الرئيس في حين ذهب صالح لاتهام معارضيه بأنهم خلف هذه المجزرة، واعدا بعدد من الوعود للشعب اليمني لم يتقبلها الشارع اليمني حينها لتلاشي مصداقية الحكومة لديها.

لم يرد صالح التنازل سلميا عن السلطة بعد أن اتضح التفافه علن كثير من المبادرات، وصياغة مبررات له للبقاء، انتهج معها أساليب متفرقة في قمع المتظاهرين تارة وتقديم التنازلات تارة أخرى، في سبيل المحافظة على كرسي الرئاسة، فكانت «جمعة الكرامة» التي فجرت الأوضاع في اليمن ودفعت إلى تخلي كثير من الجنود عن أسلحتهم بعد أن اكتشفوا بأنهم يوجهونا نحو شعبهم وليس عدوهم، واصل معها الرئيس صالح سياسته المعتادة في قمع أي معارض له، كونه يعده من الباحثين عن السلطة ولا يهمهم مصلحة اليمن، في الوقت الذي كان الرئيس السابق وصف معارضيه بالمتآمرين وأنه سيواجه التحدي بتحدٍ.

في 3 يونيو (حزيران) 2011 تعرض صالح لمحاولة اغتيال غامضة أثناء وجوده في المسجد التابع للقصر الرئاسي، أدى إلى مقتل وإصابة عشرات الأشخاص من حراسة ومرافقيه، بينما أصيب بإصابات وحروق خطيرة، توجه على أثرها للسعودية للعلاج قبل أن يعود لبلاده أواخر سبتمبر (أيلول) 2011، وسط دعوات خليجية وإقليمية ودولية لـ«صالح» للتنحي، وحاول مرارا وتكرارا الالتفاف عليها مرات عدة ونكث وعوده مع رؤساء الدول، قبل أن يرضخ لتوقيع على اتفاقية تسليمه للسلطة مع منحه حصانة من الملاحقة في الجرائم التي ارتكبها إبان رئاسته.

وكان الدكتور محمد القباطي السفير اليمني السابق في أحاديث فضائية له متعددة، قال إن تاريخ الرئيس السابق غامر بسلسلة من التحالفات كان الهدف منها دوما بقاؤه على كرسي الرئاسة، مشيرا إلى تحالفه مع الإخوان المسلمين للقضاء على القوى اليسارية والقومية وتهميشهم ثم تحالف مع القاعدة لضرب حلفاء الأمس القريب الإخوان، فيما تحالف مع الجنرال الجيش محسن الأحمر للاستفادة من السند القبلي للأحمر الذي كان يتعمد صالح إرساله في حروبه مع الحوثيين طوال الحروب الستة التي جرت بينهم، فيما ذكرت تقارير عسكرية أن صالح كان يعدل في خطط الأحمر العسكرية ويتعمد الحد من الأسلحة التي يتلقاها الجيش كي يخسر الأحمر المعارك، ثم يرسل نجله أحمد للجبهة ليقود الحرب ليحقق النصر بها، ومن أن تهدأ لهيب الحرب حتى يغض الطرف عن الأسلحة المهربة إلى الحوثيين لتشتعل نار الحرب من جديد.

ونوه القباطي إلى أن صالح معروف بتاريخه العنيف بقتل مشايخ الحجرية مطلع السبعينات وهو ما زال «أي صالح» مدير الأمن في تعز، مشيرا إلى أن مقتل عبد الكريم الخيواني كان استهدافا واضحا من علي عبد الله صالح وقبله الدكاترة عبد الكريم جذبان ومحمد المتوكل وأحمد شرف الدين، مبينا أن صالح كان يستهدف كل إنسان متعلم ومتحضر، مرجعاً ذلك لكون الرئيس السابق يملك عقلية شاويش.

من جانبه، أشار عبد الرقيب منصور، الباحث والكاتب اليمني عبر حديثه بفيلم وثائقي أعد عن الرئيس اليمني السابق إلى أن صالح لعب دورا أساسيا ومحوريا في اغتيال إبراهيم الحمدي التي دونت ضد مجهول، بعد أن أقام صالح وليمة للحمدي بالتنسيق مع أخيه وأحمد الغشمي وبعض المقربين منهم عشية سفر الحمدي إلى الجنوب لتوقيع اتفاقية تتعلق بالوحدة اليمنية.

يذكر أن أحمد الغشمي الذي تولى سدة الحكم في اليمن خلفا للحمدي اغتيل هو الآخر بحقيبة مفخخة بعد 8 أشهر فقط من توليه المنصب، ليتولى عبد الكريم العرشي مهمة رئاسة اليمن مؤقتا، الأمر الذي مهد الطريق أمام صالح لتولي السلطة، حيث سارع في الحضور لإقناع شيوخ القبائل برغبته بتولي السلطة ولو لأسبوع واحد للانتقام ممن قتل الغشمي وذلك كما ذكرها المرحوم عبد الله حسين الأحمر شيخ مشايخ اليمن وفق روايات يمنية.

وبالعودة لمنصور الذي ذكر أن سلسلة من الاغتيالات قادها صالح لبلوغ مبتغاه، آنذاك تمثلت في بعثه للقادة المحتمل تبوؤهم مناصب قيادية بشنطة تحمل نقودا وأخرى تحمل كفنا، فإما أن ترضخوا وتأخذوا هذه الأموال وإما أن تقتلوا وفعلا رضخوا له كثير من العسكريين الأكثر منه قدره وسمحوا له بتبوء المنصب الأول خوفا لا حبا. مشيرا إلى أن ما ساعد صالح في تبوؤ المناصب جرأته وتوغله في قتل منافسيه وغدره بالأشخاص.

فيما أكد عبد الملك منصور مندوب اليمن الدائم لدى الجامعة العربية سابقا في الفيلم الوثائقي ذاته أن شخصية الرئيس السابق كانت متقلبة، مشيراً إلى أن صالح كان دوما ما يعد ثم ينكث وذلك في حديث سابق له.

وقال: «صالح لا يستقيم على وعد واحد ولا يقف عند كلمة، يعد ثم يخطط كيف ينكث.. دائما ما كان يعد ومن ثم يبحث عن التهرب من الوفاء بوعده»، مشيرا إلى أن ما ميز صالح أنه كان يعطي مقامات الرجال حقهم، باحترامهم، بعدها مكن من الانتصار على منافسيه فيما اختفى آخرون لأسباب غير معروفة، فوجد نفسه «متفردا فتفرعن»..

في الجانب الآخر، كان تسجيلا صوتيا سرب مؤخرا نسب إلى الرئيس «المخلوع» إبان اندلاع الثورة في حديثه مع قادة الأحزاب الموالية له: «الأخوة القادة سنواجه الشعب حتى آخر قطرة من دمائنا بكل ما أوتينا من قوة.. من يقف معنا يا مرحبا.. سياسيين أو غير سياسيين أهلا وسهلا.. كسروا كل شيء جميل في اليمن دمروا كل شيء جميل في اليمن.. شعب جبان خوافين لا يعرفون مصلحة الرئيس». تبين أن الأمر لم يكن سهلا مطلقا على صالح للتنحي عن السلطة، الذي بذل كل الوسائل لبلوغ سدة الحكم في البلاد والمحافظة على البقاء وسط أنباء تشير إلى تلاعبات عدة طالت صناديق الاقتراع خلال الانتخابات، ليسعى بعدها صالح إلى إجراء سلسلة من التعديلات في الدستور اليمني تمنحه الأحقية في البقاء، إلى جانب مساعيه لتجهيز نجله أحمد ليكون خلفا له في إدارة سدة الحكم في البلاد، وهو ما أثار حفيظة اليمنيين.

صالح الذي تنحى بمبادرة خليجية عن كرسي الرئاسة لم يتخل فعليا عن طموحه السياسي فذهب للتحالف مع إيران عبر دعم رجالهم الحوثيين واستخدم رجاله لفتح الطريق نحو صنعاء لهم ومحاصرة القصر الرئاسي للرئيس الشرعي للبلاد، في حين كان صالح تسبب في دخول اليمن في حروب متعددة مع الحوثيين منذ 94 كبدتها مليارات الريالات.

وخلال الثلاث سنوات التي قضاها صالح بعيدا عن كرسي الحكم، ظل في صدارة المشهد السياسي، معلنا عن الانضمام لمعارضة السلطة الحاكمة ورافضا معها عروض دول عدة بالخروج من البلاد واعتزال العمل السياسي، والاستفادة من الحصانة من الملاحقة التي منحت إياها «المبادرة الخليجية» التي طوت فترة حكمة التي امتدت لما يزيد على 3 عقود.

وواصل صالح تقمص دور الرئيس الفعلي للبلاد بعد أن بنى له منظومة إعلامية أبقته في الصورة تتكون من قناة فضائية ومطبوعة يومية وإذاعة، كما أنه لم يغب عن قنوات فضائية خارجية كانت تقصد منزله لإجراء مقابلات سياسية. ومنافسة الرئيس الشرعي للبلاد عبد ربه منصور هادي في كل شيء، مستغلاً زعامته لحزب المؤتمر الشعبي العام، فمنزله الشخصي واصل استقبال الوفود والزعماء القبليين من حلفائه، وفي الأعياد الوطنية والدينية كان يقيم «حفل استقبال» للمهنئين من رجال الدولة المنتمين لحزبه تماما كما كان يفعل قبل تنحيه عن السلطة.

ومنذ مطلع 2014 بدأت أصابع الاتهام توجه لصالح في عرقلة العملية السياسية باليمن نكاية في الرئيس هادي الذي فشل طيلة 3 أعوام في بتر أصابع النظام السابق في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.

ورغم صدور بيان اتهام من مجلس الأمن بتجميد أرصدته، إلا أن صالح واصل إبرام التحالفات بغية تحقيق أهدافه قبل أن تقف «عاصفة الحزم» سدا منيعا تجاه ما يصبو إليه.

أخبار ذات صله