fbpx
وطن ممنوع من الصرف

صلاح السقلدي
من المؤسف أن بعض أصوات ووسائل إعلامية جنوبية أضحت منذ أيام, بل أسابيع تصور الفعاليات الثورية والمسيرات الجماهيرية الجنوبية بعموم الساحات والميادين وكأنها تخرج احتجاجا على استيلاء طرف شمالي على السلطة بصنعاء, وتظاهرات مؤيدة للطرف المتضرر هناك.
فقد اصبح هدف الثورة الجنوبية (الحراك الجنوبي) بنظر هؤلاء هو مجرد ثورة مرتزقة همها البحث عن نعيم الحكم ووثير كرسي السلطة. وأي سلطة يقصدها هؤلاء؟ انها سلطة الكراسي في صنعاء. أو تصوير الجنوب وكأنه شرطي بيد زيد أو عبيد, أو كرت أحمر يتم اشهاره بوجوه الخصوم بصنعاء للظفر بأكبر جحم ممكن من كعكة الثروة والسلطة .
نعم أن ما يحصل في الشمال هو أمر يعني الجنوب برضاه أو بدون رضاه, ومن يقول غير ذلك فهو يجهل معنى السياسة . الوضع في صنعاء له صدى وتأثير كبير سلبا وإيجابا في عدن والمكلا. ولكن يظل له هدفه ووسائل نضالية خاصة به لا يقحم نفسه بصراعات قوى تتصارع على من يحكم صنعاء أو من ينقلب على الآخر.
فمن السذاجة تصوير الجنوب على انه يطالب فقط بتغيير الجلاد. او أنه يتمسك بسوط الجلاد الأول دون الثاني. أو يقبل بقوة احتلال شمالية ويرفض أخرى, وكأن المسألة مزاج وتخـوّار ).!
الجنوب أكبر من تحتويه تصريحات مريبة في صحيفة أو موقع اخباري مربوطة بحبل سري الى هناااااك. الجنوب وطن لا يعرض في بازار الخردوات والهدايا, وأسوق النحاسة بأثمان بخس. بل هو وطن أغلى ما فيه هو. وطن ممنوع من الصرف بك الظروف والأحوال, لا يقبل الصرف بأسواق العملات وبورصات العمالات.

الثورة الجنوبية لا تنظر الى من تكون هوية الجلاد طالما والسوط يلسع ظهرها ويدميه. لا تنظر الى هذا الجلاد هل هو جلاد من مذهب كذا او جلاد, هل هو من تيار زعطان أو طائفة فلتان. فالجلاد هو الجلاد والمتحل هو لمحتل تعددت المسميات وتكاثرت المبررات فالاحتلال هو ذاته يلبس زنة, أو بدلة سفاري ورباطة عنق.
الجنوب حين انتفض قبل سنوات لم يكن يحصر قضيته بشخص علي عبدالله صالح ولا حتى بطاقم حكمه. بل مع ثقافة حكم واستبداد متجذرة منذ عشرات ان لم نقل مئات السنين, وبالتالي من كان يقول بعد عام 2011م ان إخراج علي عبدالله صالح من سدة الحكم تعني انتهاء اسباب الثورة الجنوبية وانتهاء مبررات استمراريتها فقد اثبتت الاحداث اللاحقة سخف هذا الاختزال وهشاشة هذا الابتسار. ومن الطريف بالأمر ان تلك القوى صاحبة ذلك المنطق البائخ مارست فيما بعدعام 2011م ذات الأساليب المتسلطة والنهبوية التي مارسها نظام علي عبدالله صالح بل اسوأ منه بكثير, هذا على افتراض جدلا انها لم تكن شريكة صالح في ذلك العهد البائد. بل من الأكثر طرافة بالأمر ايضا ان هذه القوى هي ذاتها اليوم التي تريد اختزال خصومة الجنوب مع عبدالملك الحوثي فقط, وتردد المقولة نفسها: ان القضاء على الحوثي يعني حلا جذريا للقضية الجنوبية وما على الجنوب وفق هذه القوى إلا ان يحمل عدته وعداته لمحاربة الحوثي. هذا المنطق الغريب الذي نسمعه اليوم هو شريط تسجيلي يعاد عرضه أمامنا مرة أخرى بعد أربعة أعوام بالوفاء والتمام.!
– حكمة: تجوع الحُـرّة ولا تأكل بثدييها.