fbpx
رسالة إلى عبد الملك الحوثي

د عيدروس نصر ناصر
أتوجه بهذه الرسالة إلى عبد الملك الحوثي بعيدا عن الالقاب فكلنا أسياد أنفسنا وكلنا عبيد للواحد الأحد رلا لأحدٍ سواه.
أرغب بتذكيرك بذلك اليوم الذي قامت فيه اللجنة الرئاسية بمقابلتك أثناء الحرب الرابعة في أواخر يولو ٢٠٠٧م، في منطقة مطرة، فلقد مكثنا حينها يوما كاملا ونحن نتدبر الوصول إليك وفي كل لحظة كان أصحابك يفتعلون عذرا يعيق اللقاء بك، وكلما لبينا لهم طلبا كانوا يضيفون طلبا جديدا، حتى جاء الاتفاق على اللقاء بشروط جماعتك، واختلفنا حينها حول المرافقين فقد اشترطوا أن لا يزيد المرافقون عن أربعة، لكن كان معنا من لديه خمسون وأربعون مرافقا، وكنت والأخ ناصر عرمان الوحيدين بدون مرافقين، وقد نجحنا بصعوبة في إقناع الشيخ صادق الأحمر بعدم المشاركة في اللقاء لأنه أصر أن لا يحضر بدون مرافقين، بينما خفض ياسر العواضي مرافقيه إلى ٣ ومرافق رابع من مرافقي الزميل عبد الرزاق الهجري
لقد كنتم كرماء معنا في الغداء لكننا لم نأت من أجل الغداء بل كان هدفنا الخروج بحل يبعد الحرب نهائيا من العلاقات بين الأطراف السياسية وينقلنا إلى مرحلة الإعمار والبناء.
أتذكر يومها أنك نزلت من المغارة والتقينا تحت إحدى الأشجار وكان الوقت بين الساعة الخامسة والسادسة، يومها قلنا أشياء كثيرة كانت كلها ترفض الحرب والقتل والقتال، ومما أذكر أنك قلت ما معناه : لقد انهكتنا الحروب وآن الأوان أن نعود إلى السلام والوئام والبناء، وشكوت لنا كثيرا مما تعانونه أنت وأنصارك من النزوح والتشرد والهروب ومن هدم المنشآت وتدمير المزارع وتوقف التعليم والحياة الاقتصادية والاجتماعية عموما، وشخصيا شعرت يومها بحجم المظلومية التي عانى منها ويعاني أبناء صعدة وكم لدى صعدة من الممكنات أن تكون من أفضل مناطق اليمن تطورا وازدهارا وسياحة ووفرة في الخيرات.
من المؤسف أن هذا اللقاء لم يتكرر حسب الموعد الذي اتفقنا عليه لأن رئيس الجمهورية حينها طلب اللجنة للعودة إلى صنعا والقيام بعملها من هناك، وكان هذا يعني إيقاف عمل اللجنة لمنع الوصول إلى أي اتفاق، ولم تمر أيام حتى اندلعت الحرب الخامسة ثم تلتها السادسة وتعرفون بعد ذلك إلى أين وصلت الأمور.
ليس هذا هو موضوع رسالتي إلا من باب التذكير أنني يومها شعرت بالألم وأنا أستمع إليك وأنت تشكو لنا المعاناة التي تتعرضون لها من جراء الحرب ومضاعفاتها، أما موضوع رسالتي إليكم فهو يتعلق بحجم الجرائم التي تترتب على استمرار الجنون الذي تشهده اليمن، ومحافظات الجنوب على وجه الخصوص وأعني هنا محافظتي عدن ولحج.
لقد تلقيت مئات الصور المرعبة التي تقشعر لها الأبدان عن القتلى والجرحى والجثث المتورمة المتراكمة فوق بعضها من أنصارك وأنصار صديقك الجديد علي عبد الله صالح، ومن بين الصور عشرات الجثث لأطفال لم يبلغ بعضهم الخامسة عشرة من العمر دخلوا المعارك بلا خبرة وبلا حماية وبلا سبب سوى أن حليفكم، وأظنكم متفقين معه، يرغب في تثبيت ما أنجزه في ١٩٩٤م من احتلال للجنوب لحماية المليارات التي يحققها سنويا من عائدات ذلك الاحتلال ويستخدم اسمكم وحركتكم كغطاء لجرائمه وسيقلب لكم ظهر المجن بمجرد تحقيق النتيجة، وقد رأيتم كيف يعلن براءته مما يجري بعد ما تحرك الجوار لمنع استمرار الاقتتال وردع المعتديين، بينما يستمر في دفعكم وتشجيعكم على مواصلة الحرب فإن فزتم فالفوز له وإن خسرتكم فهو خارج الخسارة.
لقد تمنيت لو أن لدي بريدكم الإلكتروني أو أي وسيلة للتواصل لأبعث لكم صورا ستبكون لرؤيتها لمئات الشباب الذين تتناهش جثثهم الكلاب والقطط وغيرها من آكلات اللحوم على قارعة الطرقات وفي الأودية والشعاب، كلهم ممن دفعتم بهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
إنني أسألكم سؤالا بسيطا:ماذا تريدون من عدن والجنوب؟ إذا كنتم تعتقدون أنكم ستنتصرون وستهنأون بالنصر فأنتم واهمون لأن مئات الجنوبيين الذين تصدوا لعشرات الألاف من أنصاركم وأتباع حليفكم ولم يمنحوهم الفرصة لتحقيق أي نصر هناك أضعاف أضعافهم من الجنوبيين جاهزون لمواصلة المقاومة حتى النهاية، وحتى لو نجحتم في تحقيق بعض النصر (وهذا مستحيل) فلن تتمتعوا بالسكينة في الجنوب لأنكم قوة احتلال دخيلة ستقاومكم كل بلدة تدخلونها وسيرفضكم كل وجه تقابلونه، أما إذا كنتم تبحثون عن غنائم ومنهوبات فاعلموا أن شريككم وشركاءه لم يدعوا شيئا إلا ونهبوه ولم يعد يوجد في عدن والجنوب عموما ما يمكن نهبه، أما إذا كنتم تتحججون بالرئيس هادي فاعلموا أن من انتخبه هو الشمال والشماليون أما الجنوبيون فقد قاطعوا الانتخابات، وبالمناسبة هادي ليس في عدن وليس في أي منطقة جنوبية، فلماذا تقاتلون من لم ينتخبوه ورفضوا التعامل معه كرئيس لهم؟
والسؤال الأخير هو كم من الثمن ستدفعونه من الجثث والدما على حرب لا معنى لها ولا هدف، أرجو أن لا تقول لي أن الجنوبيين هم من يقتل أبناءكم، لقد أرسلتموهم ليقتلونا ويستبيحوا أرضنا ويرعبوا أهلنا، وكما تعلم لم يأت الجنوبيون إليكم في صعدة ليحاربوكم، بل أنتم من جاء للجنوبيين بالأسلحة النارية وليس بالورود ومقاطع الموسيقا العاطفية، فلا تتوقعوا منهم أن يستقبلوكم بالزغاريد والتراحيب.
إنني أدعوكم إلى استدعاء العقل إن كان لديكم من عقل، واستحضار الحكمة إن كنتم تحوزون شيئا منها، وتسألوا أنفسكم عن جدوى هذه المغامرة باهظة الثمن التي أقدمتم عليها وتراجعوا أنفسكم، بعيدا عن التقارير الزائفة التي يرسلها لكم الموتورون ومزيفو الحقائق.
وبعيدا عن الحسابات الأخلاقية والوطنية والدينية التي لا أظنكم تضعون لها وزنا، أدعوكم إلى إجراء عملية حسابية لمقارنة الربح والخسارة مما تفعله أنت وأصحابك وشركاؤكم الذين خبرتم وفاءهم معكم جيدا ، ولا شك أنك ستجد الخسارة كبيرة وكبيرة جدا، والربح ضئيل إن لم يكن منعدما، في مغامرة مجنونة كهذه التي تعملونها في الجنوب.
إن قتلى الجنوبيين بالعشرات وربما بالمئات ونحن حزينون لهم وكنا نتمنى أن لا تزهق روح أحد منهم أما قتلاكم فهم بالمئات وربما بالآلاف ونحن متأسفون لمصيرهم هذا لكنكم أنتم من تسبب بهذا المصير المؤلم لهم.
لقدأزهقتم أنت وعلي عبد الله صالح أرواح عشرات الآلاف من اليمنيين في حروبكما ضد بعضكما واليوم صرتم حلفاء فهلا أخبرتمونا على ماذا تحاربتم، ولماذا أزهقتم أرواح اليمنيين وأرهبتم أبناء صعدة على مدى ست حروب؟
إنني أحدثكم عن ضحايا الحرب في الجنوب، ولم أتحدث عن الضحايا والدمار والهلع والرعب الذي يعانيه المواطنون من الجنسين ومن الأطفال والنساء على وجه الخصوص في صنعاء وصعدة والحديدة وتعز ومأرب وغيرها من مناطق استهداف الشركاء الدوليين، وهو ما كان يمكن تجنبه لو أنكم استمعتم إلى صوت العقل وغلبتم مصلحة الوطن على الاستجابة لنداء شيطان الحرب الذي يوسوس لكم ويصور لكم أنكم معصومون بمسمى “المسيرة القرآنية” لأن القرآن لم يقل لنا أن يقتل المسلم مسلما ويعتدي المسلم على مسلم، ناهيك عن أن يحشد القائد المسلم صبية في عمر الزهور إلى محرقة يعودون بعدها إلا على الجثامين وربما تتحلل لحومهم في الفلوات والفيافي ويكتب ذنب مصيرهم المؤلم عليكم في ميزان حسابكم أمام الله يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.